محور اللقاء الأكاديمي بجامعة ابن طفيل مع الفيلسوف النمساوي البروفيسور
هانس كوكلر Hans Köchler
على إثر زيارته لبعض الجامعات المغربية، شارك البروفيسور هانس كوكلر في ندوة علمية رفيعة المستوى بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بابن طفيل نظمها مختبر الإنسان والمجتمعات والقيم، يوم الاثنين 06-06-2022، إلى جانب كل من الدكتور محمد محيفيظ، والدكتور محمد مزيان، والدكتور أحمد الفرحان.
والأستاذ الزائر هو الفيلسوف النمساوي (ولد سنة 1948). يعد كوكلر من أبرز فلاسفة الغرب المعاصرين؛ متخصص في الفينومينولوجيا والفلسفة التطبيقية، والفلسفة السياسية والفلسفة القانونية؛ الرئيس السابق لكلية الفلسفة بجامعة إنزبورك النمساوية وأستاذ كرسي بها، ونائب رئيس الأكاديمية العالمية للفلسفة؛ أحد أبرز المؤولين لفكر الفيلسوف الألماني مارتن هيدجير. مهتم بالحوار بين الثقافات خصوصا في العالم الثالث. قاده اهتمامه بهذه الميادين الفلسفية إلى الغوص في دراسة الميكانيزمات السياسية للغرب بما فيها من شره الهيمنة واستغلال العوالم والتدخل المباشر في سياستها؛ وإلى بناء وعي خاص لمفهوم العدالة؛ فطور فلسفة متضامنة مع الدول المستضعفة بأبعاد نقدية بحيث تجلت آراؤه ونظرياته وتصوراته في مؤلفاته التي تجاوز عددها 700 ما بين كتب ودراسات ومقالات في منابر علمية عالمية. ترجمت كثير من أعماله إلى أزيد من 20 لغة.
وقد أسندت مهمتي الترجمة وإدارة الحوار خلال الندوة للدكتور حميد لشهب الذي تربطه بالأستاذ الزائر صلة علمية أكاديمية وطيدة منذ عدة سنوات. وهذا نص مداخلة الفيلسوف بحيث قال:
“ أولا، يمكن وصف الفلسفة باعتبارها ميتا-علم، نشأ نتيجة التفكير في المعرفة المكتسبة في العلوم الفردية كإشكالية السبب والكل والمطلق. إلى حد ما هذا هو البعد الوصفي للفلسفة والذي يشمل الأنطولوجيا والميتافيزيقا ويفترض مسبقا المعرفة كتخصص منهجي.
يتعلق البعد المعياري للفلسفة بمسألة ما هو جميل وما هو خير، أي مجالات علم الجمال و، ويعتمد الدافع وراء طرح الأسئلة الفلسفية على محدودية الإنسان بشكل عام. ومن هنا تأتي الأهمية الوجودية للفلسفة والتي تؤثر بشكل مباشر على حياة كل فرد.
منذ العصور اليونانية القديمة تُجسد الإشكاليات ذات البعدين- الوصفي والمعياري – والتي حددت التفكير في الشرق والغرب لقرون، ما كان يطلق عليه غالبا: Philosophia Perennis,،[ الفلسفة المتجددة على الدوام] البحث عن الحقيقة كخاصية عالمية للإنسان باستقلال عن الزمان والمكان، وبالتالي أيضا عن الاختلافات الاجتماعية والثقافية ومصادفات الحياة اليومية.
وتم تطوير عالمية العقل هذه – والتي شكلت أيضا أسلوب التفكير الغربي – ونشرها من طرف الشخص الذي تحمل الجامعة التي تدور فيها مناقشاتنا اليوم اسمه. وأرجع هنا إلى قصة رمزية فلسفية أظهر بواسطتها أبو بكر بن طفيل قصته “حي بن يقضان” –ببراعة- كيف أن الإنسان، بغض النظر عن البيئة التاريخية والاجتماعية والثقافية الملموسة والتربية يمكنه اكتساب المعرفة على أساس ملاحظة ومراقبة الطبيعة وبمساعدة قدرته على التجريد والحصول على معرفة أعلى.
وقد أعجب بعض أهم فلاسفة عصر التنوير الأوروبي مثل اسبينوزا وليبنيز وفولتير وجوك لوك وأيضا إرنست بلوخ في القرن العشرين بهذه “الرواية التربوية” حول الحياة واكتساب المعرفة للفيلسوف الأطوديداكتيكي philosophus autodidactus ، (“فيلسوف علم نفسه بنفسه”، كما سمي عنوان الترجمة اللاتينية للكتاب في القرن السابع عشر).
تتأسس الكونية على قدرة الإنسان على التفكير Reflexivität ، أي أنها تتأسس على قدرته على التفكير في ذاته وفي محتوى أو أشياء تجربته واستخدام المنطق لفهم البنيات العامة والترابطات.
وهكذا، فإن الإنسان يفوق منذ ولادته سذاجة كائن طبيعي عادي. فمن خلال تفكيره، يمكنه أن يسمو فوق المصادفة والمحدودية، بعدما خرج من الجنة. لم يتغير وضع الوجود الإنساني المحدد بهذه الطريقة، في الوقت المعاصر أيضا، ولن يتغير بمرور الوقت أيضا. ولا تعني آلاف السنين شيئا من حيث الوضع الإنساني conditio humana.
وهنا يكمن بامتياز موضوع الفلسفة المستقل عن العصور –العابر للعصور- باعتبارها ميتا-علم. إن الفلسفة هي النظام الذي يحط الحياة كما هي محط تساؤل ويتناول معايير الحياة “الجيدة” (الأخلاقية) عبر الزمن.
ما يتغير هي الظروف الحياتية الملموسة التي تطرح الفلسفة في ظلها الأسئلة الأساسية التي ذكرناها في البداية. وقد تغيرت هذه الشروط العامة بشكل كبير مع تطور التكنولوجيا الحديثة وظهور العولمة-مقارنة بفترة ما قبل الصناعية-، ولكن بشكل خاص مقارنة بالفترة التي سبقت تطور التكنولوجيا. IT)).
ثانيا، فيما يخص التغيير التاريخي، والذي بسببه يظهر الوضع ال|إنساني conditio humana في أشكال جديدة دائما، على الرغم من أنه لا يخضع للتغيير من الناحية الميتافيزيقية، لا يسعني إلا أن أذكر هنا بعض الأمثلة القليلة للتحديات والمهام التي يستلزمها هذا التغيير للفلسفة اليوم. ويتعلق الأمر بثلاثة جوانب بشكل أساسي:
1- على عكس الفترة ما قبل الصناعية، فإن جميع الحضارات والثقافات تتقابل حاليا بشكل دائم مع بعضها البعض في نفس الوقت. إنها توجد بطريقة ما، سواء أرادت ذلك أم لا، “وجها لوجه مع بعضها البعض”.
2- من خلال تطوير التكنولوجيا، جعل الجنس البشري فناءه الذاتي لأول مرة في تاريخه ممكنا (يتضح هذا بشكل صادم من خلال المناقشات الأخيرة – في سياق الصراع العسكري والجيوسياسي الحالي حول أوكرانيا- حول الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية كملاذ أخير للحرب).
3- في الوقت نفسه، كشفت عملية العولمة عن بنيات دولة عالمية Weltstaat، ويتعلق الأمر أيضا بدور المنظمات الدولية والعابرة للقارات وكذلك بمجموعات الأعمال النشطة عالميا، أي تأثيرها على حياة الإنسان.
يعني هذا العديد من المهام والتحديات الجديدة للفلسفة. والتي أود أن أشرحها باستحضار بعض الأمثلة، على الرغم من أنني لا أدعي كمال القائمة. ويبدو لي بأن الموضوعات ومجالات المشكلات التالية ذات أهمية خاصة:
-الحوار بين الثقافات: نظرا لعالمية العقل-بمعنى البصيرة التي صاغها ابن طفيل- يستطيع الفيلسوف تحديد ما هو مشترك في خصوصية النظم الثقافية وأنظمة تمثل العالم المختلفة، وإجراء مقارنات بين الأنظمة والترويج للحوار، بالقدر الذي يسمح به تطوير الفلسفة لمصطلحاتها بشكل مستقل عن التصورات الإيمانية للعالم. وهذه أيضا مهمة الهرمينيوطيقا الفلسفية باعتبارها تأويلا ثقافيا ولهذا أهمية خاصة الآن حيث يتم التذرع ب “صراع الحضارات” مرارا وتكرارا، وأيضا من أجل السلام العالمي.
-التربية: يتعلق الأمر هنا بإعادة التفكير في أساسيات التعايش بين الناس، داخل الدولة الواحدة وبين الدول المختلفة، خاصة في الدول العلمانية في الغرب حيث يختفي التعليم الديني تدريجيا كمادة إلزامية في المدارس. وبالتالي هناك خطر حدوث ” فراغ أخلاقي”.
إن المهمة الأساسية للفلسفة هي العمل على أخلاق شاملة لتمثلات العالم، أي تطوير حد أدنى من المعايير الأخلاقية للحياة البشرية – في التعامل مع بعضنا البعض-، ولكن أيضا في التعامل مع الطبيعة. يتعلق الأمر بالتحديد بتطوير مناهج الأخلاق curricula، (كمادة إجبارية)، في المدارس (التي لم يعد هناك أي تعليم ديني فيها).
-الفلسفة العملية وخاصة الفلسفة السياسة: يجب على الفلسفة أن تشكك بشكل نقدي في فهم السياسة والديمقراطية، الذي يمليه العالم الغربي (الذي لا يزال مهيمنا) فعليا على الشعوب الأخرى – غالبا باللجوء إلى الحروب. وسأذكر، واقع تجربتي، بعض الإشكاليات الأساسية التي غالبا ما يتم تجاهلها أو كبتها من قبل المؤسسة الغربية في هذا السياق:
-ماذا يعني التمثيل النيابي وكيف يتوافق مع استقلالية المواطن؟
مقال من إعداد: بشرى الورياغلي النواسي
باحثة في علم الكلام والفلسفة
جامعة ابن طفيل