إلغاء مجانية التعليم إعدام للمدرسة العمومية، القرار هجوم على التعليم العمومي وعلى مكتسبات الشعب، وتكريس للطبقية
الجمعة 02 دجتبر2016 -15:59:41
بينما لا زال المغرب بدون حكومة، حوالي شهرين، بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، وبينما لا يزال بنكيران يتأرجح بين اليمين واليسار ويصارع “نزوات” أحزاب يبدو أنها تمارس لعبة القط والفأر، من أجل”تزجية الوقت” وإحداث “الفرجة” السياسية، في بلد لا ينقصه وجع ولا صداع ، وتزرع في طريق الرئيس المعين “قواليب” الغرض منها ، كما يبدو، الإبتزاز السياسي من أجل الحصول على أكبر “قطعة” من الكعكة الحكومية، بينما معظم هذه الأحزاب لا يستحق أن يلتفت إليه، لهزالة ما حصل عليها من نتائج، في هذه الظروف التي لا تحتاج لوصف، … طلع علينا المجلس الأعلى للتربية التكوين والبحث العلمي برأي” استشاري” يؤيد مشروع رئيس الحكومة المنتهية ولايته الأولى، الفاشلة، القاضي بإلغاء مجانية التعليم في السلكين الثانوي والعالي، في إطار مشروع القانون الجديد المؤطر للمنظومة التربوية. جدل كبير حول رأي مجلس عزيمان وكما كان متوقعا، فإن هذا الرأي الذي يلزم الأسر المستفيدة من التعليم، بالمساهمة في تمويل هذا القطاع باعتباره “مرفقا عموميا”، “على أساس الاستحقاق والقدرة ( ( ! ….. أثار ، ولا زال، الكثير من الجدل، في الأوساط التعليمية والاجتماعية والنقابية والسياسية المغربية.
هذا القرار الذي اعتبر مدعاة للاستغراب والاستنكار يضرب في الصميم مبدأ “التعليم حق لكل مواطن ومواطنة على المجتمع والدولة” التي عليها أن تعبئ الموارد الوطنية من ضرائب وغيرها لتوفير التعليم للجميع، كخدمة عمومية أساسية. ثم إن قضية “الاستحقاق والقدرة” مسأله فيها نظر. ذلك أن الطلب على المدرسة والجامعة، في التعليم العمومي، لا يأتي إلا من الفقراء، وهم أغلبية الشعب، بالرغم مما يشهده التعليم العمومي من تدهور على كافة المستويات التنظيمية والبيداغوجية وعلى مستوى الجودة أيضا.
الميسورون يستطيعون توفير نفقات تعليم أبنائهم في المدارس الخصوصية التي تشتغل، في معظمها، “خارج التغطية”. وإذن، فلا معنى لإضافة رسوم جديدة تزيد من صعوبة الحياة وضنكها بالنسبة لغالبية الأسر المغربية، ومن معاناتها مع التعليم، والصحة وقطاعات حيوية أخرى، التي تتعاظم سنة بعد سنة، بتدهور الأوضاع الاجتماعية وتراجع القدرة الشرائية للمغاربة، بسبب السياسة اللاشعبية التي نهجتها حكومة بنكيران خلال السنوات الخمس لولايتها الأولى. مس خطير بحق المواطن ثم إن الحديث عن مساهمة الأسر في تمويل التعليم العمومي يشكل مسا خطيرا بحق المواطن، أيا كان انتماؤه، في التعليم كما أنه قد يدخل البلاد في نفق مظلم، إذ أنه يختلق “فوارق” طبقية” كتلك التي كانت على عهد الاستعمار الذي أدخل في منظومة التعليم العمومي ـــ الذي كان على درجة عالية من الجودة ـــ مدارس “أولاد الأعيان”.
خدمة لأغراض معلومة، والحال أن المدرسة العمومية ليست، حاليا، مجانية بالمعنى الكامل للكلمة. والغريب أنه في الوقت الذي تم الاعتراف إجماعا، بفشل المنظومة التربوية في المغرب، وفي الوقت الذي كان يؤمل أن يقع تسريع البحث عن حلول تخرج التعليم الوطني من حالة الفشل الذي يعيشه، فوجئ الرأي العام المغربي بمصادقة الجمعية العامة للمجلس الأعلى للتعليم والتربية والتكوين والبحث العلمي، على مشروع رأي تقدم به بنكيران يقضي بإلغاء مجانية التعليم في السلكين الثانوي والعالي، هذا المشروع الذي اعتبره الكثيرون “هجوما” من الحكومة على المدرسة العمومية بشكل عام.
المدرسة العمومية ملجأ الفقراء والمعوزين وقد يدفعني فضولي إلى السؤال عن عدد أعضاء مجلس عزيمان الذين يثقون في التعليم العمومي ويفضلون تعليم أبنائهم وبناتهم في المدارس العمومية!!!….والسؤال يسري أيضا على الوزراء والمديرين والولاة والحكام وكبار القوم من “خدام الدولة”.
الميسورون من أبناء الشعب لهم الحق في اختيار التعليم الذي يرتضونه لأبنائهم ما دامت لهم القدرة على توفير المصاريف الضرورية. أما الفقراء، وهم كثر في هذا البلد السعيد ، بالرغم من المرافعة التافهة للوزيرة الحقاوي تحت قبة البرلمان، دفاعا عن اندثار الفقر في المغرب ــــ بينما صنفت فرنسا في خانة الفقراء، كل مواطن يعيش بألف وثمانين اورو فقط، في الشهرـــ، أما الفقراء، فإنهم مضطرون إلى اللجوء للتعليم العمومي، ولسان حالهم يقول “مكره أخاك لا بطل” !!!. وللتذكير، فإن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي يتكون من 92 عضوا من بينهم وزراء وخبراء ومنتخبون كبار ونقابيون وأطر تربوية وجمعيات أولياء التلاميذ والمنظمات الأهلية وممثلون للتعليم الخصوصي، أصلا لم يوافقوا بالإجماع على رأي مجلسهم بخصوص إلغاء مجانية التعليم الذي “يستثني الفئات الهشة والفقيرة” وهم لا بد يعلمون أن الشعب لم يعد يثق بمثل هذه “المسكنات”، لأن “المؤمن لا يلذغ من جحر مرتين”، وفي حالتنا فإن اللذغ أصابنا ألف مرة ومرة ، حتى “تكسرت النصال على النصال”، على قول أمير الشعراء أبي الطيب المتنبي. الضوء الأخضر ولم تتأخر قوى سياسية ونقابية عن إدانة قرار مجلس عزيمان بإعطاء الضوء الأخضر لبنكيران بالقطع مع مجانية التعليم عبر فرض رسوم جديدة على الأسر وإشراكها في تمويل التعليم العمومي ، في التنديد بهذا القرار الذي اعتبرته جائرا كما اعتبرته استمرارا للسياسات اللاشعبية لحكومة الـ PJD التي أجهزت على القدرات الشرائية للشعب، وعمدت إلى جيوب المغاربة لحل مشاكل مزمنة لا قبل ولا مسؤولية للشعب في وجودها.
ويرى الكثير من المعنيين والمهتمين والمتتبعين، أنه كان على الحكومة أن تراهن على الرفع من جودة التعليم العمومي بدل التفكير في فرض رسوم جديدة على الأسر، تعلم أنها تثقل كاهلها وتعرض أبناءها للضياع. كما أن مشروع القرار هذا ، يعتبر مدخلا لخصخصة قطاع التعليم العمومي وتصفية المدرسة العمومية في إطار سياسة الحكومة الهادفة إلى إلغاء البعد الاجتماعي في مخططها الرامي إلى “تسليم قطاعات اجتماعية مثل الصحة والتعليم للقطاع الخاص.
وقد سبق للوزير المتنكر للحزب الذي أوصله إلى السفارة والوزارة، محمد الوفا، أن صرح بأن الدولة لم يعد في مقدورها تمويل قطاعي التعليم والصحة…..ولا بد أن إجراءات أخرى توجد في الطريق. رأي مجلس عزيمان بتأييد مقترح بنكيران، حول إلغاء مجانية التعليم فهمه العديدون أنه “محاولة” لدفع الأسر إلى اللجوء للقطاع الخاص للتعليم الثانوي والجامعي هذا التوجه الذي يلغي من حسابه الغالبية العظمى من المغاربة الذين يشكلون الطبقات الهشة والفقيرة من الشعب المغربي كما أنه يتنكر للتضحيات الجسام التي تحملها الشعب المغربي بكل طبقاته وفئاته من أجل توفير تعليم ديمقراطي عمومي لكل فئات الشعب دون تمييز أو تفاضل. وكان والد عمر عزيمان، الأستاذ محمد عزيمان رحمه الله، واحدا من المناضلين من أجل هذه المبادئ وهو رائد من رواد التعليم بشمال المغرب ومسؤول سام لمنظومة التعليم العمومي في المنطقة الخليفية قبل الاستقلال وبعده.
ومن المفارقات “السياسية” أن تصطف الجامعة الوطنية لموظفي التعليم التابعة لنقابة العدالة والتنمية إلى جانب المنددين بمشروع قرار مجلس عزيمان وأن تعلن رفضها الشديد للمساس بمجانية التعليم التي تعتبرها “حقا لا يمكن التنازل عنه أو التفاوض في موضوعه” وأن “لا مصداقية لقرارات أو توصيات لأي جهة أو مؤسسة كانت، لا تأخذ بعين الاعتبار نبض الشارع وتضمن الحقوق الأساسية في إطار القانون والدستور”. وللعلم، فإن أعضاء مجلس عزيمان الذي يحضر مع الحكومة لمباركة قرار إلغاء مجانية التعليم يتسلمون أجورا اعتبرت بالسخية جدا، حيث إن تعويضات جزافية خصصت لأعضاء المجلس حددت في 14 ألف و 285 درهم كحد أدنى و 57 ألف و 142 درهم كحد أقصى حسب نوع العمل.
أما أعضاء المجلس فيتلقون تعويضا جزافيا حدد في 7.142 درهما شهريا مستحقة عن الاجتماعات التي يحضرونها ، بينما يستفيد رؤساء اللجان الدائمة واللجان المؤقتة ومجموعات العمل الخاصة بتعويض قدره 3571 درهم عن كل يوم عمل. ويستفيد أعضاء المجلس من تعويض يومي قدره 2.500 درهم في حالة القيام بمهمة بالهارج و 1000 درهم يوميا إدا كانت المهمة داخل المغرب.
وحسب أحد المواقع الاليكترونية فإن عزيمان يكون قد نفى وجود أي تغيير على مستوى مجانية التعليم “إلى حدود الساعة”، حسب قوله، وأن رأي المجلس جاء ليؤكد أن نص الميثاق (مشروع بنكيران) يأخذ بعين الاعتبار الخيارات الكبرى للرؤية الاستراتيجية للتعليم ومدى مطابقته لرؤية الحكومة والتزامها بهذا الخصوص. وإذا ظهر المعنى…….
و إلاَّ، فمن يوقظ الفتنة في هذه الأوقات الصعبة، برأيكم ؟!