التباسات مسيرة “أساتذة الغد” بالدار البيضاء 20 مارس 2016
الجمعة 01 ابريل 2016 – 12:06:10
استطاعت المسيرة التي عرفتها مدينة الدار البيضاء يوم الأحد 20 مارس الماضي، استقطاب قطاعات واسعة من المتتبعين ومن المهتمين، من مواقع شتى ولدوافع مختلفة. وإذا كان الحدث قد مر في أجواء حماسية استثنائية عبرت عنها نوعية الشعارات التي صدحت بها الحناجر، ورددتها عاليا كشكل احتجاجي ضد ما اعتبره المحتجون التفافا على مطالبهم بإسقاط “المرسومين” المعلومين، فإن الحدث قد أضحى مكتنفا بالكثير من الالتباسات التي تظل في حاجة إلى كل التوضيحات الضرورية لتنوير الرأي العام حول حقيقة ما جرى/ وما يجري بخصوص تداعيات ملف “أساتذة الغد”.
بمناسبة هذا الكلام، ما لاحظه المتتبعون من انزلاقات ومن إفرازات لم تعمل إلا على التشكيك في صدقية المطالب الكبرى التي التأمت من أجلها هذه المسيرة، وجعلت المتتبعين من خارج دوائر هذه الحركة الاحتجاجية وكذلك من خارج الجهات الحكومية الرسمية وحزبها الحاكم، تبادر إلى التحفظ في مبدأ “التضامن” في حد ذاته، وهو التحفظ الذي يرتبط بهذا التجييش غير المبرر في تعبئة الرأي العام من أجل قضية تدبيرية/ اجتماعية كان من الممكن حلها بعيدا عن الأجواء السياسويةالمختلقة التي تلاقت فيها الأهواء والمواقف والحسابات والرهانات. نسوق هذا الحكم العام، ونحن نستدل بالمعطيات التالية : أولا – أمر غريب حدث في هذه المسيرة ..
عندما بادر البعض من المحتجين إلى الادعاء أن عدد المشاركين من المتدربين بلغ 18000 في حين أن عدد الطلبة المتدربين ينحصر في 10000، بمعنى أن العديد من المشاركين لم يكونوا معنيين بقضية ما يعرف بأساتذة الغد بل حضروا لتصفية حساباتهم الضيقة مع الحكومة ومع النظام، في تعبير عن استغلال سياسويفج للحدث ينحدر إلى مستوى الانتهازية في التعامل مع المسيرة. وعندما انتبه المنظمون إلى تناقضات الأرقام، عادوا صبيحة يوم الاثنين الموالي لتصحيح “الخطأ” بالتأكيد على أن الرقم بلغ 10000، وأن الآخرين كانوا مجرد متضامنين.فكيف يمكن لهذا الرقم أن يكون صحيحا، لو أخذنا به على مضض، والجميع يعرف أن هناك عددا من الطلبة المتدربين لازالوا يرفضون الانخراط في معركة مقاطعة الدروس، بل ويمارس عليهم إرهاب فكري ومعنوي خطير لثنيهم عن التعبير عن مواقفهم بشكل مباشر وعلني. ثانيا، نوعية الشعارات التي رفعت في بعض جنبات المسيرة، ابتعدت كثيرا عن جوهر مطلب المحتجين بإسقاط “المرسومين”، وانتقل الأمر للتعبير عن مواقف بعض الجماعات والتنظيمات السياسية المعروفة،فاتضح أن المسيرة لم تكن ذات أفق مطلبي واضح بقدر ما أنها تحولت إلى استعراض للقوة بالنسبة للتركيبات غير المنسجمة المشاركة فيها، أحزابا ونقابات وجمعيات وتنظيمات وأفراد… ولعل هذا ما خلق حالة ارتباك واضح في فترات معينة من المسيرة، دفعت ببعض المنظمين للتدخل لإقناع “المتضامنين” أن المسيرة يجب أن تحافظ على طابعها المطلبي وأنها لا تمثل أي موقف سياسي ضد أي كان.
ثالثا – انتهى الأمر بالتحول إلى واجهة منبرية لتصريف المواقف بعيدا عن محددات الانطلاق، فالأمازيغاوي مثلا ظل يرفع علم الحركة الأمازيغية، وما تبقى من حركة 20 فبراير استمسك بشعار الشعب يريد إسقاط النظام، وجماعة العدل والإحسان وحزب النهج الديمقراطي تمسكا بمواقفها المعروفة، والقاضي الهيني أعاد التأكيد على مطالب الحق الدستوري في التظاهر، وأحد أحزاب اليسار البرلمانياستغلها مناسبة لإنعاش عنترياته بالإعلان عن فتح مقراته أمام المتظاهرين القادمين من مدن أخرى وبتقديم تصريحات نارية لبعض أعضاء مكتبه السياسي، والجمعيات الحقوقية اختلط عليها الحابل بالنابل لتتداخل اهتماماتها الحقوقية مع دهاليز تدافع الملفات الاجتماعية، .. وهكذا دواليك، سعى كل طرف من “المتضامنين” إلى تجديد “تضامنه” مع ذاته الحزبية أو النقابية أو الدعوية أو الحركية، مع التلويح بسيف الانتهازية والانبطاح والعمالة ضد كل من امتلك الشجاعة لإدانة هذا السلوك غير المقبول، أخلاقيا وسياسيا ونقابيا.
هي إذن مسيرات متعددة تحت غطاء واحد اسمه ملف “الأساتذة المتدربين”، وعنوانه توريط “الطرف الآخر” في معارك لتثبيت المواقع وللتعبئة ولاسترجاع المصداقية الكفاحية المفترى عليها. إنها مسيرة أثبتت أن في الأمر التباسات لابد وأن تجعلنا نعود إلى منطلقات التفكير الأولى للكشف عن حقيقة أصل مشكلة “أساتذة الغد”، آنذاك سنكتشف العجب العجاب، وبيننا الأيام…