التضامن في الإسلام ..
جريدة الشمال – محمد كنون الحسني :
2- مظاهـره : تحدثنا في العدد الماضي عن التضامن في الإسلام وقلنا إنه ركيزة أساسية لبناء مجتمع مثالي يسوده التناصر والتآزر والتواد والتآلف، ينطلق في الإسلام من أصول ثلاثة : الإيمان الكامل بالله والمساواة بين البشر والتآخي وحب الخير للجميع. و إذا ذهبنا إلى تحديد مظاهر التضامن والتكافل في المجتمع الإسلامي وجدناها كثيرة ومتنوعة لدرجة يصعب معها الحصر والتحديد، ففي رحاب السنة المطهرة نقف على أحاديث كثيرة توحي بهذه المضامين وتحيل عليها، منها قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البزاز: ” ثلاث لايغل عليهن قلب امرئ مسلم، إخلاص العمل لله، والمناصحة لأئمة المسلمين ولزوم جماعتهم ” فمن مظاهر التضامن في الإسلام الإخلاص في العمل، فالمسلم لا يؤدي عمله إلا كاملا ولا ينجزه إلا تاما مبرأ من العيوب سالما من كل أنواع الغش، فهو لايحب أن يسلم أخاه المسلم شيئا غير كامل ولا عملا مبنيا على الغش. ومن مظاهر التضامن أيضا لزوم الجماعة وطاعة الإمام، والعمل وفق ما تقتضيه المصلحة العامة، ووفق ما يرضي الله والجماعة، كما يقوم بالنصح والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالمسلم لايرضى لأخيه الهوان ولا يتركه يسير في طريق غير طريق الحق والنور.
كما يقف المسلم بجانب أخيه في السراء والضراء، فيدفع عنه كل أذى ويكشف عنه كل ضرر مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: ” من نفس عن مومن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه” ففي هذا الحديث نقف على ثلاث صور من صور التآزر والتعاون والتراحم في الإسلام هي:
1. كشف الهموم وتفريج الكرب وحل المشاكل التي تحل بالمسلمين سواء كانت مالية أو بدنية أو نفسية، فمن نفس أي أزال وكشف وفرج عن مؤمن كربة أو ضائقة وشدة بنفسه أو ماله أو جاهه أو دعائه له بظهر الغيب كان جزاءه عند الله من جنس عمله، فسيفرج عنه سبحانه كربة من كرب يوم القيامة.
2. مساعدة من عليه دين وتعسر عليه أداؤه وذلك بتأخير موعد الدفع وانتظار وقت الفرج عليه، أو إبراء منه أو هبة تساعد على دفعه أو صدقة، أو التدخل كواسطة بين المعسر وصاحب الدين.
3. ستر عورة المسلم باللباس أو بما يشتري به هذا اللباس، أو بستر عيوبه والتغاضي عن نقائصه وستر كل ما يكره أن يعلمه الناس عنه.
وإذا أردنا أن نجمع صور التضامن والتآخي في الإسلام، ونجمل معاني التكافل والتراحم نستحضر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “مثل المومنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” ففي هذا الحديث اختصار لصور التضامن في الإسلام وإجمال لأسسه ومعانيه، إذ يغيب الفرد داخل الجماعة ويرتبط وجوده بوجود الآخرين وسعادته وشقاؤه بسعادة وشقاء جماعة المسلمين. فمن خلال هذه النصوص وتلك الإشارات نستطيع أن تبين أهم الأسس وأشكال التي انبنى عليها التضامن في الإسلام ونلخصها فيما يلي:
· توحيد الصفوف والغايات والمنطلقات في العبادات والمعاملات.
· حب الخير والصلاح والنجاح والسعي من أجل كل ذلك للنفس والغير.
· الإخلاص في العمل والابتعاد عن كل ما يمكن أن يضر بالآخر.
· لزوم الجماعة.
· النصح والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
· كشف الهموم وتفريج الكرب وحل المشاكل.
· مساعدة من عليه دين وتعسر عليه أداؤه.
· ستر عورة المسلم والتغاضي عن عيوبه.
· إطعام الجائع ومساعدة المحتاج وأجابة السائل ومساعدة الضعيف ومد دوي الحاجة بالمال.
· أن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه.
فالإسلام نظام شامل للحياة ينطلق من حاكمية الله عز وجل في شؤون الحياة تجسيما لشهادة الحق: أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، فالإسلام ينظم الحياة السياسية عن طريق مؤسسة الإمامة العظمى ونظام البيعة، وينظم الحياة الاجتماعية عن طريق المساواة والتضامن والتكافل والتآخي، وينظم الحياة الاقتصادية من خلال نظرته الخاصة إلى المال والعمل والمراقبة الفعلية الاقتصادية، وينظم الحياة الدولية على أساس التعارف والأخوة والتعاون. فـالإسلام حث على التضامن والتآخي ورسخ أسس الإحسان والعطاء، فـالنـاظر في مبادئ الاقتصاد الإسلامي يجد أن الإسلام وضع الإحسان في درجتين :
1 .الإحسان الإلزامي : الواجب المفروض بواسطة النصوص والذي يجبر المسلم على القيام به بواسطة السلطات العامة ويتمثل في:
*الزكاة المفروضة الواجبة على الأغنياء في المال والتجارة والماشية.
*النفقة على أهل القرابة حيث يجب على كل غني يتوفر على فضل بعد كفاية حاجته وحاجة أهله، أن ينفق على قريبه الوارث له إذا كان فقيرا عاجزا عن الكسب.
*مستوى التساكن والأخوة في الله والإنسانية بحيث يجب على كل غني أن يكفي حاجة المضطر والجار والضيف، والمحتاج للانتفاع بمال الغير في المركب والماعون مثلا، كما يجب على من حصل على ثروة جديدة عن طريق الاستغلال الفلاحي أو عن طريق الإرث أن يسد حاجة من يحضرون حصوله عليها لقوله تعالى: ” وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه”
2 .الإحسان الاختياري : يتكـون من صور مختلفة منها الصدقة والهبة والوصية والكفالة والنذر والالتزام والوعد…