الأديب د. عبد النور مزين يبوح لـ”الشمال 2000″: الشعب الذي لا يقرأ شعب لا مستقبل له 2/3
جريدة الشمال – حاوره: عبد الله بديع (الأديب د. عبد النور )
الخميس 19 أكتوبر 2017 – 18:48:44
• كثيرة هي الأسماء الذي دخلت ميدان الأدب ورحابه الفسيحة، آتية من ميادين بعيدة عن الميدان سالف الذكر، من قبيل: المحاماة والهندسة والطب… وفي هذا الميدان الأخير تحديدا، أذكر أن الكثير من أهل الوزرة البيضاء عانقوا القلم، واستطاعوا أن يبصموا على حضور لافت في المشهد الأدبي والثقافي عامة من خلال أعمال مميزة وخالدة؛ نذكر من هؤلاء الأطباء على المستوى العربي: يوسف إدريس، ونجيب الكيلاني، وعبد السلام العجيلي،… وعلى المستوى الوطني (المغرب) فاتحة مرشيد وعبد القادر وساط (أبو سلمى) وعبد النور مزين..
وفي هذا الحوار الأدبي، نستضيف الأديب الطبيب الدكتور عبد النور مزين، الذي يجمع بين كتابة الشعر والقصة القصيرة والرواية أيضا؛ من أجل أن نتناول الحديث معه عن جملة من القضايا والأسئلة المرتبطة بتجربته الأدبية.
بشكل عام، كان التعامل مع وصول “رسائل زمن العاصفة” إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية، التي تدار بالشراكة مع مؤسسة جائزة “بوكر” في لندن وبدعم من هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة في الإمارات العربية المتحدة، دون المستوى المطلوب؛ بل يمكن القول إن التجاهل التام كان هو السمة التي طبعت التعامل مع هذا التتويج داخل المغرب. وهنا، أذكر أن وزارة الثقافة لم تلتفت إلى “رسائل زمن العاصفة” في المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء خلال دورتيْ 2016 و2017. كما جرى تغييبها من البرمجة التي تسهر عليها الوزارة ذاتها من أجل المشاركة في المعارض العربية جميعها ومن معرض باريس لمرتين متتاليتين، في الوقت الذي جرى فيه الاحتفاء بكل النصوص الروائية التي وصلت إلى القائمة الطويلة منذ نشأة الجائزة…
وفي مقابل هذا التجاهل، وجهت إليّ بعض معارض الكتاب العربية الدعوة من أجل الحضور والاحتفاء بالرواية، كمعرض الشارقة لسنة 2016.
وبالنسبة إلى الصحافة الثقافية، فلا تزال “رسائل زمن العاصفة” ممنوعة من الوصول إلى الفضاء التلفزيوني المغربي، باستثناء برنامج “مشارف” الذي يعده ويقدمه الشاعر والروائي ياسين عدنان والذي خصّص حلقة حللتُ ضيفا فيها ودار الحديث عن رواية “رسائل زمن العاصفة” والمجموعة القصصية “قُبلة اللوست”، وكذلك عن هذا التجاهل الذي يكاد يكون متعمدا. أما باقي القنوات الأخرى، كالقناة الثانية و”ميدي 1 سات” والقناة الثقافية المغربية أو الأمازيغية، فلم تلتفت إليها تماما.
أما فيما يخص الصحافة المكتوبة الخاصة، فقد جرى تداول الخبر ونشرت حوارات متعددة بمنابر وطنية وعربية وعالمية؛ بل حتى وكالة رويترز للأنباء عممت مقالا خاصا بالحوار الذي أجرته معي وتناقلته وأعادت نشره أغلب وكالات الأنباء العربية من المحيط إلى الخليج؛ لكن دوائر الضيعات الثقافية بالمغرب لا تزال تمنعها من الاقتراب من أي سياج. هذا لم يكن مفاجئا بالنسبة إليّ على اعتبار المفهوم السائد بالمغرب أن الكتابة الوافدة من الأحراش الإبداعية يجب أن تبقى بعيدة عن الضيعات والمحميات الثقافية. وعلى كلّ حال، فإن الموقع الحقيقي للكتابة والإبداع عموما هو قلب القارئ، أولا وأخيرا.
هل كان يتوقع مزين أن تحظى رواية “رسائل زمن العاصفة” بهذه الحفاوة وأن تخلق هذه الأصداء الطيبة لدى القراء وأن تكسب رضا النقاد وأن تتمكن في النهاية من الوصول إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية؟
يعد الصدق في الكتابة ركيزة أساسية من ركائز نجاح النص الإبداعي؛ لأن القارئ يحس بذلك إحساسا فطريا. ومن ثمّ، كنتُ وأنا أكتب “رسائل زمن العاصفة” أتبادل الحديث مع بعض الأصدقاء حول بعض الأسئلة وبعض الأشياء داخل النص، من قبيل درجة القوة في انتقاد تجربة ما أو ما يعادل “القسوة مع الذات للعبور إلى المستقبل”، إن جاز التعبير. وكنت، خلال هذه العملية، أجس نبض القارئ من داخل دائرة معارفي الضيقة؛ فبدا لي، منذ ذلك الوقت وحتى قبل أن أنهي النص، أنني بصدد كتابة نص سأتحمّل فيه مسؤوليتي لاحقا في الكثير من الجوانب قد تتعدى الاعتبارات الفنية المحضة. هكذا، كانت “رسائل زمن العاصفة” تمثّل بالنسبة إليّ رهانا ما على طريقة جديدة في الكتابة الروائية، لم أكن متأكدا من نجاحها ونجاعتها؛ لكنني كنت مدركا لذلك القدر من التفرد فيها. وربما كان هذا ما شجّعني على التشاور مع الناشر لترشيحها للجائزة العالمية للرواية العربية في دورة 2016.
في الإهداء الذي صدّرت به الرواية، ورد ما يلي: “إلى أيمن المرزوقي… مع انعدام الضمانات”… فما قصة هذا الإهداء؟
الفقيد الأستاذ أيمن المرزوقي كان صديقا ورفيق درب النضال. كان أول من بلور موقف الحكم الذاتي بالنسبة إلى قضية الصحراء المغربية، ليصير موقفا رسميا لحركة الديمقراطيين المستقلين قبل أن تتبناه الدولة المغربية. أستحضر هذا اليوم كي أترحم على روحه الطاهرة، وكي أتعلم مجددا معنى الوفاء للوطن ومعنى الوفاء للقيم ومعنى البذل والعطاء دون انتظار مقابل من أيّ نوع كان. البذل والعطاء هما ضمان التغيير، وهما ضمان المستقبل مع انعدام أية ضمانات أخرى، هكذا كان يقول.
لا أجد، إلى حد الآن، شخصا في التجربة التي تحكي عنها “رسائل زمن العاصفة” أقرب إلى شخصية حبيب غادة الغرناط من شخصية الفقيد أيمن المرزوقي. لذلك، ارتأيتُ أن أهدي إليه هذا النص الروائي عربونا على الاعتراف بما أسداه من تضحية لهذا الوطن، وتحية خالدة لفكره ونظرته الثاقبة التي تنفذ إلى عمق الأشياء. (الإبداع هو التجاوز والإضافة وكسر المألوف، وهو الخلق الذي يحدد إنسانية الإنسان)، هكذا قال أيمن المرزوقي.
هل يستطيع مزين أن يقدّم عملا روائيا يتفوق على روايته البكر “رسائل زمن العاصفة”، ويتجاوزه موضوعا وتقنيات؟
صعب أن يحكم الإنسان على نفسه؛ غير أن “رسائل زمن العاصفة” لم تكن، في نظري، إلا التمرين الأول في مشروعي الروائي. ومن ثمّ، أظن أن هذه الرواية علّمتني الكثير واستفدت منها على مستويات عدة، سواء في تقنية الكتابة أو العمق الذي يجب أن يتوفر في المشروع الروائي الناجح. هكذا، أظن أن النصوص الروائية المقبلة ربما ستكون إضافة لها وزنها أيضا في مجال الرواية؛ لكن لن أنسى ما قاله لي صديق وكاتب مسرحي من أني سأجد صعوبة بالغة في تجاوز غادة الغرناط.
كيف ينظر عبد النور مزين إلى الجوائز الأدبية؟
الجوائز الأدبية، كما هي متعارف عليها عالميا، تعد مجالات اجتماعية للاحتفاء بالتميز والتفرد أو ما يعادل معادلا رمزيا للإبداع لما له من انعكاسات اجتماعية على التحفيز من أجل التراكم الإبداعي، وبالتالي حافزا للتطور في المجالات شتى. المشكل الوحيد في هذه الجوائز هو خصوصية كل جغرافيا ثقافية؛ ففي البلدان التي تحترم الثقافة وتروم الاحتفاء بالإبداع والمبدعين الحقيقيين تصوغ مبادئ صارمة للموضوعية على جميع مراحل التباري. أما في البلدان “النص النص”، فإن الموضوعية تضيع عادة في المراحل الأخيرة من السباق، لاعتبارات وطنية ضيقة أو تجارية محضة. أما في بلدان المحميات والضيعات الثقافية، فالجوائز تغدو أضحوكة تماما؛ كالفوز في الانتخابات بنسبة 99.99 في المائة، الذي يصبح عنوانا صارخا للديمقراطية في بلد يرزح تحت نير ديكتاتورية سوداء.
تنطوي رواية “رسائل زمن العاصفة” على نقد مبطن لكثير من مظاهر الاختلال السياسي، الذي يعبّر عن نوع من الاحتجاج وعدم الرضا… ألا ترى، من منظورك الخاص، أن مثل هذا الحضور يمكن أن يفقد العمل الأدبي الإبداعي، الرواية هنا، ألقه ووهجه الأدبي؟
أذكر أني قلت، في مناسبة سابقة، إن الكتابة التزام أيضا بالإضافة إلى المتعة. بهذا المعنى، تصير الكتابة رسالة للفعل الاجتماعي؛ لكن لكل أداة للفعل الاجتماعي خصائصها المميزة التي بدونها لن تتحقق الرسائل المتوخاة بدون التقيد بفنيتها. لهذا، كانت “رسائل زمن العاصفة” ربما أبعد ما تكون عن ذلك الخطاب المباشر الذي كانت تتميز به الكتابات التي تطرقت إلى مرحلة حساسة من تاريخ المغرب كمرحلة سنوات الرصاص، فكانت الحكاية والبعد الإنساني المحورين الرئيسيين لها.
يسجل المتتبع لأنشطتك ومنشوراتك على الصفحة الخاصة والشخصية بموقع التواصل الاجتماعي “الفايسبوك” أنك تحرص على وضع صور لك في الصفحة تظهر فيها واضعا للكتب أمامك على الطاولة في مقهى من المقاهي في غالب الأحيان عوض صور الأكل وما شابهه كما اعتاد بعض رواد هذا الموقع في بلاد العرب؛ ومنهم مثقفون وأدباء.. فهل تنطوي هذه المسألة على رسائل محددة؟
الصفحات الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي هي منصات للتواصل بامتياز والتفاعل المباشر مع القراء، حسب موضوع التواصل. وبالنسبة إليّ، فموضوع التواصل بامتياز هي الكتابة بكل تشعباتها. لهذا، تجدني أقرب إلى التعاطي مع المواد المنشورة على هذا الأساس، مثل تداول وتشارك الكتب والمقالات والأخبار الثقافية ومواعيد النشاطات الثقافية كرسالة تحفيز للشباب على القراءة والانخراط أيضا في نشر هذه القيمة المهمة بين أوساط مرتادي هذه الفضاءات؛ فالشعب الذي لا يقرأ شعب لا مستقبل له.
كشفت، خلال نقاش مفتوح، عن طبيعة الأعمال الروائية التي تقرأها، فكانت كلها لروائيين مشارقة، وتحديدا مصريين.. فهل يعني هذا الحصر أن قراءات مزين محصورة في الإنتاج الروائي المشرقي وحده فقط؟
لا أظن ذلك بدليل أنني قرأت الكثير من الكتابات لكتّاب مغاربة باللغتين الفرنسية والعربية، مثل محمد شكري ومحمد عز الدين التازي ومحمد برادة ومحمد زفزاف ومبارك ربيع والزهرة رميج وربيعة ريحان وعبد اللطيف اللعبي ومحمد خير الدين وأسماء أخرى كثيرة؛ لكنني ربما كنت أقصد الذين أثروا نوعا ما فيّ وأنا ما زلت حديث العهد بالاطلاع على الأعمال الروائية، خاصة نجيب محفوظ وحنا مينة وعبد الرحمن منيف وآخرين بالإضافة إلى الأدب الفرنسي..