تناسلت في الآونة الأخيرة أخبار ووقائع توثق لجرائم قتل بشعة يروح ضحيتها، العديد من الأشخاص على اختلافهم، فالجريمة في المغرب عامة أضحت تسير في منحى لا نهاية له، وبصورة لا تطاق، وكأنه وباء خطير وفتاك، ليس له علاج، كوحش هائج يطارد الجميع.
برودة دم، وسهولة القتل، ردود فعل عادية تميز صاحب الفعل الإجرامي، هذا فضلا عن التفنن في ارتكاب هذا الفعل والتلذذ في وضع حد لحياة الضحية، وكأن الأمر يسير ولا تشوبه شائبة، هذه الجرائم جعلت الكثير من المواطنين يعيشون في حالة قلق.
ويكفي استحضار عدد منها للدلالة على ما تشهده المنطقة. ليلة ال 13 من نونبر الماضي، اهتزت مدينة طنجة بالتحديد حي “راص المصلى” على وقع جريمة قتل بشعة، عندما عمد الجاني وهو رجل ستيني إلى ذبح آخر يبلغ من العمر 70 سنة، على خلفية خلاف حول سومة كراء محل للسكن بالحي السالف الذكر، سرعان ما تحول إلى جريمة قتل.
إذا قمنا بإمعان النظر، نجد أن الأسباب الفعلية لاقتراف جريمة القتل أسباب واهية، إذ أن حيثيات الواقعة لا تستدعي اللجوء إلى القتل كحل نهائي لفظ المنازعات والخصومات بأنواعها، وكأننا ما زلنا في العصور الأولى إذ أن الإنسان كان يأخذ حقه بنفسه وكأننا نعيش في دولة لا تتوفر على مؤسسات قضائية كفلها الدستور ونظمها القانون.
إن اللجوء إلى العنف لم يكُن قط حلا أو ألية لاسترجاع الحق المتنازع عليه، بل القانون ضمن لكل مواطن متضرر بواسطة إجراءات مسطرية الحصول على حقوقه المغتصبة، أو المعتدى عليها.
والرأي العام المحلي يتساءل عن الأسباب الحقيقية وراء تفشي جرائم القتل، والسرقة، والانتشال، إلى غير ذلك من الجرائم التي يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي. هل هي أسباب اقتصادية؟ أم اجتماعية؟ أم ثقافية؟ أم تفشي ظاهرة المخدرات بأصنافها، والحبوب المُهلوسة التي أضحت منتشرة بطريقة سهلة وفي جميع الأماكن؟
واستقراءً للإحصائيات التي توافينا بها سواء الضابطة القضائية لكل من المديرية العامة للأمن الوطني، أو الدرك الملكي، أو من خلال الأحكام الصادرة عن الغرف الجنحية أو الجنائية بكل من المحاكم الابتدائية والاستئناف أنها فعلا إحصائيات مخيفة وتبعث على القلق، بحيث يلاحظ المتتبع للجريمة أن هناك استفحال لظاهرة جريمة القتل بواسطة السلاح الأبيض، ومن مختلف الأعمار، وَكَأن القتل وإزهاق الأرواح أضحت عبارة عن قتل “بعوضة” او “حشرة” إذ لم تعد للأرواح أية حُرمة، وكان الآية التي تحُت على عدم قتل النفس غير موجودة “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق”، هذه الآية لم يعد لها مفعول في نفوس الناس، ولم يعد لها وقع في وجدانهم الأخلاقي
أسباب غير معقولة وتافهة من حيث موضوعها أصبحت مِدعاة لاستعمال العنف والقتل، وازهاق الأرواح، وهذا دليل على غياب ثقافة التعايش السلمي بين الناس وبين المواطنين، الأمر الذي ترتب عنه تفشي ظاهرة الجريمة، هذا فضلا عن كون المؤسسات السجنية لم تستطع أن تقوم بدورها التهذيبي، والتأهيلي للمجرمين، حيث أصبح ولوج السجن بمثابة نزهة وليس كمؤسسة عقابية وتأهيلية.
ختاما، يمكننا القول إن المشكل له أبعاد تربوية، لأن غياب التربية يكون سببا في تفشي هذه الظاهرة الخطرة، لأن التربية هي التي تحصن الانسان من الانزلاق في جرائم القتل، وغيرها من الجرائم، كما أن الأمر يستدعي إعادة النظر في القوانين الزجرية والعقابية، فضلا عن إعادة النظر في المؤسسات السجنية وفي القواعد التأهيلية التي تعتبر فاشلة في تأهيل الجانحين.