…إلا العود العربي فإنه بألف خير ..
الجمعة 27 ماي 2016 – 16:35:15
..قصائد تنطق بها أوتــار العــود الباحث في مذاهب الارتقاء على زمن لدلالات ” وهو مايسترو” الفن الموسيقي في صوره الرائعة المزهوة بألوان الطيف . و قد ضرب موعدا له مع ” ربيرطوار ” الأغنية المغربية في شخصنة فنانين نسجوا مزيجا من موسيقى الآلة و الغرناطي و الملحون و الصحراوي ، شنفوا بها أسماع الحضور ، بذخيرة من تراث مغربي عبر آلة العود الساحرة التي جمعت بين القيمة الجمالية لزمانين من العتيق و الحديث . هما ثلاثيان ” كرفان ” و” يوسف المدني” من المدرسة المغربية ، متعددان للمهارات الموسيقية الشرقية . بارعا على العود و الكمان و الببيانو و الهرمونيكا و الكمبري و القيثار . بمعية عازف ملحن متمكن من اقتطاف زهور من البساتين الربيعية و أشجار الزيتون يحمل اسم ، علاء الزويتن ، الدارس الصنائع بالجامعة الألمانية و قد تخصص في شعبة الموسيقى و الفلسفة لاتساع أفقه الفني .
و هو أيضا أتحف جمهور مسرح ” إسبانيول ” بنغمات رَوَتْ عطش الذوَّاقين للأوتار البهيجة . فكان ثمَّة أستاذ مغربي يحضن عوده الفضي ، و تنبعث من أوتاره نبرات صوتية بصفوة حنان ، إذ به الأستاذ عز الدين منتصر صاحب الأنامل الذهبية الذي تمَّ تكريم الأغنية المغربية في شخصه .
رُفع الستار قبل هذا العرض عن ضيف الشرف التي حظيتْ به الشقيقة الإمارات العربية المتحدة في مهرجان العود لهذه السنة . مجموعة علي عبيد ، الفنان الذي تتلمذ على ” المايسترو ” العراقي نصير شمة . أطرب الحضور بمقطوعات إماراتية نطقت بها أوتار العود بأحاسيس مرهفة ، توجتها أصالة الربابه و الطنبوره . صفق لهم الجمهور طويلا إكراما للأشقاء على الروح الفنية الراقية .
بمشاعر رجولية و مواهب مصقولة ، دعما لفن آلة العود و موسيقى “التخت ” الشرقي للارتقاء به بسلطنة عمان الشقيقة ، أطرب هواة العود ببحة رقيقة ، نالتْ إعجاب “الحُضار” ، ترجمتْ بتصفيقات حادة . آلة العود الأردنية كانت حاضرة بقوة بالعطر الهاشمي في شخص الفنان علاء شاهين ، تلميذ نصير شمّه أستاذ المقامات العراقية . أمزج بين إبداع السنباطي و جميل بشير و سعيد الشرايبي في تجربة رائدة من الموهبة و الحرفية شنفتْ طبلة أذن الجمهور . و للعراق الشقيق باع في الحياة الفنية وهو منبع وبيت العود العربي و الذي اهتزت القاعة من نسيم أوتار منير البشير بن عمر البشير “مايسترو” العود الأسطوري .
الفنان الذي أضحى سفيرا عربيا للعود العربي ، في “هونغاريا” و الذي أخذ عنها المقامات ” الغجرية ” زادته جمالا و رونقا “بوهيميا” و بألحان رومانسية ، بسحر بغدادي أصيل من شارع أبي النواس . منه إلى تونس الياسمين الخضراء في عزِّ الربيع ، أدرك الحضور عزف توأمان ، القدرة و النبوغ على العود من أرض المقدمة لابن خلدون ، للانفتاح على الموسيقى الشرقية و الغربية ، كأنهما يعبِّران عن الحرية بالأوتار إبداعا كونيا . انتقلت الأوتار إلى مقامات ” النهواند” ، على نهل الصوفية لآلات – السيار- السانتور – الرباب – الإسراج – و هي هندية- أفغانية ، في توليفة روحانية موسيقية لإيقاعات من المناجات بحثا عن الذات في علم الباطن . موسيقى تسبح في غيابات و أغوار من أسرار الكون . و منها إلى أن استوت الأوتار على الجودي بالأناضول ، فحطَّتْ رحالها فتيات فاتنات على السجّاد السحري بسينما ” إسبانيول” بتطوان ، أطربن القاعة غناء و عزفا بأوتار شعرية عبَرْن بفنهنَّ إلى قلوب الجمهور ، فاستحسن و انصهر في ارتقاء مقامات العود . سجاد علاء الدين انتقل من “الأناضول” إلى أذربيجان ليحمل لنا فتيات جميلات ” أرشق قدّا” و هنَّ كقطرة الندى التي تنعش العشب الذابل . آتية من بحر القزوين إلى بحر المقامات للطرب الأصيل ، ليعزفن على الآلات التقليدية “الأدربيجانية “.
أمتعن الحضور بفنهنَّ الراقي (مصحوبا بالغناء) و هم يداعبن الأوتار بأناملهنَّ الرقيقة ، لانبهار الجمهور بهنَّ ، إذ لم يعد يعبث النوم بأجفانه . من بحر القزوين إلى البحر الميِّت ، لمع إسم جبران أدبيا ليخترق الخطوط الوهمية لجغرافية الأرض ، بنبوغ ثلاثي جبران من فلسطين على آلة العود و الارتقاء به إلى شتى المقامات الموسيقية بانفعالية مرهفة تقع في آذان جمهور ذوَّاق ، كقيمة مضافة من معين عربي لن ينضب إلى الموسيقى العالمية . نسيم الأوتار لعود يستحضر روح و صوت الشاعر محمود درويش ، ليعبِّر دلالة عن شعب عظيم بين ما كان وهو كائن وما زال وما سيكون و سوف يكون . و بمقدار تلك الدلالة تكون عراقة الكرامة الفلسطينية على لسان حالها ، وفاء لمحمود درويش ، بمعية العود العرب ” الجبراني ” ، المتوج استحقاقا بجائزة زرياب من المجلس الوطني للموسيقى (العضو في اليونيسكو).
أهداها ثلاثي جبران إلى الأسير الفلسطيني ، و إلى أرض الأقصى الذي بارك الله جلَّ علاه حوله . الإبداع ملاذ يحتمي به الفلسطيني من ظروف الاحتلال و يعتبره أحد المصادر للدفاع عن قضيته العادلة . وقد يمهل الله عزَّ و جلَّ الظالمين و لا يهملهم ، وهم لا يدركون أسرار علمه . هو ثلاثي واثق الخطوة ، يمشي بأنامله الذهبية ، يداعب الأوتار ملكا ، شهيُّ الكبرياء ، عبق السحر كأنفاس الرُبى… مسك الختام عطر مكي قدسي عربي هزَّ أوتار أفئدة جمهور واقف على الأقدام ، يصفق لوقت طويل حتى بعد إسدال الستار على العود الذهبي ….
لاستحضار قول القائلة (فيروز) :
لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي
لأجلك يا بهية المساكن
يا زهرة المدائن
ياقدس يا قدس يا مدينة الصلاة