الثورة السياسية الراهنة
جريدة الشمال – مصطفى الحراق ( )
في ظل هذه التطورات التي رافقتها حرب الخليج، أعلن بوش قيام النظام العالمي الجديد، واعتبر الممارسة الأمريكية في الحرب، التطبيق الأمثل لقواعد واتجاهات ومعايير هذا النظام.
ولسوء الحظ أن الدعوة الإيديولوجية الأمريكية الصارخة لهذا النظام العالمي الجديد، والتي صاحبت حرب الخليج، أخفت حقيقة ثقافية واجتماعية بالغة الأهمية، وهي أنه في العقود الأخيرة بدأ مجتمع في الدول الصناعية الغربية المتقدمة يتخلق، ويجنح إلى بعض القيم، إلى جانب التغيرات الكبرى التي كانت تحدث بهدوء وعمق داخل بنية المجتمعات الاشتراكية، وكذلك التحولات البنائية في مجتمعات العالم الثالث.
وقد أدى ذلك إلى نشوء جدل على الصعيد العالمي حول النظام العالمي الجديد، وما هي اتجاهاته، ومبادئه، ولآلياته، والأهم من ها مخاطره، وغيبت في هذا الجدل الحقائق الموضوعية المتعلقة بالتغيرات التكنولوجية الكبرى، والتغيرات الثقافية التي لحقت بأنساق القيم في العالم، وبروز صور جديدة من المشاركة السياسية.
ولعل سبب ذلك كله، الخطاب الذي أعلن من خلاله الرئيس الأمريكي آنذاك بوش عن قيام النظام العالمي الجديد، والذي تضمن نوعا من أنواع تصفية الحسابات التاريخية بين الرأسمالية والشيوعية، ودعوته إلى تسييد نسق من القيم، تؤمن به الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى تركيزه على عصر المعلومات وتأثير تكنولوجيا الاتصال.
وهذا النسق ألقيمي يمكن في الواقع أن يتم الاتفاق على كثير من مبادئه ومن أهمها، الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، غير أن بعض المبادئ الأخرى مثل اعتبار الرأسمالية هي الطريق الأمثل لتطور البشرية، وخصوصا الرأسمالية كما هي في المفهوم الأمريكي، قد لا يكون محل اتفاق حتى الآن.
وأهم من ذلك هو انتداب الولايات المتحدة الأمريكية نفسها باعتبارها هي صاحبة الدعوة إلى نظام عالمي جديد، وهي القادرة على فرضه وحمايته، مسألة خلافية، وخصوصا في ظل سياق دولي تطمح فيه قوى كبرى مثل اليابان، ألمانيا والصين، إلى أن تلعب دورا أساسيا في النظام العالمي في الحقبة القادمة، أما فيما يتعلق بعصر المعلومات وثورة الاتصال فقد كان الرئيس الأمريكي الأسبق بوش فيس الواقع يرد على مطالب دول العالم الثالث بصدد إنشاء نظام إعلامي عالمي جديد، ويدعو إلى صيغة أكثر محافظة فيما يتعلق بالإعلام من أجل الإنسان.