التهامي الوزاني و جريدة الرّيف ..
الخميس 11 غشت 2016 – 12:38:13
كان نتيجة إعلان “فرانكو” انقـلابه ضدّ الحُكـم الجمهـوري الإشتراكي في اسبـانيــا عـدّة اتّصــالات و مفـاوضات بينه و بين الحركة الوطنية في تطوان، وبيـن هذه الأخيرة و نظيرتها في جنـوب المغرب، ثـمّ بينه و بين المخـزن الخليـفي، وبعد اتّفــاق كـل الأطراف تحدّدَت تنــازُلات وأخذَت وعـــود في قَضـايـا و مكتسبـات ، كـان من بينها فتح المجال للعـمل السياسي بتأسيس الأحزاب، وفتح مـدارس وإصدار جرائد و استقلال القضاء و الاحباس، فتم التوافق ، وشاع بين العامة حسن نية الأسبان ، وترددت أقوال بين الفيئات الشعبية خدمة للإنقلاب الفرنكاوي بالتشجيع على التجنيد، كان من بينها حب الإسلام أو التعاطف معه ضدا على الاشتراكية، وفي هذا المنحى جاء تهيء فرانكو لباخرة “المغرب الأقصى” لأداء مسلمي المنطقة فريضة الحج.
أمام هذه الصورة التوافقية بين الأطراف المغربية وضباط الانقلاب الفرنكاوي انطلقت الكثير من الكتابات تمجد فرانكو معلقة عليه الآمال في مساعدتها على الإصلاح و البناء فالإستقلال.نتيجة تفاعلات هذه الأحداث عرفت تطوان حركة نشيطة و مزدهرة في ميدان الصحافة باللغتين العربية و الاسبانية، جعلها ذلك مميزة بين المدن المغربية ، سهر على إعدادها و إصدارها جماعة من نخبتها السياسية و الثقافية كان من بينها الشريف الصوفي الأديب و المؤرخ التهامي الوزاني (1903-1972) وذلك بجريدة “الريف “.جريدة الريف أسسها وأدارها الصوفي و الأديب و المؤرخ التهامي الوزاني، صدر أول أعدادها يوم 27 غشت 1936 م، و استمر الوزاني في إصدارها إلى حصول المغـرب على الإستقـلال.
بدأت بالصدور مرّتين في الأسبـوع ، ثـمّ تحـوّلت إلى يومية، وكــانت تطبع بمطبعة الرّيف التي أسّسَهـا التهـامي الوزاني، وبها طبعت مُؤلفـاتـه، ظلَّـت هـذه المطبعة في تطـوان إلى أن انتـقـلَ التهامي الوزاني للعمل في مدينة واديلو فأخَذَهــا معه، وظلّـت هنــاك متوقفة عن العمل إلى أن سَلّمَهـــا فيمـــا بعد لصديقه “عبد الله كنون” ونقلت إلى مدينة طنجة، وبها كان يطبع جريدة ” الميثــاق” لســان رابطة علماء المغرب، ومن طنجة أخَذَهـــا الشيخ “محمد المكي الناصري” إلى الربـاط حيث استمر طبعها لجريـدة ” الميثـــاق” إلى أن استغنى عنها بـاقتنــاء المطبعة الجديدة.
تعتبر جريدة الريف من الجرائد الوطنية التي استطاعت أن تصمُد مدّة لم يستطع غيرها الحِفـاظ عليها، فقـد استمر صـدورها عشرين عاما، وهي تعد من أشد السنوات حرجا سواء بالنسبة لمنطقة شمال المغرب أو بالنسبة للجهات الأخرى : مغربية وعربية ودولية، وقد تمثل هذا الوضع في عدّة مَنـاحـي : السيـاسي والاقتصادي و الاجتماعي، و الثقافي، وهذا ما جعل هذه الجريدة تصدر في عدة أحجام و في أعداد غير قارة من الصفحات و في أنواع عديدة من الورق سواء من حيث النوع أم من حيث اللون، وهي عاصرت عدة أحداث محلية ووطنية و دولية، نذكر من الأولى الانقلاب الفرنكاوي الذي عـالجته بنوع من التـأرجُـح بيـن الرفض و التـأييـد الــذي لم يستقر إلا بعد أسـابيــع من يوم بدئه، ومنه أيضا حدث الإعلان عن حرب الإصلاح الوطني الذي استقلت جريدة الريف بالإعلان عنه بنشر أسماء أعضائه وصفتهم و صورهم. ساعدها على ذلك خلو الساحة من الصحافة خلال الفترة أولا ، ثم لكون التهامي الوزاني – صاحب الجريدة – واحدا من مؤسسي الحزب ومن ضمن أعضائه ثانيا.
يعتبر الإعلان عن حدث تأسيس حزب الإصلاح بالنسبة لجريدة الريف حدا فاصلا بين مرحلتين ، إذ كانت منذ صدور عددها الأول إلى الإعلان عن حزب الإصلاح الوطني يوم : 18-12-1936 امتدادا لما سبقها من الصحف كمجلة السلام و جريدة الحياة و مجلة المغرب الجديد و جريدة الأخبار التي كان يصدرها محمد داود مفتوحة على جميع الأقــلام، ينشر فـوق صفَحـاتهــا جميع كتـاب الحركة الوطنية دون اعتبار أي اتجاه أو حزبية لكونهم يمثلون الكتلة الوطنية ن غير أنها بعد الإعلان عن حزب الإصلاح الوطني ستعرف تحولا ومراجعة في الأسماء التي سيتاح لها النشر فوق صفحاتها بحكم أنها أصبحت ناطقة باسم الحزب أو هي بمثابة لسانه الرسمي ، وقد ظلت كذلك إلى حين صدور جريدة الحرية التي اعتبرت اللسان الرسمي الناطق باسم حزب الإصلاح الوطني تنشر برنامجه و تحلل ميثاقه وتغطي أخباره و أنشطته، متصدية لخصومه و في مقدمتهم الشيخ محمد المكي الناصري وحركته الوحدة المغربية و لسان هيأته الحزبية جريدة الوحدة المغربية و خصوصا في السنوات الثلاث الأولى.
إلى أن قال:
إني أحب ” الريف” وهــي جديرة بالحب من كل الشعوب بأسرها
يا عادلي كن عاذري في حبهـــــا فهي فريدة في الصحائف كلهـــا
ومهما كانت مدة توقف جريدة الريف أو توقيفها فهي بأعدادها ” 1.240″ ظلت طول مدة صدورها تعمل على إيقاظ الحس السياسي لدى قارئيها ووسطها، كما وقفت صوتا مرتفعا بالمدينة و البادية يعمل على نشر التهذيب و الأخلاق و الفضيلة و التثقيف ونشر الفكر بفضل أقلام سياسيين وعلماء وأدباء محليين وقوميين و عالميين ، في مقدمتهم صاحب الجريدة التهامي الوزاني الذي كتب فوق صفحاتها الكثير حتى لا يكاد يخلو عدد من أعدادها من كتابته، كتب في السياسة و التاريخ و التصوف و التربية و التعليم و الأسطورة والرحلات، كما كتب عن المرأة وحقوق الإنسان، كما قدم فوق صفحاتها ترجمات عن الأجنبية منها ترجمته رواية سيرفانطيس ” ضون كيخوطي دي لا مانشا، كذلك عرفت صفحات جريدة الريف الكثير من الإبداعات الأدبية كالشعر و الزجل و المقالة و القصة والسيرة الذاتية، فقد كانت منبرا لأقلام معاصريها، نذكر منهم عبد الخالق الطريس قبل الإعلان عن حزب الإصلاح الوطني، ومحمد حجاج و الطيب بنونة وعبد السلام ابن جلون ومؤرخ تطوان احمد الرهوني ومحمد ابن موسى وشقيقه احمد ومحمد الطنجي وعبد السلام الحضري ومحمد المسفيوي ومحمد العربي الشاوش و الشريف القجيري وعبد الله بن عبد السلام المراكشي ومحمد بوخبزة وعبد الواحد اخريف وحسن المفتي وغيرهم من كتاب المغرب و المشرق.
وأهم ما يمكن الإشارة إليه هنا فتح الجريدة حيزا للكتابة النسوية، من ذلك ما نشرته فوق صفحاتها ارحيمو المدني، فقد نشرت لها الجريدة في عددها 15 ص 4 كلمتها التي كانت ألقتها بمدينة شفشاون عن موضوع تثقيف المرأة ووجوب تعليمها، وقد جرت كلمتها هذه إلى سجال كان بينها وبين الأديب محمد الصباغ على صفحات الجريدة وهو طريف وإن لم يستمر حتى نهايته، وقد تعتبر هذه المرأة من رائدات الحركة النسوية ليس على المستوى المحلي بل يمكن اعتبارها رائدة على المستوى الوطني. إذا كان يصعب حصر كل ما عالجته جريدة الريف في هذه الكلمة فإنا سنقف مع مساهمتها في بعض ما نشرته من شعر نكتفي من ذلك ببعض ما كان شغل هاجس المبدعين في موضوع القضية الوطنية، جاء في قصيدة
عبد السلام الحضري في رثاء عبد السلام بنونة :
تـــنام جفوني عند كل مصيبـة وليس بها نوم إذا مات عالــــــــم
وقال القجيري في إحدى وطنياته :
ما لنفسي أبت لباس جديــــد إذ غدا الناس في سرور وعيـــــد
إلى أن قــال :
ذاك شعبي سطت عليه يـــد الظلم فأضحى في قبضة من حديد
وهذا “عبد الله المراكشي” يقول في قصيدة لهُ طويلة :
بفضل عناية المولى ونـــور من الاشراف يبعثه العليــــــــــــم
بفضل خليفة السلطان نـــار بذور الغرب وازدهت النجـــــوم
احتوَت جريدة الريف على نصوص شعرية عديدة وفي مواضيع متعددة، احتوت قصائد عمودية وأخرى تفعيلية وثالثة نثرية وهي بتسجيلها للنوعين الأخيرين تعتبر رائدة في تبني الشعر الجديد في المغرب و العمل على إيداعه ونشره متحدية بذلك الأصوات الرافضة له ولرواده باعتباره دخيلا على المألوف، ولكنّه استمر متحديا داعيــًا إلى التجديد، إنّها دعــوة التهامي الوزاني في كل آرائه وأفكاره وأبعاده الفكرية و الاجتماعية و الأدبية والصحافية، فقد كان رحمه الله داعية إلى التجديد في كل شيء إلا فيما يرتبط بدينه ومذهبه وعقيدته.