الإيمان بالله ..
الجمعة 25 مارس 2016 – 16:03:00
إن معرفة الله سبحانه وتعالى ومعرفة رسله بالصفات التي جاءت في القرآن الكريم هي أساس جميع العبادات، وروح إسلام المرء وإيمانه, فكما لا يقوم بناء دون أساسه لا تصح عبادة من عبد الله دون معرفته, فمعرفة الله نور يضعه في قلب من شاء من عباده, ويلهمها من أراد به خيرا من خلقه, ففي الحديث: ” إن الله تعالى خلق خلقه ثم رش عليهم من نوره, فمن أصابه ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ذلك النور ضل” .
ولأن الجهل بالصفة جهل بالموصوف وذلك مؤد للكفر والضلالة وسبب للموت على سوء الخاتمة, فمن اعتقد في ذات الله وصفاته خلاف ما جاء به القرآن وما نص عليه الحديث ربما ينكشف له ساعة الموت ولحظة لقاء ربه بطلان ما اعتقده جهلا وآمن به من غير علم, ويظهر له أن كل ما اعتقده لا أصل له فيكون ذلك سببا في شكه عند خروج روحه ويختم له بسوء الخاتمة, وهذا هو المراد بقوله تعالى: “وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ” الزمر 47 وقوله: ” قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا” الكهف 104. فمقصود الشرائع كلها سياقة الخلق إلى جوار الله تعالى وسعادة لقاءه, وأنه لا وصول لهم إلى ذلك إلا بمعرفة الله ومعرفة صفاته والإيمان برسله وكتبه وملائكته وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.
يقول سبحانه وتعالى:” وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” أي ليكونوا عبيدا, ولا يكون العبد عبدا ما لم يعرف ربه بالربوبية ونفسه بالعبودية, فهذا هو المقصود الأقصى ببعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وأوحى الله سبحانه وتعالى إلى داوود: ياداوود اعرفني واعرف نفسك فتفكر داوود ساعة ثم قال: إلاهي عرفتك بالفردانية والقدرة والبقاء, وعرفت نفسي بالعجز والضعف والفناء, فأوحى الله إليه ياداوود قد عرفتني حق المعرفة, ومما يدل على شرف هذا العلم وعظيم فضله, ما روي أنه قيل يارسول الله: أي الأعمال أفضل؟ قال: العلم بالله عز وجل, فقيل يارسول الله نسألك عن العمل فتجيب عن العلم؟فقال إن قليل العمل مع العلم بالله ينفع, وإن كثير العمل مع الجهل بالله لا ينفع. وروي أنه صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال يانبي الله: علمني من غرائب العلم, فقال صلى الله عليه وسلم: ما فعلت في رأس العلم حتى تطلب غرائبه؟ فقال : وما رأس العلم يانبي الله؟ قال أعرفت الرب؟ قال: نعم, قال: فما فعلت في حقه؟ قال: ما شاء الله, قال: أعرفت الموت؟ قال: نعم, قال: فما أعددت له؟ قال : ما شاء الله, قال: انطلق وأحكم ما هاهنا, فإذا أحكمت فتعال أعلمك من غرائب العلم .
فمما يجب على كل مسلم مؤمن بالله معرفته والإيمان به إيمانا كاملا ليس فيه شك ولا ريب, أن الله واحد أحد, فرد صمد, ليس له والد ولا ولد, تنزه عن الزمان والمكان, وسبق وجوده وجود جميع الأكوان, وهو باق وجميع الكائنات هالك وفان, مالك لا شريك له, وملك لا وزير له, صانع لا مدبر معه, موجود بذاته من غير افتقار إلى موجد يوجده, بل كل موجود مفتقر إليه في وجوده, فالعالم كله موجود به, هو تعالى موجود بنفسه, لا افتتاح لوجوده, ولا نهاية لبقائه, استوى على العرش كما قاله, وعلى المعنى الذي أراده, ليس له مثل معقول, ولا دلت عليه العقول, لا يحده زمان ولا يحويه مكان, بل كان سبحانه قبل خلق المكان وإنشاء الزمان, وقال أنا الواحد الملك الديان, الحي القيوم الذي لا يؤده حفظ المخلوقات, ولا ترجع إليه صفة لم يكن عليها من صفات المصنوعات, فهو القيوم الذي لاينام, والقهار الذي لا يرام, وليس كمثله شيء وهو السميع البصير, وهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير, أحاط بكل شيء علما, وأحصى كل شيء عددا, يعلم السر وأخفى, يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور, كيف لا يعلم شيئا وهو خلقه, يسمع كلام النفس في النفس, وصوت المماسة الخفية عند اللمس, يرى سبحانه السوداء في الظلماء, والماء في الماء, يسمع ويرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلية الظلماء, لا يحجبه الامتزاج ولا الظلمات ولا النور, تكلم سبحانه وتعالى لا عن صمت تقدم, ولا سكوت متوهم, بكلام أزلي قديم كسائر صفاته, من علمه وإرادته وقدرته وحياته, من غير لهاة ولا لسان, كما أن سمعه من غير أضمخة ولا آذان, كما أن بصره من غير حدقة ولاأجفان, كما أن إرادته من غير قلب ولا جنان, كما أن علمه من غير اضطرار ولا نظر ولا برهان, كما أن ذاته لا تقبل الزيادة والنقصان, عظيم السلطان, عميم الإحسان, ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
فالإيمان بالله يشمل اليقين في وحدانيته وقدمه وبقائه وعزته وملكه وقدرته على أن يكرمك ويعزك بطاعتك إياه, وينصرك بيقينك فيه, ويرفع لواءك بنصرتك لدينه, ويشمل اليقين في أسمائه وصفاته عز وجل فهو مالك الملك, المدبر الرازق المغني القهار, الجبار القادر الخالق البارئ المصور, النافع الضار المعز المذل… وهكذا تشمل عقيدة المؤمن الإيمان الكامل الواجب في حقه تعالى، والمتلخصة في:
· الإيمان بوجود الله وجودا أزليا سابقا على جميع الكائنات وباقيا بعد فناء كل الموجودات
· الإيمان بربوبيته تعالى أي أنه الإله الخالق الملك المدبر
· الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته الكاملة العليا.
· الإيمان بوحدانيته, فلا شريك له في ألوهيته ولا في ربوبيته ولا في أسمائه وصفاته ” ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.”الشورى11
· الإيمان بأنه عالم الغيب والشهادة ” يعلم ما بين أيديهم وماخلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء” البقرة 55 . و : عنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين”الأنعام59 و ” عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام”لقمان 34
· الإيمان بأن له ملك السماوات والارض يخلق ما يشاء ويهب ما يشاء لمن يشاء.
· الإيمان بأنه سبحانه يتكلم بما شاء ومتى شاء وكيف شاء, بأتم الكلمات صدقا في الأخبار وعدلا في الأحكام وحسنا في الحديث” وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا” الأنعام 115, سميع بسمع ليس كسمعنا, بصير ليس ببصر كأبصارنا, ” واصنع الفلك بأعيننا ووحينا” هود37, مع الإيمان بأن له سبحانه وتعالى يدين كريمتين عظيمتين ليست كما نتصوره ونتخيله:” وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه”الزمر67 و :” بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء” المائدة 64 .فهو سبحانه ليس بجسم مصور, ولا جوهر محدود مقدر, فلا يماثل الأجرام والموجودات, ولا تحيط به الجهات, فكل ما يخطر ببالك فربك خلاف ذلك.
· الإيمان بأنه تعالى مع خلقه وهو على عرشه, يعلم أحوالهم ويسمع أقوالهم, ويرى أفعالهم ويدبر أمورهم, يرزق الفقير ويشفي المريض, وبساعد المحتاج, و ويعاقب المتجبر, ينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء, لا يعجزه شيء في السماوات والارض لكمال علمه وقدرته” إذا أرد شيئا أن يقول له كن فيكون” يس82.
· الإيمان بأن الله تعالى يرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات, ويغضب على من يستحق الغضب من الكافرين وغيرهم. لا يظلم أحدا لكمال عدله, ولا يغفل عن أحد من عباده لكمال رقابته وإحاطته.
· الإيمان بالملائكة والأنبياء والرسل والكتب واليوم الآخر والقدر خيره وشره حلوه ومره[1]. وبعد, فقد أثرنا هذا الموضوع لأهميته في حياة المسلم, فلا صلاح للأمة إلا بصحة العقيدة, وتخليصها من زيغ الأهواء والفتن, وتجديد معانيها في النفوس لإصلاح حال الفرد وأوضاع المجتمع, ومحاربة الاعتقادات الخاطئة والمذاهب الزائفة, فلإيمان أوله تصديق يتبعه عمل وتطبيق لشريعة الله, ثم معاملات طابعها الوفاء والأمانة والتضامن والبر والإحسان.
[1]سنقف عند هذه النقطة بنوع من التفصيل في الحلقة القادمة
جريدة الشمال