الإيمان بالملائكة ..
الجمعة 01 ابريل 2016 – 17:01:35
لقد كان الهدف الأول للرسالة المحمدية إقامة العقيدة الصحيحة ونبذ كل ما هو مخالف لها, وإصلاح النفوس وتخليصها من زيغ الأهواء والفتن, وبناء أمة قوية في عقيدتها, صادقة في سلوكها, مدنية في معاملاتها, يقول ابن خلدون:” الإيمان الذي هو أصل التكاليف وينبوعها هو ذو مراتب: أولها التصديق القلبي الموافق للسان, وأعلاها حصول كيفية من ذلك الاعتقاد القلبي وما يتبعه مستولية على القلب, فيتتبع الجوارح وتندرج في طاعتها جميع التصرفات حتى تنخرط الأفعال كلها في ذلك التصديق الإيماني, وهذا أرفع مرتب الإيمان, وهو الإيمان الكامل الذي لا يقارف المؤمن معه صغيرة ولا كبيرة, إذ حصول الملكة ورسوخها مانع من الانحراف عن مناهجه طرفة عين, قال صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حيث يزني وهو مؤمن”[1].
والمطلوب في العقيدة الوصول إلى الصورة النقية منها المطابقة لما نص عليه القرآن الكريم وما نطق به نبي الهدى صلى الله عليه وسلم، وهي الإيمان بالله, بوحدانيته وقدمه وبقائه, وكل أسمائه وصفاته, وتنزيهه عما لا يليق به كما بينا ذلك في المقالة السابقة, والإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره حلوه ومره, يقول الشيخ ابن عاشر في نظمه:
أول واجب على من كلفـــا ممكنا من نــظر أن يعــرفا
الله والرســل بـــالصفـــــات ممــــا عليه نصـب الأيـــات
…
يجب لله الوجود والقـــدم كذا البقاء والغنى المطلق عـم
وخلفه لخلقه بلا مثـــــال ووحدة الذات ووصف والفعــّـال
وقدرة إرادة علم حيـــــاة سمـع كلام بصـر ذي واجبـــات
وبالإضافة إلى الإيمان بالله يجب على المؤمن الإيمان بالملائكة وبأنهم من مخلوقات الله سبحانه وتعالى, “عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون”[2]. خلقهم الله لعبادته وطاعته, فهم لا يرتكبون ذنبًا أو معصية علىعكس الإنسان الذي قد يرفض كلام الأنبياء بل قد يُنكر وجود الله و يتمادى في المعصية حتّى أنّه قد يُسيئ بالقول إلى ذات الله تبارك و تعالى. أمّا الملائكة فلم يُخلقوا قادرين على فعل شيء من هذا, و إذا وازنّا بينهم و بين الناس فإنّ دائرةعملهم محدودة, قد وُصِفت في قوله تبارك و تعالى” لا يعصون الله ما أمرهم, ويفعلون ما يومرون”[3].وليس من طبيعة الملائكة ألّا تعصى الله تعالى فحَسْب, بل إنها تواظب على الطاعة و تدأب على العبادة. فهم ليسوا كبني آدم منهم من يميل إلى الطاعة و منهم من يميل إلى العصيان.
ومنهم من يجد في نفسه القدرة والاستطاعة أحيانا ولا يجدها أحيانا أخرى, بل هم في عمل دائم لا يتوقفون عن العبادة ولا ينقطعون” لايستكبرون عن عبادته ولايستحسرون , يسبحون الليل والنهار لايفترون”الأنبياء 19 ـ20 , وهم خلق كثير , لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم , قال تعالى: “وما يعلم جنود ربك إلا هو”, وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن البيت المعمور في السماء يدخله ويصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملاك ثم لا يعودون إليه.
حجبهم الله عنا فلا نراهم, وقد يظهرون في صور مختلفة لبعض عباده, فقد تمثل الملك جبريل لمريم بشرا سويا فخاطبته وحاورته, ورأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته له ستمائة جناح قد سد الأفق, ورآه صلى الله عليه وسلم كما رآه الصحابة رجلا لا يرى عليه أثر سفر, شديد بيــاض الثيـــاب شديد سواد الشعر, جلس إلى النّبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخديه, ثم أضحى يسأل عن الإيمان والإسلام, حتى إذا انتهى وخرج لبث مليا ثم قال صلى الله عليه وسلم: “ياعمر, أتدري من السائل؟ قلت الله ورسوله أعلم, قال: إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم”. رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.كما يجب أن نؤمن بأن للملائكة أسماء وأعمالا كلفوا بها, ومهمات خلقوا لتنفيذها بأمر الله سبحانه وتعالى من ذلك: حبريل عليه السلام وهو المكلف بالوحي ينزل به من عند الله على الأنبياء والرسل لكي يبلغوا شرع الله لعباده.يقول سبحانه وتعالى: (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ )البقرة 97,
وقد وصفه الحق سبحانه في القرآن فقال: ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس، إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين, مطاع ثم أمين) التكوير 16 ميكائيل عليه السلام وهو المكلف بالقطر أي بالمطر والنباتات، قال تعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَائلَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) البقرة الآية 97 إسرافيل عليه السلام وهو المكلف بالنفخ في الصور عند قيام الساعة وبعث الخلق, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا يختلفون، إهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) قال ابن القيم: فتوسل إليه سبحانه بربوبيته العامة والخاصة لهؤلاء الأملاك الثلاثة الموكلين بالحياة، فجبريل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب والأرواح، وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأرض والنبات والحيوان، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي به حياة الخلق بعد مماتهم. مالك وهو الملك الموكل بالنار أي خازنها ، قال تعالى: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ۖ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ) الزخرف) 77.
ملائكة موكلون بأهل الجنة، يقول سبحانه وتعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِم وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)الرعد .24) ملك مكلف بقبض أرواح بني آدم, قال تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم ترجعون) السجدة 11 .
وهذا الملك عرف عند كثير من الناس باسم عزرائيل، وهذا الإسم لم يرد في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه نقل عن أشعث بن سليم ، ” وملك الموت له أعوان ينتزعون الأرواح من سائر الجسد حتى إذا بلغت الحلقوم تناولها ملك الموت” وهما صنفان: ملائكة رحمة وملائكة عذاب، انطلاقا من قوله تعالى في شأن المومنين:(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )النحل 32، وقوله في شأن الكافرين: (وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ) الأنفال50. ملكان مكلفان بسؤال الميت عند دفنه والانتهاء من تسليمه إلى مثواه، يقول تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) إبراهيم 27، وقد ورد في الحديث أنهما يسميان: منكر ونكر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أقبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير…). ملائكة مكلفون بكتابة عمل بني آدم ، فلكل شخص مكلف ملكان أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره ، يسجل الأول حسناته والثاني سيئاته، قال تعالى: (عن اليمين وعن الشمال قعيد مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق .18 .
ومنهم ملك الجبال الموكل بها, ومنهم ملائكة موكلون بالأجنة في الأرحام، وآخرون موكلون بحفظ بني آدم، ومنهم الملكان هاروت وماروت اللذان أنزلهما الله من السماء إلى الأرض وأذن لهما في تعليم السحر اختبارا لعباده وامتحانا بعد ما بين لهم أن ذلك مما ينهى عنه على ألسنة الرسل، قال تعالى:
(وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) البقرة 102.