لماذا نادى بعض المفكرين العرب بالحرية والحقوق والعدالة ! الاجتماعية والديمقراطية َ
الجمعة 10 فبراير 2017 – 11:36:56
في التــّاريخ العربي مَرَّت فَترات عديـدة لم تكن السلطة تخضع فيها لأي مقياس، إلاَّ للقيـادة من لدن السلطة، وعلى الشعب الخضوع والانقياد لها، ومع الأسف لم يكن أي أساس تبني عليه العلاقة بين السلطة والفرد، وكانت الأمور تخضع لمَشيئة الحاكم فهو المتصرف بالمجتمع كيفما يريد، يمنح ما يريد لمن يشاء، ويأخذ لمن أراد منه ذلك، والظـُروف والعوامل كثيرة مع المُتَغيّـرات جعلت المفكـريـن والعُلمـاء العـرب أن ينتبهوا لهذا الوضع، واستطاعــوا أن يعملوا على تصحيحه، وقد تمكنوا من وضع ما يتطلبه الأمر، بتحديد هذه العـَلاقـة، حتَّـى أصبَحت سلاحا للشعوب تمكنوا من إشهارها في وجهِ أي سلطة تعمل على اختراقها، وجعلت هاته السلطة أن تعترف بها، ولو كانت خدعة أو تكتيكا فقط…
وكانت هذه القـاعـدة هي المَنفـعة، وبهذا تمكَّـن المفكـرون والعُلَماء أن يحولوا هذا الجدال الغير المجدي الذي كان يتواصل حول أحقية الحاكم، أو ذاك في الحكم والسلطة الذي كان ينتسب بها إلى قبيلة ما، أو أحقيته بحماية الدين، أو غيره إلى نقاش حقيقي وهو البحث في وظيفة هذه السلطة أو تلك خلال علاقتها بأفرادها، وهو الجدال والنقاش الذي تبني عليه أي سلطة.
لذلـك بين بعض المفكـرين ما يلي : من أفكار المُفكر العربي الكبير “عبد الرحمان الكواكبي” لقد بين نوع المنفعة من قبل لدى الشعوب والأمم كافة في أعماله الكاملة إذ أشار (إلى ما يجعل المواطنين لأن يترقوا اجتماعيا وهو أن تكون الحكومة أمينة وتعمل على صيانة أملاك الدولة وتعميرها، كالأرض، والمعادن، والسواحل والأساطيل والأنهر، وكذلك تأمين العدالة بين الناس والعمل على تسهيل الترقي الاجتماعي اللازم، كما تتمكن من جعل التضامن بين المواطنين، إلى غير ذلك مما يحق لكل فرد في الوطن أن يتمتع به، ويطمئن له.) ومن أفكار الزعيم المصري “أحمد لطفي السيد” فإن “أي نظام يعطي باليدين من السعادات إلى بعض الأفراد فقط، و لا ينال الباقون إلا الشقاء، ليس أهلا لحمايتهم، و ليس من حقه أن يبقى ” (1) وهذا سيجعل في التاريخ المتواصل الأساس في انتقال المجتمعات من مرحلتها الطبيعية إلى مرحلتها المدنية، مما جعل المفكرين العرب اللاحقين أن يقتفوا أثر أسلافهم و يؤكدوا هذه الحقيقة و يجعلوا منها الأصل لتسويغ أية سلطة في بلدانهم. إذ يقول المفكر العربي” ناصيف نصار” ما معناه : أن يكون الحاكم قائدا و خادما، و أن يكون الشعب، بالفعل نفسه مطيعا و مخدوما.
السلطة و مصادر شرعيتها : و قد ميز المفكرون بين سلطتين في الدولة، سلطة طبيعية أصلية، و سلطة الحاكم، و هي سلطة تفويضية تستمد من سلطة الدولة، و تفويض هذا الحق لا يعني التنازل عنه أبدا.
فالدولة لما تفوض إلى فرد أو جماعة من الأفراد، يكون الحق في أمر أعضائها حيث تجعل من يتولى الأمر حاكما و من يتولاه شعبا، أي أنها لا تتنازل عن هذا الحق فهو حقها الطبيعي و التنازل عنه قد ينفي وجودها.
و في ممارسة السلطة أجمع المفكرون على أن السلطة يجب أن لا تحكم طبقا لإرادتها الخاصة، لكن تحكم على ضوء القوانين التي تضعها الأمة، يضعها ممثلوها باختيارهم، بشرط تنظيمها في مؤسسات ليس الغرض منها، أن تفصل في المنازعات بين الناس فقط، إذ لا بد من ضبط كل السياسات التي تمنع على الحكام ممارسة الظلم و العسف على الشعب…
وهذا ما جعلَ المفكرين الإسلاميين و العلمانيين يتطابقون تماما حول هاتين المسألتين.
فحول أصل السلطة : أكد خالد محمد خالد أن الدين يريد فقط ما عبر عنه تطور حقوق الإنسان في العالم، و هو حكم الشعب نفسه بنفسه و لنفسه و هو تطبيق للتعريف بالديمقراطية و هو حكم الشعب بالشعب للشعب، أي أن تخرج الحكومة من صفوف الشعب، و تأتي من الاختيار الحر، و أن يكون سلوكها الاستقامة و الجدية، إذ تصبح كل مغانم الحكم للشعب، وأن كل دعوة دينية أو سياسية لا تجعل الشعب يتمكن من هذا الحق، فهي ليست لا من الدين الصحيح، ولا من السياسة الرشيدة في شيء. كما اتخذ المفكر الأفغاني عند احتجاجه على نظام الاستبداد في عهده موقفا مماثلا لعصره بقوله : “إن اشتراك الأمة في حكم البلاد عن طريق الشورى و انتخاب نواب عن الأمة، هو البديل لحالة العسف و الجور و أشكال الاستعباد القائمة و العلاج لذلك الداء.” و عن ممارسة السلطة أوضح فرح أنطون ” أن الحاكم لا يحكم وفقا لإرادته الخاصة، و معتقداته الشخصية، بل في ضوء القوانين التي تضعها جمعية ممثلي الشعب”.
وأنه يجب أن يكون مجلس النواب أعلى من الحاكم نفسه” (2). لذلك يتعين أن تكون المؤسسات هي القاعدة الأساس لممارسة السلطة، و أهم مطمح كان لدى مفكرينا هو استقلال القضاء، إذ وجدوا في ذلك الضمانة الأكيدة و الكافية لتحقيق العدالة، و ضمان تلبية حاجات الأمة و صيانة مصالحها بما يتفق مع القوانين التي حددت بموجبها تلك الحاجات و المصالح، و على هذا فقد رأى عبد الرحمان الكوكبي أن العدل هو ” ما يراه القضاء المصون وجدانهم من كل مؤثر غير الشرع و الحق، و من كل ضغط حتى ضغط الرأي العام” و هذا يؤكد أنه طالب باستقلال القضاء عن أي سلطة كيفما كانت و حصر وظيفة الحكومة بحفظ الأمن العام وحماية المواطنين. (3).
لذلك يتعين أن لا تفهم الديمقراطية بأنها مجرد حق في النقد فقط، و الصحيح هو أنها حرية و مسؤولية في آن واحد، و لكي تكون كذلك يلزم أن تكون ديمقراطية المشاركة في صنع القرار، و تحمل مسؤوليته سواء نجح أو أخفق، و من هذا يتم التدريب الحقيقي على الحكم، و من هنا يشترك الشعب بالفعل في الحكم، و صعودا من أدنى قاعدة إلى أعلى مستوى من مستويات الدولة، و في كل الأنشطة و العلاقات يجب أن يكون مبدأ المشاركة هو الأساس.
و قد أدرك مفكرونا أن ممارسة المواطن لحقوقه، و حريته، في مجتمع ما لا تتحقق بمجرد النص عليها في دستور الدولة، و في قوانينها، و لا بمصادقة الدولة على الاتفاقيات و المواثيق الدولية المتعلقة بتلك الحقوق، و الحريات، بل لا بد من وجود ضمانات و تحويل تلك النصوص القانونية إلى أفعال يمارسها الحكام، و المحكومون، على حد سواء، و لتحقيق ذلك وضعوا مجموعة مبادئ موجهة للفعل، و قواعد ناظمة له ليتمكن من الممارسة الحقيقية لأنها ستصبح الضمانة لقيام النظام الديمقراطي، ثم الضمان لاستمرار يته لدى الشعوب و الدول الديمقراطية الحقة …
و المبادئ الهامة للديمقراطية بالبلاد هي : باختزال شديد : مبدأ التعدد التنظيمي، و مبدأ توزيع السلطة و سيادة القانون، و الفصل بين السلطتين المدنية و العسكرية ثم الفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية و التنفيذية و القضائية.
و المفكرون العرب قد ناضلوا كثيرا لتكريس شرعة حقوق الإنسان في البلاد العربية منذ عقود كثيرة و إلى الآن، وذلك لترجمة هذه الأفكار النظرية لتصبح ممارسة عمليا، و قد دفعوا ثمنا باهظا بسبب مجاهرتهم بأفكارهم و الدفاع عنها لدى الشعوب و الأمم و النضال من أجل تحقيقها ما داموا طيلة حياتهم للعمل بكل رغم المضايقات التي تعرضوا لها في بلدانهم، بل أحيانا سلبت لهم امتيازاتهم و حقوقهم، – كما وقع لي – رغم ذلك حاربوا بعض المستبدين و الحكم الفردي بكل قواهم ومسؤوليتهم و ذلك من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية الحقة و الكرامة للإنسان العربي و للإنسانية كافة لتتميم رسالتهم التنويرية و الحقوقية التي انتدبوا أنفسهم لتحقيقها لفائدة أممهم وشعوبهم.
وهو النهج الذي يسير عليه جلالة الملك نصره الله من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية و التنمية الشاملة للمغرب والتنمية للبلدان الإفريقية عبر التعاون الاقتصادي و الفلاحي و الاجتماعي و التجاري و التكتل الجهوي، خاصة بعد عودة المغرب لأسرته الإفريقية داخل الاتحاد الإفريقي
الهوامش :
1- من كتابه مشكلة الحريات في العالم العربي.
2- من كتابه ابن رشد و فلسفته مع نصوص المناظرة بين محمد عبده و فرح أنطون ص122.
3- الأعمال الكاملة للكواكبي ص 433.