الأديب العصامي (1)
جريدة الشمال – عبد المجيد الإدريسي ( مجموعة قصصية : رنين )
هي مجموعة قصصية انتقائية بلغ عددها 22 قصة ، في كتاب من القطع المتوسط من مائة و ثلاثين صفحة . يحمل عنوان : رنين أزمنة مبعثرة. من عتبة الرنين يسترجع الأديب أزمنة الزمان الجميل لمخزون ذاكرة ، سجلت بها بياض سوسنة فارعة و حمرة وردة من نسل غرناطة تحرِّض على العشق . هذا ” الفدَّان ” الذي أخذ من الحمراء كبرياءها و جلالها . هو فضاء بقلم المؤلف أخذ أيضا بُعدًا رومانسياً ل ” قيس و ليلى ” و “روميو و جولييت ” ، من إبداع سيمفونية ” الفدَّان ” أبدعتْ ليالي أنسها. و قد واصل الأديب رحمه و أنار السِّراج . قصصٌ تؤرِّخ لمدينته و سيرة الأديب الذاتية. غنية بمفردات من لغة البيان.
اختار لها جمالية في التعبير في حدود الفكر و العقل . يحبُّ المعرفة لذاتها إذ تدُلُّ على قراءات واسعة الأفق . بلاغة خطاب ذي معاني رومانسية من رائحة عطر الأنوثة ، استخدم فيها الأديب قدراته الذهنية بتصوراتها الرومانسية- الموسيقية . لها من الجمال ما يعجز عن وصفه بعض من الأدباء . رأسماله قلمه ، لم يجفْ عنه نبع الإبداع . إنْ هي إلا مباني الفكر الوازن. استسقى مياهه من منابع لغة الضاد و من الآدب الذي لديه عاطفة و انجذاب طبيعي ، ربطه بمجال العمل الإبداعي ، ينتقل على نحوه من الواقع إلى الخيال . خطابات ذو دلالة عميقة مُزجتْ باستعارات رقيقة .
حظي الصالون الأدبي باستضافة هذا الأديب الهرَم ، و قد أتحف الحضور بأدب التكيف مع الآخر ، وهو فنٌّ من فنون الكتابة و الآداب . . . .مُطوَّقٌ بما يدعونني لإسداء الشكر لمن استضافني ..( الأستاذ الأديب ، محمد اليزناسني ) ، لهذا النادي العريق الذي يضمُّ نخبة المدينة و صفوتها ، و يعمل على إعادة تطوان إلى سابق عهدها ، منارة أدب و فكر و مجالات ثقافية أخرى ..و الشكر كذلك لمن أدين له ، مَنْ أخذ بيدي و قدَّمني لمؤسسة الشهيد امحمد أحمد بن عبود . مؤسسة الجهاد و الوطنية و التضحية و الاستشهاد . نلتُ حُظوة و شرفا أنْ يكون كتابي ( رنين أزمنة مبعثرة ) من إصداراتها. الشهيد الزعيم الوطني الكبير الأستاذ امحمد بن عبود رمز من رموز هذا الوطن ، استشهد حاضنا قضايا أمته و وطنه . أعطى الكثير إلى أنْ استشهد و ارتقى إلى أعلى عليين .. تاريخ حافل بالبذل و العطاء تاريخ أهمله التاريخ الرسمي ، تغاضى عنه ، نسيه أو بالأحرى تناساه .. إنه حاضرٌ في ذاكرتنا و في قلوبنا ، و تطوان على العهد و على الوفاء له . السلام عليه في علاه و المجد له ، و الإكبار و التحية و الرضوان و النعيم .
أكرِّرُ شكري مرات دون ملل أو فتور لمن كان وراء خروج كتابي هذا إلى العلن و النشر . لرفيق الكلمة الصديق الدكتور عبد العزيز السعود لتطوانيته ، و دماثة خلقه ، و نبله ، و عراقته ، أضفى علي نعوتا و إطراءًا ، أنا دونهما . الشكر له على إخراجي من ركام النسيان . و العودة بي إلى رحاب الساحة الأدبية و عكاظها ، و تذكيري بما كنتُ عليه قديما من مساهمة بالكتابة في صحفها ، و حضور ندواتها .
و يحمل الأثير إلى الأسماع من إذاعة درسة تطوان في الخمسينيات من الزمن الذي ولىَّ، مشاركتي في بعض برامجها الأدبية ، و تقديم قصصي من حين لآخر فيما كان يعرفُ ، بقصة الأسبوع ، التي كانت تذاع على الساعة التاسعة من مساء كل يوم أحد . كان الصديق الراحل عن دنيانا الأستاذ محمد الدَّحروش رحمه الله هو الذي يقدِّمني في غالب الأحيان و يختار من موسيقى الشوامخ ، ما يصحب إلقائي .. لا أتباهى و لا أقول هذا تضخيما للذات ، ولا تعظيما للأنا ، فلست نرْجسيا ، و لكنه الحنين إلى ما سلف من أيامي .. إلى زمن ولىَّ و أعرض و نآى و أفل . بقي هذا الحنين و الشجن و الحرق و اللوْعة و النحيب على طلل من أدب أسكنني صرحه . أعطاني و أخذ مني و كنت شغوفا بروائع مبدعيه ، ببراعمهم ، ببنات أفكارهم ، كما كنت صبّاً متيماً عاشقا للصبايا للحور بنفيد الكواعب من فاتنات واد عبقر الملهمات .. و اليوم هرمنا .. جفَّ الفتيل و أوْشكت الذبالة على لفظ آخر ضوْئها ، ألتفت إلى زمني و أفعل ما فعله الملك الضليل يوم أنْ وقف و استوقف ، وبكى و استبكى ، و ذكر الحبيب و المنزل في صدر بيت شعر يضرب مثلا.. ستصحبونني إلى ما اخترته من مجموعة قصصية ترقد في الأدراج ، طال سباتها .. رُقادها كرقاد عاشق ” بريسكا ” و منْ معه من فتية الرقيم .. عنوانها : رنين أزمنة مبعثرة . هو رنين من زمني و زمن تطوان ..
من الإشبيلية الجميلة ، الرائعة ، الملهمة ، إعتماد ، ومن القرطبية النبيلة ، ولادة الفاتنة العاشقة الجريئة الشاعرة التي كتبت على ما ترتديه من حرير : أنا و الله أصلح للمعالي ~ أمشي مشيتي و أتيه فيها أمكن عاشقي من صحن خدّي ~ و أعطي قبلتي من يشتهيها .
( يتبع) …
..