1 -ملامح من التواجد التركي في تطوان منذ مطلع العصر الحديث إلى نهاية القرن التاسع عشر
جريدة الشمال – ذ.بلال الداهية ( ‹‹ التواجد التركي في تطوان›› )
الإثنين 02 نوفمبر 2015 – 16:42:21
تقديم:
صدرَ لنا في شهر يونيو الأخير عن “باب الحكمة” بتطوان مؤلف جديد عنوانه “دراسات في تاريخ الشام ومصر في العهد العثماني”، وما إن انتشر الخبر بين معارفنا وأصدقائنا، حتى انهالت الكثير من عبارات التهنئة علينا، ودائما ما تلتها عبارة: “العثمانيون لم يدخلوا المغرب نهائيا”.
لقد استوى معظم المثقفين ومعهم محدودو الثقافة في إطلاق هذه العبارة بمجرد سماعهم أو رؤيتهم لعنوان الإصدار الجديد، لدرجة أنني اعتقدت فعلا أن القارئ المغربي لا يعرف عن الدولة العثمانية التي كانت ترتجف لها أوروبا بأكملها، سوى أنها لم تدخل المغرب “المقاوم والممانع” آنذاك، وسوى ما يتردد في بعض المحطات الإعلامية من صور مشوهة عن تاريخ إحدى أعظم الدولة التي عرفها تاريخ البشرية.
أذكر وأنا تلميذ في المرحلتين الإعدادية والثانوية كيف أننا سمعنا مرارا من أساتذتنا نفس تلك العبارة، التي يستفاد منها أن العثمانيين لم يكونوا سوى طامعين في حكم المغرب، ولكن بما أن هذا الأخير كان آنذاك قويا جدا، فقد تصدى لكل محاولاتهم اليائسة، ثم بدأْتُ أكبر شيئا فشيئا، لأكتشف أن أسرتي تنحدر من سلالة تركية عاشت في الشام ومصر لقرون ثم خرج فرد منها فارا نحو المغرب قبل ثلاث قرون ونصف ليؤسس أسرة مغربية نسيت تماما أصولها المشرقية مع مرور الزمان وتقادم العصور.
وحينما كنت أقوم في سنة 2014 بجولات في منطقة بني حزمار وفي العدوة اليمنىلوادي مرتين التاريخي، وقفت على عدة شواهد على وجود الأتراك في المنطقة، وعلى ارتباط الوادي بالمجاهدين الأتراك الذين شاركوا في عمليات الجهاد البحري إلى جانب أهل تطوان ضد الكثير من الأساطيل الأوروبية العابرة لمضيق جبل طارق. ولا يخفى على كل تطواني أن هذه المدينة جمعت طيلة تاريخها منذ تجديد بنائها على يد أبي الحسن المنظري ثقافات متنوعة أندلسية وجبلية وريفية وتركية وعملت على إذابتها في بوثقة واحدة أثمرت في النهاية تلك الخصوصية الحضارية التي تمتاز وتتفرد بها تطوان عن سائر البلاد.
وهذا المقال الصغير هو محاولة أولية لتجميع بعض المعطيات المصدرية أو الميدانية حول التواجد التركي في تطوان، وهي معطيات قليلة ومحدودة جدا، ولكنها في نفس الوقت تفتح الباب لمن شاء أن يقتحم هذا الميدان الوعر ليميط اللثام عن ماض بدأ يتعرض للطمس والتشويه مع تغير الملامح الحضارية والخصوصيات المميزة لكل مدينة على حدة.
سيتناول المقال في البداية موقف العثمانيين من المسألة الأندلسية على اعتبار أن الأندلسيين هم الذين جددوا بناء تطوان، ثم بعض الشواهد على وجود نشاط بحري عثماني في مرسى تطوان خلال بداية العصر الحديث، ثم تطورات هذا النشاط في عصر آل النقسيس، مع التطرق إلى بعض الإشارات الواردة في المصادر عن تواجد الأتراك في تطوان خلال العصر العلوي، وإلى إدخال التجار التطوانيين ظاهرة الرقيق الأبيض المشرقي إلى المغرب خلال القرن التاسع عشر.
الدولة العثمانية وقضية الأندلس:
شهدت شبه الجزيرة الإيبيرية في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي حدثاً على درجة كبيرة من الأهمية هو توحيد مملكتي أراغون وقشتالة وقيام دولة إسبانيا الحديثة وذلك في عام 1479م. وقد أصبحت هذه المملكة عقب توحيدها أقوى دولة في أوروبا، وواصلت نفس السياسة التي انتهجتها الممالك النصرانية السابقة والقاضية بالاستيلاء على المعاقل الإسلامية في الأندلس، وهي السياسة التي تعود جذورها إلى بداية التواجد الإسلامي بالأندلس حينما لجأ الفارس القوطي “بلاي” (Pelayo) بمن معه إلى أعالي جبال “كوفادونجا” بين إقليمي جيليقية(Galicia)وأشتوريس(Asturias) حيث أعطى الانطلاقة الأولى للممالك النصرانية في شبه الجزيرة الإيبيرية، وبقيت هذه السياسة محدودة القوة إلى حين انهيار الخلافة الأموية بقرطبة وقيام دول الطوائف، وفيتاريخ 478هـ/1085م استولى ملك قشتالةألفونسو السادس Alfonso VI (1065 – 1109م) على مدينة طليطلة من يد المسلمين واتخذها عاصمة لمملكته. ومنذ هذه السنة اتخذت هذه السياسة طابعا أكثر حدة، وعرفت في التاريخ الإسباني ب”حروب الاسترداد” (Reconquista).
وقد عمدت الدولة الإسبانية الناشئة إلى اتخاذ أقسى الإجراءات التعسفية ضد المسلمين في مـحاولة لتنصيرهم، أو لإجبارهم على الرحيل عن شبه الجزيرة الايبيرية.
ونتيجةً لتلك الإجراءات أخذ الوجود العربي في الأندلس ينحسر تدريجياً حتى أصبح يقتصر على مملكة غرناطة وحدها، والتي غدت بمثابة آخر ملاذ للمسلمين في الأندلس ممن اضطرتهم حملات القمع والاضطهاد على يد الأسبان إلى ترك ديارهم في عموم الأندلس، واللجوء إلى غرناطة على أمل أن ينعموا فيها بحرية ممارسة شعائرهم الدينية واستخدام لغتهم العربية.
وقد سبقت جاليات أندلسية كثيرة نظيرتها التي بقيت في غرناطة في الخروج إلى بلدان شمال إفريقيا، وخصوصا المغرب الأقصى لقربه الجغرافي وعلاقاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتواصلة مع الأندلس منذ فتحها. وأبرزها جالية إشبيلية التي استوطنت الكثير من مناطق شمال إفريقيا)1(، بل وحتى المشرق الإسلامي)2(.وحينما توحدت إسبانيا في التاريخ المذكور سابقا، أصبحت إمارة بني الأحمر في غرناطة آخر معاقل الإسلام في الأندلس أمام مرمى الهجمات الإسبانية.
وفي غضون ذلك سعى المسلمون في الأندلس إلى الحصول على عون من الدول الإسلامية القائمة آنذاك، وخصوصاً من دولة المماليك البرجية (1382 – 1517م) التي كانت تحكم مصر وبلاد الشام والحجاز، أي أنها تسيطر على المقدسات الإسلامية الثلاثة، ويقيم في عاصمتها الخليفة العباسي الممثل الشرعي للسلطة الروحية في العالم الإسلامي آنذاك.
بعث الملك الأشرف قايتباي بوفود إلى البابا وملوك النصرانية يذكرهم بأن النصارى الذين هم تحت حمايته يتمتعون بالحرية، في حين أن أبناء دينه في المدن الأندلسية يعانون أشد أنواع الظلم، وقد هدد باتباع سياسة التنكيل والقصاص تجاه رعايا المسيحيين، إذا لم يكف ملك قشتالة وأراغون عن هذا الاعتداء وترحيل المسلمين عن أراضيهم وعدم التعرض لهم ورد ما أخذ من أراضيهم، لكن هذه التهديدات لم يقع شيء منها في نفس البابا والملكين الكاثوليكيين)3(، رغم أن الملك الأشرف قد أقبل فعلا على سجن مجموعة من الرهبان ومنعهم نهائيا من زيارة بيت المقدس.
ومنذ عام 1482م لجأ ملوك غرناطة إلى طلب العون من الدولة العثمانية. وفي عام 890هـ/ 1485م وردت شكاوى إلى بايزيد الثاني من أهالي الأندلس بسبب تزايد اعتداءات الإسبان عليهم. إذ وصل في تلك السنة وفد من غرناطة إلى إسطنبول، حاملاً رسالة من بعض أهالي الأندلس موجهة إلى بايزيد الثاني وارفقوا معها قصيدة شعرية وصفوا فيها معاناتهم على يد الأسبان كإجبارهم على اعتناق المسيحية، وتغيير أسمائهم وما شابه ذاك من اضطهاد. وناشد الوفد بايزيد الثاني تقديم المساعدة لمسلمي الأندلس بصفته حامياً للإسلام.
ومن ضمن ما ورد في تلك الرسالة)4(: “…الحضرة العلية، وصل الله سعادتها، وأعلى كلمتها، ومهد أقطارها، وأعز أنصارها، وأذل عداتها، حضرة مولانا وعمدة ديننا ودنيانا، السلطان الملك الناصر، ناصر الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، قامع أعداء الله الكافرين، كهف الإسلام، وناصر دين نبينا محمد عليه السلام، محي العدل، ومنصف المظلوم ممن ظلم، ملك العرب، والعجم، والترك والديلم، ظل الله في أرضه، القائم بسنته وفرضه، ملك البرين وسلطان البحرين، حامي الذمار، وقامع الكفار، مولانا وعمدتنا، وكهفنا وغيثنا، لازال ملكه موفور الأنصار، مقرونا بالانتصار، مخلد المآثر والآثار مشهور المعالي والفخار، مستأثراً من الحسنات بما يضاعف به الأجر الجزيل، في الدار الآخرة والثناء الجميل، والنصر في هذه الدار، ولا برحت عزماته العلية مختصة بفضائل الجهاد ومجرد على أعداء الدين من بأسها، مايروي صدور السحر والصفاح، وألسنة السلاح بأذلة نفائس الذخائر في المواطن التي تألف فيها الأخاير مفارقة الأرواح للأجساد، سالكة سبيل السابقين الفائزين برضا الله وطاعته يقوم الأشهاد”.
وذيل الكتاب بأبيات شعرية كثيرة.
من المعلوم أن الدولة العثمانية لم تتدخل عسكريا في الأندلس عند سقوط غرناطة سنة 1492م، وذلك لبعد المسافة، ولكون الدولة العثمانية لم تكن قد دخلت بعد إلى الجزء الغربي من العالم المتوسطي، إلا أن حادثة الحصار المسيحي لغرناطة هذه جعلت الدولة العثمانية ترسل جزءا من أسطولها نحو الغرب المتوسطي لأول مرة في تاريخها، وكان قائد الأسطول العثماني “كمال علي باشاالقرامانلي” المعروف ب”الريس كمال”، وقد وصلت غاراته إلى جزيرة صقلية وجزر الباليار وميناء مالقة)5(الذي كان قد سقط للتو في أيدي الإسبان.
لقد كان سقوط الأندلس أول الأحداث التي لفتت أنظار العثمانيين نحو الغرب المتوسطي، وزاد من حماستهم قرار الطرد الذي أصدره الإسبان سنة 1502 في حق الأندلسيين نقضا للعهد الذي أبرم سلفا مع آخر ملوك غرناطة أبي عبد الله الصغير، ثم ما تبع هذا القرار من هجوم الإسبان على سواحل شمال إفريقيا.
لقد كان الأندلسيون دائما ينظرون للأتراك على أنهم حماة الإسلام الذين أنقذوهم من الهلاك)6(، وبالفعل، فبفضل السفن العثمانية التي هاجمت شواطئ الأندلس تمكن الآلاف من الأندلسيين من النجاة والنزول بالشواطئ المغربية)7(، ومن بينها مرسى وادي مرتين الذي كان أول موضع نزل به المهاجرون الغرناطيون الذين جددوا بناء تطوان.
تطوان والمجاهدون الأتراك في عهد الأسرة المنظرية
من بين أهم الخدمات التي قدمها الأتراك للمهاجرين الأندلسيين نحو شمال المغرب عملية النقل، وحينما حققت الدولة العثمانية انتصاراتها المتتالية على الإسبان في الجزائر، انبهر الأندلسيون بهذه الإنجازات، وراسلوا الرايس خير الدين الخضر باشا الملقب ب”بربروس” الذي قاد سلسلة هجمات على الشواطئ الأندلسية وقام بجمع مئات الأندلسيين وترحيلهم نحو المغرب والجزائر، وفي عام 1529 أرسل خير الدين حملة يقودها آيدين رايس وصالح رايس القازدغلي نحو بلنسية، وبعد أن قامت الحملة بقصف ميناء المدينة تمكنت من إنقاذ ستمائة أندلسي كانوا يرغبون بالهجرة، وتم إنزالهم بشواطئ شمال إفريقيا)8(.
وأشار خير الدين باشا في مذكراته إلى اتخاذ الأتراك من الساحل المغربي المسامت لمدينة سبتة قاعدة لبدء عملياتهم ضد الأساطيل المسيحية، وهذا ما ينطبق في الغالب على مرسى وادي مرتين، لكونه المركز الأساسي لعمليات الجهاد البحري منذ مدة)9(.
وتذكر بعض المصادر أن خير الدين باشا أرسل طيلة فترة حكمه 36 بارجة حربية نحو السواحل الإسبانية أنقذت عشرات الآلاف من الأندلسيين، وأنزلتهم في المراسي المغربية والجزائرية، وقدر عدد هؤلاء الأندلسيين الناجين بسبعين ألفا)10(.
وانطلاقا من شاطئ تطوان دائما تمكن آيدين رايس من إنزال هزيمة منكرة بالإسبان في جزر البليار سنة 1530 ب12 غليونا حربيا ونجح في إنقاذ المئات من موريسكيي الجزر المذكورة، وتأهب الإمبراطور كارلوس الخامس )شارلكان( للرد الحاسم على هذه المعركة بإرسال حملة قادها القبطان فيديريكوبورتوندو(Federico Portundo) تكونت من 12 بارجة لقطع الطريق على آيدين رايس، ثم بعد القضاء عليه الهجوم على مرسى تطوان وتخريبه حتى لا يعود القراصنة الأتراك إلى الاحتماء به.
اضطر آيدين رايس إلى إنزال الأندلسيين من جديد في ساحل بلنسية بالقوة بعد أن رفضوا النزول في البداية خوفا من أن يقتلوا من طرف الإسبان، وبدل أن ينتظر الأسطول العثماني هجوم الإسبان بادر بالتقدم وطوق القبطان بورتوندو في عرض الشاطئ، وتمكن من إحراق أسطوله، وقتل بورتوندو في هذه المعركة، وقد وصفه خير الدين بربروس في مذكراته بكون أحد أكبر المشاركين في عمليات تعذيب المسلمين في الأندلس وإجبارهم على التنصر. ونتيجة لهذه المعركة أطلق الإسبان على آيدين رايس لقب “الشيطان الضارب”)11(.
لكن كيف كان الأتراك يستغلون القاعدة النهرية بتطوان؟ وهل كانوا ينسقون مع حكومة المدينة؟
تطابق فترة خير الدين باشا بالجزائر فترة حكم الحرة بنت علي بن موسى بن راشد بتطوان، منذ زواجها بالقائد المنظري الثالث سنة 1510 إلى حين انتزاع محمد بن الحسن المنظري الحكم منها سنة 1542.
وتؤكد الكثير من الدراسات أن الحرة كانت ترحب بالمراكب التركية القادمة من الجزائر، وأنها سلمت للأتراك قاعدة نهر مرتين منذ قيام الحرب بينها وبين حاكم سبتة ألفونسو دي نورانيا (Alfonso de Noranha) فأضحت المراكب التركية مصدر إزعاج دائم لحكام سبتة، وكانت تأتي محملة بالمئات من الأسرى البرتغاليين والإسبان، فتشتريهم الحرة)12(.
وتربط الدراسات سواء القديمة أو المحدثة بين اسمي السيدة الحرة وبين خير الدين باشا بربروس، وتؤكد أن علاقة متينة جدا ربطتهما ببعضهما البعض، وحتى حينما عقد إبراهيم بن علي بن راشد أخو الحرة وحاكم الشاون معاهدة عدم اعتداء مع الملك البرتغالي جواو الثالث، فإن الحرة بقيت بمنأى عن هذه المعاهدة ولم تعترف بها)13(، وفي عام 1531 حينما كان أسطول بربروسا بقيادة آيدين رايس يستعد للهجوم مرة أخرى على السواحل الإسبانية، أقام هذا الأسطول قاعدة جهادية على تلة مشرفة على وادي مرتين وعلى مزارع بني معدان، وضمت القاعدة 26 سفينة حربية، وتولت الحرة تزويد هذه القاعدة بالمؤونة، وخصوصا من “البقسماط” )البجماط باللهجة التطوانية(. كما أقام الأتراك بعض المدافع عند مصب الوادي في “دار مرتين”.
وتوجد إلى حد الآن بعدوة الوادي الجنوبية خرائب من بقايا معسكرات المجاهدين الأتراك منها قنطرة حمراء مدفونة بالتراب بشكل شبه كامل، وغير بعيد عنها توجد على تلة مطلة على الوادي قطع من بقايا أبنية قديمة، إضافة إلى بقايا جثوة (tumulus) تحيط بها مدافن جماعية.
وكان الباحث أنخيلوغيريللي(Angelo Ghirelli) عضو مركز الدراسات الإفريقية الإسباني، قد زار هذا الموضع والتقى ببعض الفلاحين من أهالي بني معدان المجاورين له، ومن بين ما أفادوه أن الموضع كان يسمى “الحيوط د ابن الحسن” نسبة إلى شخص ثري كان يملك تلك الأراضي، أما المقابر فأطلقوا عليها منذ القدم “قبور الترك”، وذكروا أن المكان كان معسكرا للقراصنة الأتراك الذين أهلكهم طاعون شديد ضرب المنطقة فألقوا موتاهم في حفر وغطوها بالحجارة، ولم يتمكنوا من دفنهم وفق الطريقة الشرعية خوفا من العدوى)14(.
وحسب الرواية الشفهية التي دونها غيريللي، فإن قسما من سكان بني معدان، خصوصا بالمداشر القريبة من تطوان ينحدرون من القراصنة الأتراك، وقد نقل عن بعض الفلاحين أنهم أثناء عملية حراثة الأرض، كانوا يجدون بقايا عظام بشرية)15(.
وكان غيريللي قد قلل من شأن هذه الرواية الشفهية واعتبرها مجرد تخليد لذكرى قراصنة أتراك “غرباء إثنيا عن أهل المنطقة” تواجدوا خلال العصر الحديث، وذهب إلى كون الموضع يعود للعصر الحجري الحديث )النيوليتي( اعتمادا على باحث فرنسي زار المكان سنة 1902 أي قبل نشر مقال غيريللي هذا بتسعة وعشرين سنة، ويدعى Paul Pallary.)16(

ولكن أثناء زيارتنا لعين المكان ضمن جولات قمنا بها بمنطقة بني حزمار، وجدنا أن بعض الفلاحين المسنين لا زالوا يحتفظون بعبارة “قبور الترك” المذكورة أعلاه، بل ويزعمون أن بعض الأسر المعدانية تنحدر فعلا من أصول تركية، ومما لاحظناه أن التأكيد القطعي يشمل أسرة “كرو” المتواجدة بدواوير “اقنيقرة” و”الدفالي” المعدانيين، ويزعم البعض أن أكثر سكان مدشر “بودراع” المعداني من أصل تركي… كما وقفنا على أسرة تؤكد أنها منحدرة من قراصنة أتراك قدموا من الجزائر ونزلوا بوادي مرتين الحالي، وحينما تخلوا عن مهنة الجهاد البحري صعد من بقي منهم في الجبل المطل على الضفة اليمنى للوادي ونزلوا بقرية “المرس” )عين بوعنان( قرب مدشر “بوسملال” الحزمري، وتعرف هذه الأسرة ب”الكحال” والنسبة في الغالب إلى صناعة مكاحل البارود)17(.
المجاهدون الأتراك بتطوان في عهد السعديين وإمارة بني النقسيس:
يبدو أن نشاط الأتراك في مدينة تطوان وفي السواحل الشمالية للمغرب عموما لم ينقطع بقيام الدولة السعدية وخضوع تطوان لحكمها، ورغم أن الأتراك كانوا حلفاء في الغالب للوطاسيين، ولم يكونوا على وفاق مع الأسرة السعدية في البداية، فإن تطوان بقيت تستقبل المجاهدين الأتراك خلال عهد السعديين، رغم المضايقات التي تعرضوا لها.
وقد ذكر لويس ديل مارمولكاربخال أن ميناء تطوان كان يضم خلال بداية العهد السعدي، عشرات السفن العثمانية التابعة لحاكم الجزائر، وبجانبها كان أهل تطوان يملكون خمسة عشر قاربا قرصانيا، ولهذا السبب، ونظرا أيضا لوقوف السعديين في وجه النشاط البحري العثماني في المنطقة الشمالية، قرر ملك إسبانيا فيليبي الثاني إرسال حملة ضد مصب وادي مرتين لإغلاقه وردمه بالحجارة، قادها ضون ألفارو دي باثانAlvaro de Bazan.)18(
وقد أشار ألفارو المذكور في رسالة له إلى ملكه إلى تعاون السلطان السعدي مع الإسبان، وحسب هذه الرسالة فإن استيلاء الإسبان على جزيرة بادس سنة 1564 والذي كان بمساعدة مغربية من السلطان السعدي عبد الله الغالب نكاية في العثمانيين الذين كانوا يقيمون بالجزيرة)19(، لم يترك للأتراك ملجأ آخر في السواحل المغربية سوى مصب وادي مرتين، فيتوجب على الإسبان أن يغلقوه كي يرتاحوا نهائيا من غارات “القراصنة” الأتراك ومن يقف بجانبهم من أهل تطوان.
وقد وصلت الحملة الإسبانية إلى مصب الوادي سنة 1565 ونجحت في إغلاقه، وإن كانت قد تأخرت عن موعدها بسبب وشاية سفينتين إنكليزيتين بها لدى المغاربة، ورغم أن حامية تطوان كانت على أهبة الاستعداد للهجوم الإسباني المتوقع، فإن الأسطول المسيحي قام بتضليلها حيث اعتقد المسلمون أن الإسبان سيهاجمون المدينة وليس فم الوادي، فتمكن الإسبان من تحقيق انتصار عسير وأغلقوا مصب نهر مرتين، وقد عبر قائد الحملة عن ارتياحه لنتائجها المتوقعة والمتمثلة في كون إغلاق المصب “يؤمن الشواطئ الإسبانية من غارات القرصان الترك، ويحرمهم من ذلك المرفأ الأمين، ويزيل الخطر الذي يهدد مواصلاتنا مع الهند…”)20(.
يبدو أن الخطة الإسبانية لم تكن ناجحة تماما، فبمجرد حلول سنة 1568 نجد ثورة إسلامية في قلب إسبانيا يقودها المدجنون الموريسكيونفي بشرات غرناطة بزعامة فرناندو القرطبي سليل ملوك بني أمية حكام الأندلس أيام عزها، والذي سمى نفسه محمد بن أمية، ونجد المجاهدين الأتراك مجددا يقصفون ميناء المرية الإسباني ويمدون الثوار بالأسلحة والمؤن بزعامة “أولوج علي”)21(، وهو العامل الأساسي الذي جعل عمر ثورة البشرات يمتد لثلاث سنوات كاملة، حتى إذا ما حلت سنة 1571، انتهت الثورة وخرج فوج جديد من الموريسكيين المطرودين لينزل بشمال المغرب، ومعظم حمل على ظهور سفن تركية.
تعود المصادر التاريخية لتذكر تواجد الأتراك بقوة في تطوان مع بداية ضعف الدولة السعدية ووصول آل النقسيس إلى الحكم في المدينة، ونظرا للموقف السلبي الذي اتخذه السلطان محمد الشيخ المأمون السعدي من آل النقسيس ومن حلفائهم بالمنطقة وخصوصا من الأتراك والأندلسيين، ونظرا لرغبته الجامحة في التعاون مع القوى المسيحية، فقد حاصر المأمون تطوان، وحينما لم يستطع المقدم أحمد بن عيسىالنقسيس مقاومته فر نحو جبال غمارة واحتمى بضريح “سيدي أحمد الفيلالي”)22(وهو مطل على قرية “تفزة” على ساحل البحر المتوسط من قبيلة بني بوزرة الغمارية.
وإلى جانب الأعمال الشنيعة التي قام بها المأمون السعدي في المنطقة الشمالية، كمضايقته للموريسكيين المطرودين من الأندلس سنة 1018 هـ/ 1609م والنازلين بكافة مدن وقرى الشمال المغربي، واعتراضه لبعض المسلمين الفارين من أسر البرتغاليين في طنجة وتسليمهم لحاكم طنجة البرتغالي، ثم تسليمه العرائش للإسبان سنة 1610، وعقده معاهدة معهم تقضي بمنع الجهاد ضدهم مدة أربعين سنة، إلى جانب كل هذا، فإن المأمون حارب بكل ما أوتي من قوة الأتراك المرابطين في مصب نهر مرتين.
تتحدث المصادر عن قوة كبيرة من الأتراك أقامها آل النقسيس في تطوان بزعامة “مراد برتقيش” الملقب ب”حارس البحر”)23(، وكان هذا الشخص معروفا لدى أهل تطوان بشجاعته وصلاحه وأخلاقه المتميزة، ويبدو من خلال الروايات أنه كان يقيم داخل أسوار تطوان)24(، ورغم أن المصادر تجمع على كونه “تركيا” إلا أن لقبه يوحي بأنه كان علجا في الأصل، حيث يرجح أن كلمة “برتقيش” هي تحريف لـPortuges أي “برتغالي”.
ذاعت شهرة الرايس مراد برتقيش بسبب تدويخه للأساطيل الإسبانية في سبتة وعرض مضيق جبل طارق، والأعداد المهولة من السفن التي تمكن من الاستيلاء عليها، والأسرى الإسبان الذين تمكن من إلقاء القبض عليهم في عرض البحر، وكان يغزو سواحل شبه الجزيرة الإيبيرية أربع أو خمس مرات في كل شهر)25(، وكثيرا ما هاجمته الأساطيل الإسبانية بغية التخلص منه، ولكنها لم تتمكن من ذلك، وتسجل بعض التقارير أن الرايس مراد أنزل بالإسبان هزيمة بحرية فادحة عند الرأس الأسود سنة 1605.)26(
كاتب سكان سبتة وجبل طارق المأمون السعدي في شأن الرايس مراد بعد أن ضاقوا ذرعا بأعماله، فما كان منه إلا أن أوعز إلى عامله على تطوان “حمو بودبيرة” أن يرسل في إحدى الليالي من يغتاله غدرا ثم يخفي جثته، ونتيجة لذلك تلقى المأمون من الإسبان هدية ثمينة جدا على خدمته الجليلة لهم)27(.
وحينما نقمت القوى المحلية في تطوان ونواحيها كل هذه التصرفات التي قام بها المأمون وبيعه البلاد للنصارى ومهاجمته للمجاهدين أينما كانوا، تحركت عدة أطراف للقضاء عليه على رأسها آل النقسيس وحلفاؤهم من الموريسكيين والأتراك الذين هاجموا تطوان وتمكنوا من اقتحامها وقتل القائد حمو بودبيرة)28(وإعدام أخوته وسبي نسائه وأمواله وتنصيب أحمد النقسيس حاكما عليها من جديد في سنة 1613، ومن جهة أخرى فإن القبائل الجبلية والهبطية بزعامة المقدم أبي الليف )بوليف( هاجمت المأمون السعدي وتمكنت من الانتصار عليه وقتله في موضع يعرف ب”فج الفرس” على الحد بين قبيلتي فحص طنجة ووادي راس.
وقد عزز الانتصار المحقق من استقلالية تطوان تحت حكم أسرة النقسيس وانفصالها عن الحكومة السعدية، ورغم أن عبد الله بن الشيخ المأمون حاصر تطوان وحاول الثأر لمقتل أبيه، إلا أن حصاره باء بالفشل)29(، وكرس انفصال المدينة عن الحكم السعدي، وهو ما عزز دون شك من مكانة العنصر التركي في ميناء وادي مرتين كما تشير عدة تقارير بريطانية.
فقد ورد في تقرير يعود لسنة 1621 أن سفنا تركية تواجدت بتطوان وقامت بغارة على ميناء مالقة الإسباني، وتولت بعد ذلك مهمة نقل بعض الموريسكيين المتواجدين بالجبال المطلة على تطوان ليلتحقوا ببعض أقاربهم الموجودين بالجزائر)30(، وكانت هذه السفن تتعرض لمحاولات قرصنة متعددة من قبل الأساطيل الإنكليزية والإسبانية المبحرة بعرض مضيق جبل طارق. وقد نجح الأدميرال الإنكليزي مانسيلRobert Mansell في أسر أعضاء إحدى هذه السفن العثمانية، وكان معظم من تنقلهم من الموريسكيين الذين اختاروا الالتحاق ببعض أقاربهم في الجزائر.
وقد اتضح من خلال إحدى الرسائل التي بعثها المقدم أحمد النقسيس إلى السفير الإنكليزي والتر أستون Walter Aston أن المركب العثماني كان أتراك تطوان قد أخذوه من فرنسا، وحولوه لصالحهم، ثم خرجوا به لأداء مهمتهم المذكورة أعلاه فاعترضهم الإنكليز، وأسروهم انتقاما من عملية أسر تعرض لها بحارة إنكليز قرب تطوان قبل هذا التاريخ، وقد خلص الطرفان معا في النهاية إلى عقد اتفاقية صلح وتبادل للأسرى في مدينة سبتة، لاعتبارها مدينة محايدة لا تتبع لا الإنكليز ولا إمارة النقسيس(31) .
(الهوامش والإحالات)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(01) كنا قد أنجزنا عدة دراسات نشرت في جريدة “الشمال” حول التواجد الأندلسيفي بعض القبائل الجبلية المحيطة بتطوان وتبين لنا أن جالية إشبيلية استقرت بكثرة في سبتة وبلاد أنجرة، وحينما سقطت سبتة سنة 1415 تفرقت في القبائل القريبة كحوز تطوان ووادي راس وبني حزمار…
(02) حول الجاليات الأندلسية في المشرق إلى نهاية العصر المملوكي راجع: أحمد )علي(، “الأندلسيون والمغاربة في بلاد الشام من نهاية القرن الخامس وحتى نهاية القرن التاسع الهجري”، دار طلاس، دمشق، 1989.
(03) ابن إياس )أبو البركات محمد بن أحمد الحنفي الشركسي(، “بدائع الزهور في وقائع الدهور”، تحقيق: محمد مصطفى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ج3، صص: 244 – 245.
(04) المقري )شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد التلمساني(، “أزهار الرياض في أخبار عياض”، تحقيق: مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي، القاهرة، 1939، ج1، صص: 108 – 115.
(05) أوزتونا)يلماز(، “تاريخ الدولة العثمانية”، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مؤسسة فصل للتمويل، اسطنبول، 1988، ج1، ص: 195.
(06) بقي تعظيم العثمانيين ووصفهم بهذه الصفات جاريا على لسان معظم الموريسكيين الذين هجروا منذ القرن السادس عشر، فهذا أفوقاي مثلا يقول: “وكل واحد من سلاطين النصارى يخاف ويرتعد من سلاطين الإسلام والدين، المجاهدين في سبيل رب العالمين، وهم السلاطين الفصلاالعظما العثمانيون التركيون. وقد تقدم لنا ذكر ما رأيت وفهمت من النصارى في بلادهم من الخوف العظيم الذي في قلوبهم منهم. ورأوا ملوك النصارى أنه يليق بهم صحبتهم على وجه اللين واللطف، حتى إن كل واحد منهم يبعث رسوله ليقعد على الدوام والاستمرار في القسطنطينية العظمى يطلب منهم الصلح والرضى عنهم وهم نصرهم الله وخلد ملكهم لا يبعثون رسولا لكافر على وجه القعود في بلادهم، وصح أن سلطان إشبانية وهي بلاد الأندلسأراد أن يبعث رسولا للقعود مثل سائر ملوك النصارى ولم يقبلوه، لما تحققوا من عداوته للإسلام، وغدره فيما مضى مما صدر منهم مع سلطان الهنود المغربية بمدينة مشيق (Mexico) المسمى متشمه(Moctezuma) إذ مشوا إليه بهدية وقتلوه…” انظر: أفوقاي)شهاب الدين أحمد بن قاسم الحجري الأندلسي(، “ناصر الدين على القوم الكافرين”، تحقيق: شورد فان كوننكزفلد، قاسم السامرائي وخيرارد فيخرز، مدريد، 1997، صص: 125 – 126.
(07) أوزتونا، مرجع سابق، ص: 195.
(08) رزوق )محمد(، “الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب خلال القرنين 16 و17″، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، الطبعة الثالثة، 1998، ص: 85.
(09) بربروس)خير الدين باشا خضر بن يعقوب الميدللي(، “مذكرات خير الدين بربروس”، ترجمة: محمد دراج، شركة الأصالة، الجزائر، 2010، ص: 139
(10) رزوق، مرجع سابق، ص: 85.
(11) بربروس، مصدر سابق، ص: 141.
(12) العافية )عبد القادر(، “أميرة الجبل الحرة بنت علي بن راشد”، تطوان، 1989، ص: 20
(13) نفسه، ص: 21.
(14) GHIRELLI (Angelo), “El túmulo de BeniMaadan”, Africa: Revista de tropascoloniales, epocaseptima, añosegundo, Marzo 1931, p. 54.
(15) Ibid.
(16) Ibid, p. 53.
(17) مقابلة شفهية مع السيدين عبد السلام الماوي ومحمد الكحال بحي طوريطا بتطوان بتاريخ 7 أبريل 2014.
(18) داود)محمد(، “تاريخ تطوان”، مراجعة وتصحيح: حسناء داود، دار أبي رقراق، الرباط، 2013، ج1، ص: 136.
(19)حول تعاون عبد الله الغالب مع الإسبان ضد العثمانيين انظر: مجهول، “تاريخ الدولة السعديةالتكمدارتية”، تحقيق: عبد الرحيم بنحادة، دار تينمل، مراكش، 1994، ص: 39.
(20) داود، مرجع سابق، ج1، ص: 137.
(21) أوزتونا، مرجع سابق، ج1، ص: 378. وحول موقف الدولة العثمانية المفصل من ثورة البشرات راجع: الصباغ )ليلى(، “ثورة مسلمي غرناطة عام 976 هـ والدولة العثمانية”، مجلة الأصالة، الجزائر، السنة الرابعة، عدد 27، شتنبر وأكتوبر 1975، صص: 116 – 175. رضوان )نبيل عبد الحي(، “جهود العثمانيين لإنقاذ الأندلس واسترجاعها في مطلع العصر الحديث”، أطروحة دكتوراه في التاريخ الإسلامي الحديث، نسخة إلكترونية، إشراف: محمد عبد اللطيف البحراوي، جامعة أم القرى، 1987، صص: 340 – 348.
(22) ذكر صاحب تاريخ الدولة السعدية أنه بقبيلة بني سعيد وهو غير صحيح، انظر: مجهول، مصدر سابق، ص: 89.
(23) داود، مرجع سابق، ج1، ص: 184.
(24) مجهول، مصدر سابق، ص: 90
(25) نفسه.
(26) COTUNGO (Guillermo Daniel), “Cronicainglesadeliniciodelsiglo XVII”, ArchivosdelEstrecho, T. 17, 1941, p. 22.
(27) داود، مرجع سابق، ج1، ص: 184
(28) قتل القائد حمو من طرف جنود أتراك من أصحاب مراد برتقيش وهو يحاول الدفاع عن قلعة تطوان وتولى الناقمون من أهل المدينة مهاجمة داره ونهب ممتلكاته، انظر: COTUNGO, op. cit. p. 23
(29) داود، مرجع سابق، ج1، ص: 188.
(30) نفسه، ص: 194
(31) نفسه، صص: 192 – 201. وحول الدور الجهادي لمرسى تطوان خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر راجع: مييج)جان لوي(، “أنشطة تطوان البحرية والتجارية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر”، ترجمة: مصطفى غطيس، مجلة كلية الآداب، تطوان، العدد 7، 1994، صص: 76 – 79. السعود )عبد العزيز(، “تطوان في القرن الثامن عشر: السلطة – المجتمع – الدين”، منشورات جمعية تطاون– أسمير، تطوان، 2007، صص: 202 – 212 .