الإيمان بالكتب ..
الجمعة 06 ماي 2016 – 20:45:25
لقد سبقت الإشارة إلى أن أصل هذا الدين وأساسه المتين هو العقيدة الصحيحة، فركن الإيمان يسبق الأعمال كما هو ثابت في آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية الشريفة، لأن العقيدة هي الموجه للأعمال، فكل مؤمن يتوجه بعمله إلى من يؤمن بألوهيته ويقر له بالعبودية.
والعقيدة الإسلامية جاءت بعد شرك وعقائد وثنية و طقوس جاهلية، فكانت غريبة في أول أمرها ثم كتب الله لها الظهور والنصرة والانتشار، ومع توالي الأيام ومر السنين واجهت موجات من الغزو الفكري وجهل كثير من المنتسبين لها فتراكمت عليها كثير من الشوائب والزوائد، وغطتها وطمست جل معالمها مذاهب وآراء غريبة، حتى اختلط على الناس الأمر, وشابت عقائدهم أفكار غريبة عن الدين وبعيدة عن حقيقة الإيمان، فأضحوا من المنتسبين إلى الشرك وهم لايدرون. وقد فصلنا الحديث في الحلقتين الماضيتين عن الإيمان بالله وملائكته ونريد أن نقف في هذه المقالة على أساس آخر من الأسس التي تنبني عليها العقيدة الإسلامية وهو الإيمان بالكتب التي أنزلها الله على رسله، فبالإضافة إلى الإيمان بالله, بوجوده وجودا أزليا سابقا على جميع الكائنات وباقيا بعد فناء كل الموجودات, وبربوبيته ووحدانيته وبأسمائه الحسنى وصفاته الكاملة العليا، وبأن له ملك السماوات والارض يخلق ما يشاء ويهب ما يشاء لمن يشاء، عالم الغيب والشهادة.
والإيمان بالملائكة وبأنهم من مخلوقات الله سبحانه وتعالى,خلقهم الله لعبادته وطاعته, يجب علينا أن نؤمن بأن الله تعالى أنزل على رسله كتبا تعلم الناس الحكمة وتهديهم إلى سبل الرشاد، هي حجة للعالمين ومحجة لهم ودستورهم الذي يحدد معالم حياتهم وأسس دينهم، ونؤمن بأنه تعالى أنزل على كل رسول مبعوث إلى قومه كتابا لتبيان سبل الحق ومعالم الدين، مصداقا لقوله تعالى: ” لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط” سورة الحديد الآية 23.
ونعلم من هذه الكتب:
1. صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام ولا نعلم عن هذه الصحف شيئا, ولا يوجد لها ذكر إلا في القرآن الكريم في سورة الأعلى” قد افلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى, بل توثرون الحياة الدنيا والاخرة خير وأبقى, إن هذا لفي الصحف الاولى صحف إبراهيم وموسى” وفي سورة النجم: ” أفرايت الذي تولى، وأعطى قليلا وأكدى، أعنده علم الغيب فهو يرى، أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى”. يقول ابن جرير الطبري في جامع بيان العلم (24/377) : وأما الصحف فهي جمع صحيفة، وإنما عني بها كتب إبراهيم وموسى.وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بتاريخ نزولها، فقد روي عن واثلة بن الأسفع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت الثورات لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان” رواه أحمد في مسنده(4/107).
2. الزبور الذي أتاه الله سيدنا داود عليه السلام ، قال تعالى: ( وآتينا داود زَبُوراً ). قال ابن كثير: الزبور هو الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود عليه السلام. وقال القرطبي: الزبور كتاب داود وكان مائة وخمسين سورة ليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام، وإنما هو حِكَم ومواعظ.. وكان داود حسن الصوت، فإذا أخذ في قراءة الزبور اجتمع حوله الإنس والجن والطير والوحوش لحسن صوته. وفي القران الكريم ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ) (سورة سبأ:10). والفضل الذي أعطاه الله هو: النبوة والزبور والعلم والقوة وتسخير الجبال والحكم بالعدل وإلانة الحديد والصوت الحسن.
3. التوراة: وهو الكتاب الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه موسى عليه السلام, هو أعظم كتب بني إسرائيل، إشتمل على النور والهداية والموعظة الحسنة قال تعالى: في سورة المائدة: ( الآية 45) ” إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيئون الذين أسلمون للدين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء” وقال عز من قائل في سورة الأنعام(الآية 154): ” ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يومنون”. ولقد لحقه تحريف وتغيير كثير مصداقا لقوله تعالى في سورة الأنعام ( الآية 92) ” قل من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا”. والتوراة الموجودة اليوم تتكون من خمسة أسفار هي:
– سفر التكوين ويتحدث عن خلق العالم وظهور الإنسان…
– سفر الخروج ويتحدث عن حياة بني إسرائيل في مصر
– سفر اللاويين نسبة إلى لاوي بن يعقوب وفيه حديث عن الطهارة وتقديم الذبائح…
– سفر العدد وفيه إحصاء لبني إسرائيل منذ أيام يعقوب عليه السلام.
– سفر التثنية وفيه أحكام وعبادات وسياسة واجتماع.
4. الإنجيل : الذي أنزله الله تعالى على سيدنا عيسى عليه السلام، وهو مصدق للتوراة ومتمم لها، وموافق لها في أكثر الأمور الشرعية، يبين بين الحق والباطل، ويدعو إلى عبادة الله وحده، مصداقا لقوله تعالى: في سورة المائدة ( الآية48) ” وآتيناه الانجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين”.
وهو الكتاب المقدس لدى المسيحيين الذي لحقه أيضا تغيير وتحريف مصداقا لقوله تعالى في سورة النساء (الآية45)” من الدين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه”،ويشمل الموجود الآن من الكتاب المقدس: التوراة والأناجيل, ورسائل الرسل، وتسمى التوراة العهد القديم، بينما تسمى الأناجيل ورسائل الرسل العهد الجديد، والأناجيل الأربعة هي: إنجيل يوحنا -إنجيل مرفس – إنجيل متى – إنجيل لوقا.
5.
القرآن الكريم: كلام الله المعجز بآياته والمتعبد بتلاوته، المنزل على نبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيئين والمرسلين ( هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)سورة البقرة الآية 184. جاء تبيانا للحق وحجة على الخلق أجمعين إلى يوم القيامة، لأنه سبحانه تكفل بحفظه من عبث العابثين وتحريف المحرفين، مصداقا لقوله في سورة الحجر(الآية 9) ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”, فهو عام لكل البشر ,ثابت مستمر في وجوده بلفظه ومعناه وبكل ما جاء به من أسرار وأحكام إلى يوم القيامة, عكس الكتب السابقة التي خاطب الله بها قوما مخصوصين وفي زمن محدد, انتهى بمبعث رسول آخر ونسخ بكتاب أتى من بعده, وقد وقع فيها نسخ وتحريف مصداقا لقوله تعالى في سورة المائدة الآية16 ( يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير, قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين), وقوله تعالى في سورة آل عمران الآية:78ـ79 (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب, ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله, ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون, ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوءة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله). والإيمان بكتب الله سبحانه وتعالى يكون بالتصديق بوجودها وبأنها من عند الله سبحانه وتعالى, أنزلها على رسله حجة على قومهم ومحجة لهم تعلمهم الحكمة وسبل التقرب إلى الله وعبادته, وتهديهم إلى طرق الرشد والصلاح, وتعلمهم شريعة الله, وأن القرآن الكريم الذي أنزله الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتمة هذه الكتب نسخ به سبحانه جميع الكتب السابقة, وتعهد بحفظه ودوامه على أصله الذي نزل به, فهو محفوظ بلفظه ومعناه, حين نقرأه نؤمن أنه هو بنصه ما نزل به الروح الأمين جبريل عليه السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم دون زيادة أو نقصان أو تحريف أو تغيير .ومن ثمرات هذا الإيمان والتصديق: العلم برحمة الله تعالى وعنايته بخلقه, حيث بعث لكل أمة رسولا وأنزل عليه كتابا يرشد إلى سبل الحق والدين, وشكر الله تعالى على نعمته هاته, والتأمل في حكمة الله تعالى إذ شرع في هذه الكتب لكل أمة ما يناسبها, وختم بالقرآن الكريم الذي جعله مناسبا لجميع الخلق ولكل عصر ومكان إلى يوم القيامة, فكان ذلك من معجزاته.