الأرشيف ذاكرة الأمة
الثلاثاء 06 دجتبر 2016 – 11:26:26
…وَعيُ علماء العرب و المسلمين مِنْ أنَّ علم التاريخ هو حافظ ذاكرة الأمم و الشعوب، والأرشيف هو مُخلِّدُ الأحداث باعتبار أنَّه سراج يستضاءُ به . فالمؤلفات و كتب المعرفة إنما هي الذهب الذي بُنيَ عليه العلم الحديث . ريادة العرب في جميع العلوم ، و بين قُطبيْ الفلسفة و العلم ، بالمخطوط في الأرشيف الذي تمَّ المحافظة عليه و صيانته .
وقد حرِصَ الغرب على ترجمة الأرشيف العربي لهؤلاء الأعلام .وهناك بعض الأرشيفات العربية التي تمَّ إتلافها و التي كانت تشير إلى بعض التفاسير المتشدِّدة للكندي ، وقد حوكم من قِبلِ المتوَكِّل و صودرتْ مؤلفاته . التعريف بوجوده هو ضمان استمراريته ،و كشف الكتمان عنه، إذ كانت في ظروف حالكة أو “مشرقة” . أصبح التخلي عنه ضروريا تجليا للذاكرة . بمنآى عن الصراعات السياسية . كانت ترْمى الأرشيفات في الأقبية و يتكلف بها بعض الموظفين المغضوب عليهم ، و هي ذاكرة الأمة . مديرية الوثائق الوطنية أخذت صفة مؤسسة أرشيف المغرب ، وهي مؤسسة عمومية ، لكلِّ ما تنتجه الدولة و المرافق العمومية ، و لا يمكن بعد أنْ سنَّ المشرع قانون 69/99 بتاريخ 30/11/2007 للميلاد ، أنْ تنطلي عليه المناوشات السياسوية . و مرسوم التطبيق بتاريخ 2015م ، يجبرُ كل الوزارات إحداث بنيات للأرشيف تحت مسؤولية الكاتب العام للوزارة . بموجب هذا القانون ، وهو من ينظم الأرشيف الوطني ، و أوَّل ميلاد له بتاريخ 30/11/2016م تمَّ التوقيع بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بتطوان على اتفاقية الشراكة بين الكلية و مؤسسة أرشيف المغرب و الجماعة الحضرية لتطوان .
و لسوء تنظيم الأرشيف لقيتْ عملية هيئة الإنصاف و المصالحة صعوبات عويصة للقيام بواجبها لتقييم الانتهاكلت الجسيمة لحقوق الإنسان من سنة 1956 إلى 1999م . وقد كان للأرشيف المغربي دورا هاما في قضية الصحراء المغربية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي . و قد اجتهدت كذلك هيئة الإنصاف لإعادة تشكيل الأرشيف بشهادات سمعية-بصرية . إذ بلغ مجموع أرشيف الهيئة إلى 4000 متر خطية ، سوف يتسلمه من الهيئة أرشيف المغرب . هي المؤسسة الوطنية المشرفة على الأرشيف من أجل تنظيمه و تطويره و المحافظة عليه لولوج المواطنين و الباحثين و المؤرخين إليه . العناية بالأرشيف ضمان لدولة القانون و الديمقراطية و الشفافية و الحداثة ، من أجل مراقبة الصفقات التجارية و كيفية محاسبة أصحابها في الحاضر و المستقبل . و الوصول إلى المعلومة للمساهمة في الحقوق في حالة التقاضي . لم يعد الموظف يرجع إلى الملفات في الأيام التالية إلا للضرورة القانونية ، إذ الأرشيف لا يخضع للتقادم . بشرى للمؤسسة وقد توصلت من العائلة الكريمة للمرحوم الوطني البار و الصادق الأستاذ محمد العربي المساري بأرشيفات الفقيد ب 50متر خطية ، مُهداة لروحه الطاهرة . وهو يكتسي أهمية بالغة ، و سيتمُّ عرْض عينات منها يوم 6/12/2016م بالرباط . سوف يضيء جوانب غميسة من تاريخ المغرب .
و من ذواخر الخواص أيضا ، تسلمت يومه (30/11/2016) المؤسسة من عائلة أولاد السالك من كلميم بواد نون حواليْ 2200 وثيقة ، جاءت من ” سان لوي دي السينيغال ” ، وهي أربع مجلدات ، كلّ مجلد بمائة وثيقة ، سلمها نيابة عن أسرة السالك الأستاذ عمر ناجيه . كان لهذه العائلة نسيج من العلاقات بُنيتْ على التجارة التي كانت لها في شنقيط و السودان الغربي (تكاوست) و مع عائلات متعدِّدة . و بعد اقناعها و بحسها الوطني ، أنَّ الأرشيف سيكون في مأمن لدى مؤسسة أرشيف المغرب . و سوف تسلم هذه الأخيرة لعائلة السالك درْع المؤسسة الشرفي .
التاريخ يصنع بالوثائق و للأرشيف قيمة إثباتية ، إذ لم يكن يحضَ بالاهتمام اللازم لقيمته العلمية حتى يُصبحَ ذات قيمة تاريخية ، لرصد نجاح أو فشل إدارة معينة . على الجماعات الترابية وضع اللبنات الكفيلة بالحفاظ على أرشيف يُراعي كل الخصوصيات لتحقيق التنمية ، و لتوفير فرص المعلومة تكون في متناول المواطنين . ثمَّ تحديد استراتيجية و رؤيا مستقبلة للتراث الثقافي ، من أجل تحقيق التنمية الجهوية . أما الملفات التي لا يمكن الاحتفاظ بها ، وقد تُتْلفُ بوسيلة قانونية أو إحالتها إلى أرشيف المغرب . الجدولة الزمنية لتصنيف الأرشيف من العام إلى الخاص بشكل هرمي،وهو الذي يُحدِّدُ المرحلة الزمنية إلى المآل النهائي . فالمادة 53 تنصُّ على القانون 69/99 .
فالخاص يُقيِّدُ العام وهو الذي في القانون التنظيمي يخلق الازدواجية . الحماية القانونية للأرشيف و مَنْ يمس به ، فالعقاب يتراوح بين ثلاث و ستّ سنة سجنا ، للاطلاع عليه في المادة الجنائية . الأرشيف النهائي لأرشيف المغرب عليه أنْ يُدَبر أرشيفه في الأيام الأولى ، إما بالاتلاف و إما بالحفظ ثم يُنشر في الجريدة الرسمية . وهو يحتاج إلى المعالجة و العناية لإطالة مراحل حياته . السعي إلى تنظيم الأرشيف الجهوي لا إلى مأسسته . الأرشيف آلة للتدبير الجيِّد لأعمال المنتجين . ففي فرنسا أصبح الاهتمام بالأرشيف منذ ثورته سنة 1796 للميلاد .ولها خمس مائة مصلحة جماعية تُعنى بالارشيف مع المؤسسة الوطنية للأرشيف . و في نطاق الدبلوماسية المغربية و الفرنسية و المغربية – الإسبانية ، في إطار علاقاتهم الدولية ، استرجاع الأرشيف المغربي الذي تمَّ تهجيره قبل و بعد الاستقلال . بما في ذلك أرشيف الحرب الفرنسية- الهند الصينية و الحرب العالمية الثانية التي أقحِم فيها الجنود المغاربة .
كذا الأرشيف الاستعماري الإسباني ، و الحرب الكيماوية على المناطق الريفية المغربية ، والحرب الإسبانية الأهلية التي زجَّتْ بالجنود المغاربة رغم إرادتهم للاقتتال من أجل إسبانيا وقدأعيدتْ إلى الجماعة الحضرية بتطوان 11000 وثيقة لحقبة “فاريلا” ” المقيم العام الإسباني بتطوان أيام الحماية ، بالعاصمة الخليفية لسلطان المغرب . و أيضا إعادة الأرشيف المغربي في حوزة المكتبات الوطنية الفرنسية و الإنجليزية و الغربية و حتى العثمانية . للأرشيف قيمة لا تقدر بثمن .هو الذاكرة و الحاضر. و قد أعدَّ أرشيف المغرب دليلا سيوزع على الإدارات العمومية . و مشروع سيرى النور ينعقد مرة في السنة تحت رئاسة رئيس الحكومة .
إحداث مجلس وطني للأرشيف و رفع كل العوائق ، تنزيلا استراتيجيا ، لأهمية ثقافة الأرشبف بين المواطنين و الإدارات العمومية ، تتجلى في تحويل الأرشيف إلى مراكز استشارية ، لكي تقتنع المؤسسات على مأمن أرشيفاتهم . الأرشيف الجهوي بصنفيْه العمومي و الخاص يستقطب اهتمام المؤرخين وهو مرآة ذاكرة الجهة على شتى الأصعدة ، وهو طبيعيا جزء من الأرشيف الوطني لإيلائه ما يستحق من عناية فائقة . و بفقدان الذاكرة نكون قد فقدنا تاريخ حضارتنا .
حينما نستقرىء الأرشيف العربي نكتشف و نُبصرُ مدى ريادة العرب في علم التأريخ من خلال الكتب الكثيرة من مؤلفاتهم في هذا المجال . الأرشيف هو إنتاج قويم يرمي إلى صيانة الأذهان و حفظ ذاكرة الأمة عن طريق رعاية و صيانة مما نجده في كثير من أرشيفات الخواص و غيرها من الأرشيفات العمومية لتصغى إليها العقول