الأمل… الماضي الذي دفناه
الخميس 29 شتنبـر 2016 – 12:32:46
سريعـًا تسير اللّعبة إلى بدايتها ونهايتها، فكُـل بداية تحمِل في طَيـاتها نهــايتها كما هو معلوم، يبدو أن الحرارة لا تسري فقط إلا في أوساط المتسابقين، فالشارع ملّ صداع الرأس وانتظار الذي يأتي ولا يأتي، والأمل أصبح جزءا من الماضي الذي دفناه.
وبقدر ما يشتد الصراع على كعكة القبة بما تحويه من أطايب وتدرهّ من مكاسب، فإن الخطاب السياسي يتسم بالرداءة والانحطاط، كما أن الأخلاق في التعامل والتنافس هو آخر ما يهتم به المتنافسون، فكأنهم ذئاب أطلقت من عقالها ولا تستطيع ربطة عنق جميلة، ولا بذلة أنيقة، ولا رز ةّ مزركشة ولا بسمة صفراء أن تخفي خواء أخلاقيا، وترديا فضيعا في التربية والشخصية الخلقية والسلوكية للمرشح الذي قد يصبح منتخبا بإرادة شعبية أفرزتها صناديق عمياء وإغراءات مادية، ولا تنطق الأواني إلا بما سكن، وكذلك يفعلون، فلا تنطق ألسنتهم إلا بما يسكن ذواتهم ثم إذا بهم ينفجرون بكل قبيح خلقته اللغة.
لقد قالها الكثيرون في برامج وحوارات تلفزية وشددوا على عامل الأخلاق في التعاطي مع لعبة الانتخابات والتعامل مع المتنافسين، هذا العامل الذي يبدو منعدما في الساحة وكأن المعنى والمقصود لا يصلان إلا إذا استعملنا لغة سوقية منحطة، وهذا ما يتساوى فيه الجميع، فضلا عن تصريحات تشرق وتغرب لا تنم عن أي شيء سوى عن فراغ آخر من شكل وحجم الفراغات التي عانينا منها سابقا مع منتخبين استبدلوا فراشهم بكراسي البرلمان الوثيرة، فهم على الأقل حاضرون ولو كانوا نياما ..
اليوم كل طرف يقول هو الأولى بها… الكرسي طبعا مجرد وسيلة للوصول إلى ما هو أكبر، أي تشكيل الحكومة على المقاس… والكل يقول أنه الأحق بها وأنه الأجدر والأصلح حتى وهو نازل للتو بالباراشوت وليس له من رصيد إلا نسب تليد، ورصيد عتيد والكل يحرص على إبراز سلبيات الآخر وفضائحه لدرجة أصبح الشغل الشاغل للصحافة هي نشر الغسيل القذر لهذا الحزب أو ذاك، ولهذا الشخص أو ذلك… وهكذا انجر الكل مع التيار الجارف، وانشغل الرأي العام بفضائح الناس المهرولين لكسب السباق أكثر من اهتمامه بقضاياه وهمومه. وحتى لو ذكرت هذه القضايا والهموم، فإنها تأتي في سياق فضح الآخر والنزول به إلى الدرك الأسفل…
ونسي بعض القوم ممن مروا بحكومات سابقة، وممن عمروا وخلدوا في البرلمان أنهم لم يكونوا أبدا المثل الأعلى ولا حتى النموذج الصالح، لهذا قلت بأن المغرب ضيع من عمره سنينا ليست باليسيرة، فاحسبها بحساب الزمن والعمر تجد أننا خسرنا الكثير، وخسرنا أكثر تلك الثقة في المستقبل والحاضر التي تلاشت مع وجود تجارب وأشخاص لم تعط سوى الأصفار، وهاهو المغرب يعيش رهينة في يد المصارف والصناديق والأبناك الدولية لبلادنا، وفي بلادنا يعيش ديناصورات لا يخجلون عن إنفاق الملايين والملايير في زفاف أبنائهم وبناتهم، لهم أن يحتفلوا بفلذات الأكباد ولكن ليس لدرجة السفه وسط مجتمع فقير يسمع ويرى… فــأغلبهم باعــوا ضمائرهم للشيطان، فمن لا يهمه أمر المسلمين ليس منهم.
كانَ النـّاس فيما سبق يرجحــون كفة أصحاب الشكارة باعتبار أن هؤلاء أفاض عليهم الله من رزقه، فلن يطمعوا في غيرما يملكون، بينما تدفع الحاجة فقيرهم إلى السعي لتحسين وضعه المادي والاجتماعي، فضلا عن أنه خالي الوفاض فلن يستطيع شراء ذمة ولا دفع إكرامية. واتضح أن العكس هو الصحيح، فصاحب الشكارة هو من يتطاول للفوز بالكرسي، أضف إلى ذلك أنه هو من يسعى إلى المكاسب وإلا فلماذا وجع الرأس.
وانهمرت عليهم الامتيازات من كل جانب وفتح رئيسا الغرفتين صنـابير المجلسين وأقل ما فعلاه، تأدية تكـاليف الإقـامة في فندق خمسة نجوم حين انعقاد جلسات المجلسين وفتح مطعم ومقصف ومنح هواتف ذكية وسفريات ما أنزل الله بها من سلطان، وقد لوحظ أعضاء وفـد مغربـي بـرلماني في تركيا يتسوقون من متاجر إسطنبول، حتى إذا ماعادوا نشروا خرافات وأباطيل، وغابوا عن الجلسات، وإذا ما حضروا ناموا، نسجل كل هذا حتى لا يبدو للمهرولين بأن الشعب في دار غفلون وما أوراقهم البنكنوتية سوى فقاعات لاستغلال السذج وذَوي الحاجة، وأن رائجة العفن انتشرت في كل مكان، وما حرب التزكيات والترحال وتغيير اللون إلا مظهر من مظاهر هذا العفن وهذا الوسخ الذي سرى كالسمفي مجتمعنا وأحالنا إلى بيادق يحركها الأفاقون حيثما شاؤوا، فمتى وكيف سيتم تغيير هذا الوضع الذي يتسم به الحراك السياسي في المغرب؟! والذي على ضوئه وخطاه تمر كل التجارب السياسية والانتخابية رغم نداءات شرفاء هذا الوطن وغيرتهم… هل نطالب بحل جذري؟! هل نطالب بسن قوانين جديدة تحمي شرفنا ونقاءنا اللذين استباحهما تجار السياسة وصائدو الفرص؟!
سنرى ما ستتمخص عنه الأيام المقبلة فهي حبلى بالأحداث وأشك أن تكون ضمنها مفاجآت، لأن الخريطة خريطة الطريق واضحة منذ الآن، ولأن الحال ي غُني عن السؤال.