استضافة كريمة
الجمعة 29 دجتبر 2016 – 16:36:21
استضافة كريمة حظي بها الصالون الأدبي لنادي الاتحاد ، في شخص الأستاذ الأديب و الصحفي الكبير أحمد الشيخ ، الذي قدم إلينا من عاصمة الأنوار (باريس) .و قد شارك في عدَّة ندوات علمية دولية هامة، و على القنوات التلفزة العربية و الأجنبية .
يشخص من خلالها قضايا المجتمعات العربية التي تسكن وجدانه .وهو يجهد قلمه و فكره الوازن ، داعيا إلى الثقافة و العلم و الحداثة. دأب أخونا أحمد الشيخ بتواضع العلماء على التأليف و الترجمة لجهابدة و عظماء فلاسفة و مفكري الغرب و له عدة مؤلفات و منشورات علمية . هذا الذي يعيش قضايا العروبة و في صدره حرج للمآسي التي تحياها بعض الشعوب العربية في المشرق على وقع الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان العربي ، أصبح الغرب يشكل حالة مرضية ، و أضحى خطرا على العالم باتجاهه اتجاهات قومية .
ثم أمسى يتنكر للقيم الإنسانية متسائلا (الأستاذ أحمد ): نسير إلى أين ؟ و إلى أين ينتهي به ( الغرب ) هذا الانهيار الأخلاقي ؟ يزعم الغرب أنَّ الخطر الإسلامي يهدِّدُ العالم ! ما هي إلا افتراءات و مشجب مهترئ للغرب ليعلق عليه أوساخ ملابسه ! يرصد الأستاذ أحمد ارتدادات الزلازل السخيفة الأمريكية في العراق و ما أعقبها من جرائم ضدّ الإنسانية في البلاد العربية ، التي طالت شعوبها ، عند مطالبتها بحقها في الحياة الكريمة ، في أنظمة ديمقراطية تكفل لها حقوق الإنسان . و للأستاذ الكريم قراءة موضوعية للأحداث و ما يمكن أنْ يتمخض عنها مستقبليا ، كنوع من التنظير و التحليل العقلاني …فمعذرة لصديقي أحمد إنْ كنت قد قصرتُ في تراتيبية الأحداث ، حفاظا على المنهج الفكري …
ليس بالمرَّة الأولى التي دعيتُ فيها لهذا الفضاء الثقافي و بين هذه الكوكبة من المثقفين ( محاضرة الأستاذ بعنوان : نسير إلى أين ؟ ). تساؤلات موضوعية و ضرورية تفرض علينا طرح هذا السؤال : نسير إلى أين ؟ تحولات جديدة و جذرية و في نفس الأفق بتعقيدات أخرى ، إلى أين ؟ تستوجب علي اختياري لهذا العنوان ، فضلا عن ذلك لما أراه في أمريكا و أروبا . نحاول أنْ نفهم ماذا يجري حولنا في واقع الأمر . ليست تساؤلات بلاغية . المذابح التي عانت منها الشعوب العربية و هي تعيش أزمات طاحنة ، عندما أرادت أن تتحرك من أجل الحرية و ضدّ الاستبداد . لا أقول المصادمة مع الغرب و لا أقول على طريقة الجماعات الإسلامية المعتدلة . علينا أن نذكر الغرب بالنزعة الإنسانية للتحولات التي تحدث يوما عن يوم . الغرب موجود في كل مكان ، وفي أماكن مختلفة من العالم . أتحدث عن الغرب الذي يتجه إلى قومية شعبوية شوفينية . قلت في كتابي أثناء انهيار الإمبراطورية العثمانية ، إننا نعيش في عصر المسألة الأمريكية ، على نفس التعبير في الشرق . استخدام أمريكا ( الولايات المتحدة الأمريكية ) للقوة الغير المتحكم فيها في العراق ، و المآسي التي أحدثتها حتى الوصول إلى “داعش” ، ما هو إلا ردّ فعل على العمل الأمريكي . ما يحدث هو عودة اليمين المحافظ الذي يعتمد و يخلط الدين بالسياسة .
نتيجة “داعش” هي مشكاة ليست بهذه القوة و لا الأنظمة الإسلامية . نحن شعوب مهزومة ، نسمع الخطاب الغربي ، أنَّ الحضارة الغربية في خطر في فرنسا و أنها سوف تتحول بعد عشرين سنة إلى دولة إسلامية . لسنا بهذه الصورة . في الوقت يطلبون منا الفرق بين الدين و السياسة . و يفرضون على الدول الإسلامية فصل الدين عن الدولة . و لا أتحدث عن الشوفينية الروسية الأرتدوكسية ، و ليست الدول الاشتراكية . فكل دول الغرب تدعو عن طريق الكنيسة . في فرنسا أصبحوا يتكلمون لغة الكنيسة السياسية . بينما نجد طوائف في بلادنا تحارب الدين .
ثمة تحوُّل في العالم الغربي . نحاول أن نفهم ، ماذا يجري حولنا ؟ ليس من اختيار ذاتي ، بل موضوعي . يجب علينا أن نمعن التفكير في حقيقة الأمور . لكي نتصرَّف إذا كان لنا القدرة على التصرُّف . ليس له أيُّ دلالة . الأمور تكاد تكون واضحة للجميع ( أنا كنت أحذر عما يحدث في الغرب منذ سنوات ) . رأينا الشعب الأمريكي يصوِّت ” لترامب ” ، وهو تحوُّلٌ في النظام العالمي بكامله ، و ليس في أمريكا وحدها . ( نظرية نهاية الحكم لِيكوهاما )، وداعا الغرب للحائز على جائزة نوبل . الغرب يشكل أرضية تحوُّلٍ إلى أزمة و انهيار ذاتي . يقول : إنَّ الغرب مع التحولات و خروج بريطانيا من أروبا ، و انتخاب اليمين الفرنسي آجلا ، ما هي إلا عودة القومية الشعبوية ، و موت الغرب عند ترك البعد الإنساني ، و الأخلاق و المبادئ الكونية بوحشية قد تفقده القيم التي ميَّزَته عن باقي الدول الاستبدادية . نحن لا ندرك حجم الكارثة .هذا خطر حقيقي و ليست مسألة بسيطة. نحن لا نستوعب في بلادنا ما يحدث في الجامعة الفرنسية .
أنا أعيش في فرنسا ، و قد أعطتني الكثير. أصبحت الدولة الفرنسية لا تأخذ برأي في القضية الدينية إلا بعد استشارة مع الكنيسة الكاثوليكية . إثنان من ثلاثة موظفين يتكلمون بلهجة دينية ، وهم من رجال الدولة . يتحوَّلُ الغرب عن القيم الإنسانية الكونية . ماذا يحدث؟ الفتور الأخلاقية ثم الرجوع عنها بهمجية ، علينا أنْ نفكر كيف نواجه ذلك . نعيش في مَكلمَة ، يتحدثون فيها بنفس اللغة . نسمع الخطاب الغربي أمام هجوم إسلامي زاحف . أمرٌ غريب ! عندما كنت أخشى أنَّ أحد الكتاب المصريين اقتبسه في انتخابات ” رونالد ريكان ” . كان يقول: إنَّ الإنجيل هو الحلّ ، و ترجمه إلى القرآن هو الحلّ .
بعيدا عن الخطر الإسلامي ، هناك من يقع في هذا الخطأ ، أننا خطرا على الغرب ، لكي يبرِّرَ الجرائم ضدّ الشعوب العربية . و يبرّر الجلاد من جرائمه على لسان ” رئيس ” دولة عربية قائلا : نريد أنْ نفرض الإسلام على العالم و برَّأ الغرب عن الجرائم التي يرتكبها!
الظواهر الغربية و القيادات العربية تتجه اتجاهات قومية .يكفي ذكر الحربان العالميان . تستوجب منا نظرة جديدة ، نظرا لهذا التحوُّل ، لا أقول على الطريقة الإخوانية و لا ” الداعشية “. علينا أنْ نذكر الغرب بالقيم الإنسانية ، و النزعة الإنسانية هي التي في مصلحتنا جميعا . نأخذ نحن العرب مشعل الإنسانية التي أخذناها عن الغرب . الحقوق الإنسانية علينا أنْ نتبناها .من كثرة ما عانيناه من المذابح و الحروب التي عشناها في غزَّة و الدول العربية ، تدفعنا إلى تعميق هذه الإنسانية ، إذ هي الخلاص لنا و للجميع. لستُ شامة فيما يحدث في الغرب .
نريدُ للغرب أنْ يعود إلى رُشدهِ، والرجوع إلى إنسانيتهِ. على الأحزاب أنْ تذهب في هذا الاتّجاه. فليكن شعارنا تعميق النزعة و المرصد الإنساني.