إحياء الذاكرة الأندلسية
الجمعة 03 يونيو 2016 – 11:49:32
…أقامت الجمعية المغربية الأندلسية ندوة دولية باحتفالية علمية أكاديمية في حق الدكتورة ” ماريا خسوس بيغيرا مولينس ” ، العضو في الأكاديمية الإسبانية للتاريخ ، وهي الباحثة المتميزة في رحلة المخطوطات ، من بينها تحقيق المخطوط في معاصر أبي الحسن المريني في تاريخ الغرب الإسلامي . و هي عمدة المستعربين أشرفت على أطروحات ثلاثة أجيال من الباحثين . كبرت علما و تواضعا ، من تواضع العلماء …. أجاد الباحثون في التنقيب على الحفريات الأندلسية . و لِأنَّ إسبانيا لن تعترف بنفسها إلا بالتصالح مع النفس ، و إرادة الاعتذار للمنحدرين من الوجود الأندلسي ، كما فعلت مع أهل الذمة سنة1992 للميلاد ، بعد مرور خمسمائة عام على طرد المسلمين من أرضهم ! و إدانة كل اعتداء على تاريخ الفترة المظلمة الإسبانية في العصر الوسيط . ثمَّ بناء الذاكرة الجماعية العربية-الأندلسية-الإسبانية .
إني أراني أتذكر أنَّ رجل ثقة و فكر نزيه ، رحمه الله ، كان قد حدَّثني منذ زمن بعيد ، أثناء زيارته لمدينة إشبيلية ، في فترة الحرب الأهلية الإسبانية ، أنه تعرف على راهب ، فدعاه هذا الأخير لمنزله ، و كان ذلك يوم عيد الأضحى بالمغرب . أطلعه الراهب على سرِّ عقيدة آبائه و أجداده المدجنين ، الذين دخلوا تحت حكم المسيحيين . ذبح الراهب الأضحية ، عبادة أو عادة ، أمام أنظار الضيف ، مشدوها مستغربا لقضية “مسلم” متخفي وراء قناع النصرانية . لعله كان مُداخل !.. منذ استيلاء النصارى على أرض الإسلام المستعربة ، أصبح المُدَجن منعزل في مكانه ، ولم يحض بإمام أو بزعيم خلافا للمستعرب الذي كان له زعيما و رئيسا . كان يحدوه هدوء بلاده بإيثار الرفق إذ كان يخشى من الانتقام ، النصراني أو المغربي . يوجد عقد اتهمهم بالسداجة ( بن عاصم).
و سماهم هذا الأخير بالسدّاج . معاهدة غرناطة الشهيرة ، تنصّ على حرية العقيدة للمسلمين ، وهم (الكاثوليك) قد نقضوا عهدهم ، بخطاب تعنيفي ، و تمَّ اضطهاد المسلمين كما فعل اليهود من قبل .ظاهرة المواجهة بين المسلمين و النصارى بعد إخضاع عدد من المدن لهم . تعهدوا للمسلمين بالحفاظ على ديانتهم ، بيد أنَّ الحماية النصرانية المسيحية للمسلمين وهي نابعة من “إرادة” ملك قشتالة ، بينما أهل الذمة مسألة دينية فرضية في الإسلام ، وقد عاش النصارى و اليهود سبعة قرون و نيِّف في ذمة المسلمين . لهم ما للمسلمين و عليهم ما على المسلمين . السلطات المسيحية لم تفعل إلا بتكييف مع وضعية جديدة في المدن التي تمَّ الاستيلاء عليها . وقد رماهم عدد من الفقهاء بالمروق (المدجنين) سنة 1495 للميلاد ، فتاوى (الونشريسي) .
ومن غلب على أهله النصارى “كتاب المعيار” حول مصير المسلمين المتخلفين . حتى إنَّ النصارى كانوا يعتقدون حرق المسلمين حقا طبيعيا لاسترداد “أرضهم” ! عانى المدجنون من طمس الهوية ، إلى الإكراه الديني بالتعنيف و الإرهاب و التهجير بالاستخدام القوة (ابن منصور) . فكانت سادية ” بالينسية ” لعدد من أهلها المسلمين ، تمَّ إحراقهم ، و تعلق جثتهم على الأشجار . وهم (بلدية) بالينسية يحتفلون بهذه الجرائم ضد الإنسانية إلى يومنا هذا ! ” ألوسو ” حاول الحفاظ على المدجنين إلا أنَّ ، بعد هزيمة معركة الزلاقة (يوسف بن تاشفين ) ، وهي ذريعة ، بدأ تنصير و استقطاب المسلمين للمسيحية باستعمال أسلوب الترهيب و الإكراه . لم يكن هناك مجال للاحتماء بالكنيسة و هي التي ساعدت على الردَّة . توالت سقوط المدن العربية الأندلسية الواحدة تلو الأخرى ، استمراء بتغيير المساجد إلى الكنائس ، ومنع الأذان حيث كان . أفتوا بعدم جواز الأنكحة مع المسلمين وعدم السلام عليهم و البيع و الشراء معهم . بدعم من البابوية ، أكرهن المسلمين بالعنف على اعتناق المسيحية .
فقد اختار بعضهم (المدجنين) النصرانية علانية و البقاء على دين الإسلام خلسة . تجدر الإشارة على أنَّ ، رغم اشتهار غرناطة بالفقهاء و على رأسهم بن عاصم . –نوازل الشاطبي- لا توجد أي إشارة لمسألة الدُجن ولم تكن هناك قضية مطروحة أمام الفقهاء قبل هذه الطامة. من مصادر إسبانية عن عهد القرون الوسطى ، للتاريخ الناصري بغرناطة ، إضاءات حول المدجنين عند الانتقال من المرحلة الإسلامية إلى المسيحية ، لا يجوز أخذ الصفات السياسية و الدينية مأخذ التحكيم بالقضاء ؟ عثور “محمد علي ” في غرة رمضان على تقرير دفين بحائط ، يعرض لإشكالية بين الفقيه و الإمام سنة 1495 للميلاد أي ثلاثة سنين بعد سقوط غرناطة . و كان هناك فقط 295 مسلما يمثلهم “عبد الله السرقسطي” ، وهم يريدون الحفاظ على عقيدتهم الإسلامية ، بتخليهم عن لفظ الإمام بمقام الفقيه ! ؟ المخطوطات الدفينة ضمن الحيطان ببيوت أندلسية هي كنوز من الحفريات و المصادر العلمية الأولى لتدوين و توثيق العصر الوسيط الأندلسي . وقد حافظ عليها العلماء الأكاديميون الإسبان ، ومن تلك المدن قرية “روتار” بمالقا .( في بعض المخطوطات) لجأت البابوية إلى محاكم التفتيش لتنصير المسلمين ، الطامعة في الهيمنة على البحر الأبيض المتوسط . حاول الموريسكيون ضد ملك إسبانيا؟ الذي كان عازما على “تطهيرهم” منها . عمد النصارى إلى حرق كل من وُجد عنده ، الكتاب العربي . ثمَّ محاصرة الإثنية العربية ، و طمس معالم الهوية العربية – الإسبانية من تعصب ديني ، في أكبر قمع هيستيري للفكر و العلم النهضوي في تاريخ الأندلس . لما استولى “فرناندو” على إسبانيا كان هدفه و نيته المبيتة الدفينة ، إتمام عملية التنصير لحفظ سلام المملكة القشتالية ، (محاكم التفتيش) . إصدار مؤلفات تطعن في الإسلام . عدم الاعتراف بالعقود المحررة بالعربية . إكراه أبناء المسلمين على التربية بلغة الكنيسة ، التي كانت تتحكم في السلطة النصرانية . طغت منهجية الإستئصال بإزالة كل الخصائص الاجتماعية العربية .
فتوى الفقيه الوهراني جاءت على شكل التقية : إنْ كانوا عليكم كلوف و بنية التحريم …و إذا بهم أصبحوا يزاولون شعائرهم خفية ، فحملت هذه الفتوى بعدا سياسيا . جعل الموريسكيون هذه الفتوى (التقية) درءا للمفاسد؟ فأصبح المسلمون يعانون مأساة بينهم و بين أبنائهم ، عند تنشئتهم تربية نصرانية ، سببتْ صراعا في التأثير اللغوي ، و انفصاما في تكوين شخصية الطفل . ضعفتْ الطاقة الفكرية للآباء من جراء العناء المفرط ، أضاعت منهم كل شيء ، لصراع مع الهوية . الكل أجبر على الكتابة بالحرف الآتيني المسيحي ، فاندثر الحرف العربي ، و كتب القرآن بالسوريالية . الذين أرادوا أن يسلكوا مسلك التنصير ، و لاعتبار أنَّ المسلمين من أولي الألباب ، بعثوا أبناءهم إلى مدارس النصارى بعدما تحصنوا باللغة العربية و قواعد دين الإسلام . فأصبحت عملية الطرد عصيَّة على البابوية ! أحدثتْ أسئلة فقهية حول حكم البلاد “النصرانية” أو يهاجروا إلى شمال إفريقيا أم يبقوا في بلادهم الأندلسية ؟ غادر الموريسكيون إلى بلاد الإسلام حتى يكونوا على مقربة من الأوطان . تبعا لفتوى “الونشريسي” طائفة عزمت على الإقامة و الدُجْن .
قد ظهر ملوك الفساد(الطوائف) في البرِّ و البحر وهم يتنازعون بينهم بتواطؤ مع النصارى إذ كانوا يشترون لهو الحديث ، فنكسوا على رؤوسهم ، و جنوا على ثمانية قرون من تاريخ الإنسانية و من الإشعاع الحضاري …بكى إمبراطور الروم لما توفي عمر بن عبد العزيز قائلا : كان ملكا عادلا ، لو كان رجلا يحيي الموتى لأحياها ، عمر بن عبد العزيز.