الأديب العصامي (2)
جريدة الشمال – عبد المجيد الإدريسي ( مجموعة قصصية : رنين )
بداية ، قائلا : أحث الذاكرة على تمويلي من مخزونها ، تضعه أمامي لأقتني أفراحا أتنسم ريحها و رائحتها ، و أتراحا أذرف عليها الدمع و أترحم …و يشرع الأديب في قصة ” عروس دار العين ” – أستعين بصندوق خشبي تآكل قعره من أكوام مهملات السطح ليؤازرني ..أجهد نفسي بالصعود عليه لأستوي ثابتا مشرفا ، أحايل بعداً يقرِّبني بها ، عارضة جمالها و تتزين به و ترتدي .. أدَققُ في تفاصيلها ، في الردف و الخصر و النهد و الشفة و الوجنة ، أراها مقبلة و مدبرة ، ملتفتة و منحنية انحناء يوقد الاهتزاز فيما خفيَ مني ، فيثوب .. أزيد ضروبا أخرى متوهما وقوع ما لم يقع …
المادة اللغوية التي يمنحها الأسلوب على مستوى اختيار الألفاظ للنصِّ له كيان و وزن . تدرسه علوم اللغة . ليس فيه قيود ٌ.
إضافة نوعية من المراهق الولهان .. بإيعاز من خافق تنصاع مستسلما لجمال أخذ بناصيتي ، أستنفر عتادي ، أتقلد وجاهتي و أتأهبُ لأتفيأ رمانة وارفة ، مستعصية لا تبيح ذرة من طراوتها إلا بعد لهات و نصب و عناء ، و تبقى اللوعة متأججة دون إخماد ..
يتمتع الأديب بحدس و خيال و له شأن في علم الكلام ، ومن الإدراك و التعبير و التفكير الذي يتطلبه الإبداع في مفاتن المرأة.. على نهج نزار القباني و “تقديسه ” لجمال الأنوثة .. مزاوجا بين الخيال و الواقع ، من نصوص أدبية ذات جمالية في تصورات الأديب .
طليقة الخيال عن ” ميمونة ” : أسرف و كان مغالبا في ديمومة ربض فيها مثابراً يلقي وعوده يمينا و شمالا إلى أنِ روضها ، بدا له منها أفضاء بإيماء أبلغ من منطوق . أزاحتْ التردُّدَ و تبعته حيث يريد ..
لم يتناول في قصصه ( أما ، أو ) وفق المنطق الأرسطي و لم يجمع بين النقائض . وقد أبدع في الغزل ..و حفَّ بها غزل تزينتْ له ، أطلقتْ سراح دلالها ، فاتحها بقصد صداقته و تريثتْ ، أمامها موانع تحرِّمُ الاستجابة ، تصدُّهُ عنها شرائع دينها .. ثريٌّ لا غلوَّ في ذلك ، إذ الأنثى واثقة الخطوة تمشي ملكا . و للأديب القدرة على التعبير بتلقائية . إبداعية تحقيق الذات ،باستخدام قدراته و نبوغ ذكائه .
خيال فلسفي ..أمشي بحذر على أربع فوق قراميد خضراء لينة الملمس ، تتزاحم العصافير عليها استعدادًا للمبيت ..العصافير تعرفني ، ألفتْ تواجدي و مروري عليها ساعة الغروب لأفزعها .. أفتعل جسارة أغالب بها توجسي لأتمكن من النزول على سطح دارها ..و أراها تتهادى بين أزهار تتعهدها بالشذب و الري ،و على خدَّيها و في شفتيها وردٌ أحمر ، كثير من الورود الأحمر ..
أحمل نفسي في حقيبة سفر إلى بياض مدينة أنجبتني ، أدخل حدْوها آمنا آتيا من عدم .. تبدأ طفولتي و معها تفاصيل عمر شرع ظله في الامتداد.. هي لمحة و لمسة فلسفية ، قد أضاء لنا من خلالها المبدع ذاكرة الصبا من أديب يعشق اللون الأحمر ، لون الحبّ . و هيمنة اللون الأحمر إلحاح في الغزل و الحبّ . استطاع الأديب أنْ يمزج بين براءة الطفولة و واقعها ، و وعي الشيخوخة بعدما اشتعل الرأس صلعة و بلغ من الكبر عتياً . ذكاء فطرة الطفولة ، كالنحت في الحجر على ذاكرتها :
علة اهتمامنا ما تهامسه الكبار و تسرَّبَ من منحل شحيح . نعرف من المحرَّم ما لا نعرفه من المباح ، لدينا من الخفايا و المستور و ما يقع فائض و وفرة .
نغلق عليهما في حــرْز حتــَّـى لا نعلـم بمــا نعلم، من هم أسنُّ منا، جهلة و ينعثون بالراشدين ! أديب ضليع في علم اللغة، و الإدراك و التذكر و الحدس و الخيال و واقع الحال .هي قصص من الأجناس الأدبية ، للسيرة الذاتية بسرْد فني ، و الطرفة الأدبية ، مستمدة من الواقع و تكسير طابوهات المألوف . إذ وفقتْ بين الواقع و الخيال و لكليهما معاً . الأديب و الأنوثة هما الشخصيتان المركزيتان ، بهدف الإمتاع ، و ذي لمسات فنية من إشارات إبداعية ، لتفسيرها من القارئ و إشراكه في جماليتها ، إذ تحتوي على نوع من الانشراح القابل لإثارة الأهواء و بناء الاتفعالات ، بجمالية في التعبير و إبداع خيال بفكر رومانسي …