إلى دار الخلد
الجمعة 15 أبريـل 2016 – 12:15:58
رائد كبير من رواد الأغنية المغربية الأصيلة، الملتزمة، محمد العربي العوامي الذي وافاه الأجل المحتوم يوم الخامس من أبريل الجاري، يعتبر واحدا من صانعي الطرب المغربي الحديث، حيث انخرط في الانتاج والإبداع بداية ستينات القرن الماضي، هاويا متميزا مر بالعديد من مراحل الهواية لينتقل إلى الإبداع والاحتراف بعد أن كون لنفسه رصيدا هاما من الإنتاجات التي صادفت الكثير من الشهرة والنجاح.
ميّـزتهُ أنّه كان رجلا عصاميًا، دخل ميدان الموسيقى والغناء والميدان يشهد زحمة من الرواد الأوائل الكبار، مثل الدكالي والمعطي بنقاسم،إسماعيل أحمد وبلخياط، وغيرهم، بل ونافسهم في عقر دارهم حين انتقل إلى الإذاعة الوطنية وإلى الجوق الوطني بالذات، وفرض نفسه وبصماته على المشهد الموسيقي والغنائي المغربي، تشفع له عصاميته وجرأته وإيمانه بمواهبه ورسالته.
كانت بداياته بسيطة حيث كان يشارك في حفلات كانت تنظمها إذاعة تجارية محلية، “بان أمريكان راديو”، بمقرها أو بمسرح من مسارح المدينة آنذاك، حيث بدأ اسمه يظهر ونجاحاته تكبر، إلى جانب إحيائه للعديد من السهرات الموسيقية والغنائية مع أجواق المدينة، وانتقل من التقليد إلى التلحين، حيث سجل حوالي ستين أغنية جديدة من ألحانه وكلها حازت إعجاب جمهور واسع من عشاق الطرب الأصيل. ومن أنجح أغاني الراحل الكبير، أغنية “امي يامي الحبيبة” المؤثرة، التي لا زال الجمهور يرددها بكثير من التأثر والإعجاب، إلى جانب أغنية جميلة أخرى أهداها للأب، لكل أب، وأغنية للأخت وأخرى لـ “الربيب” ملفتا الانتباه إلى معاناة هذه الفئة من الأطفال الذين قهرهم القدر والزمن ، وأغان للاحتفال بالزواج وبأعياد الميلاد، وبعيادة المريض كما أهدى مدينته أغنية جميلة تتغنى بجمالها ومآثرها ومناظرها ، أغان كلها تمجد العائلة والألفة داخل الأسرة. كما أنه لحن معزوفة موسيقية جميلة أهداها للمخطط الملكي لـ “طنجة المبرى”.
وحين تقرر إنشاء جوق وطني بإذاعة طنجة، برئاسة الراحل عبد القادر الراشدي، وبوحي من الراحل الحسن الثاني تغمده الله بواسع رحمته، كان فقيدنا العزيز العوامي من أوائل المنخرطين فيه إلى جانب الفنان مصطفى التسولي وعازف الكمان البارع البراق، والمختار بيريش، والمطرب عبد الواحد التطواني وغيرهم. ومع توقف تجربة هذا الجوق وانتقال الراشدي إلى رئاسة الجوق الوطني، التحق محمد العربي العوامي بالإذاعة الموطنية، حيث ساهم في نجاح هذا الجوق، عازفا ومطربا وملحنا إلى جانب كوكبة من الفنانين المشهورين.
وبعد عودته إلى طنجة، لم يخلد إلى الراحة، بل أنشأ جوقا ومدرسة للعزف والغناء، وظل يصارع من أجل الحصول على قاعة للتمرين بالشبيبة والرياضة أوبمندوبية الثقافة، فكانت تواجهه العديد من الصعوبات كثيرا ما يشتكي منها لأصدقائه والمتعاطفين معه. وإلى الرمق الأخير من عمره، ظل وفيا لمشروعه في إحياء سهرات لفائدة أطفال المراكز الاجتماعية ونزلاء المراكز الخيرية والمساجين والمرضى، وذلك خلال المناسبات الدينية والوطنية الكبرى.
رحمه الله.