الحروف في القرآن الكريم
الأربعاء 07 دجتبر 2016 – 12:40:10
القرآن الكريم احتوى على آيات عديدة تتعلق بالحروق على وجه من وجوه الدلالة. فبعض الآيات يمكن أن يكون لها تعلّق بدرجات الحروق، وبعضها يمكن أن يكون له تعلّق بأسباب الحروق، كما يمكن أن يكون للبعض الآخر تعلّق بأمثل الطرق للإسعافات الأولية لهذه الحروق. في أغلب الأحيان يعتمد عمق الحروق على درجة حرارة المؤثر ووقت التعرض له.
ولا يخفى على أحد شكل الحرق الذي ينتج عن النار أو الأشياء أو السوائل الساخنة، فهو إما مجرد إحمرار للجلد في الدرجة الأولى من الحرق أو فقاقيع مائية تنفجر وينسلخ سطح الجلد ويصبح مبللاً بالسوائل التي تفقد من الجلد باستمرار وهذه صفة حروق الدرجة الثانية، أو يجف الجلد ليصبح مثل المشمع ويفقد الإحساس واللون الطبيعي ليصبح أبيض بدون دموية أو حيوية وربما أسود اللون، وهذا يحدث في حروق الدرجة الثالثة وهي الأكثر عمقاً. لقد جاءت هذه المعلومة في قوله تعالى (كَلاَّ إنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى) (المعارج: 15، 16).
أسباب الحروق وعندما نحاول سرد أسباب الحروق التي كتبت في كتب الطب نجد أنها إما عوامل طبيعية أو كيميائية ولا شيء غير ذلك. أما العوامل الطبيعية فهي إلى وقتنا هذا وتشمل أيضاً الإشعاعات بأنواعها. والصواعق الكهربائية التي تؤدي إلى حروق تسمّى حروقاً كهربائية.
ثم تنتج حروق عن درجات الحرارة القصوى من كلا الاتجاهين المنخفضة جداً ثم المرتفعة جداً، وتنقسم الأخيرة إلى ثلاثة أنواع: حروق نارية وهي تمثل معظم أسباب الحروق التي نقابلها ثم الحروق السلقية أو التي تحدث من سوائل ساخنة أو مغلية وترتفع نسبة حدوثها في الأطفال ثم الحروق باللمس مثل المكواة. السبب الأخير ألا وهو الحروق التي تنتج عن مواد كيميائية حارقة مثل القلويات الكاوية والأحماض الحارقة وبعض العناصر مثل الفسفور وخلافه.
وعندما نقرأ كتاب الله الكريم بعين العالم وعقل المفكر وقلب المؤمن نجد أن كل هذه الأسباب قد ذكرت في القرآن. ولنبدأ كما ذكرنا بالترتيب فالحروق الكهربائية نسبة حدوثها 2 ـ 3% قد ذكرت في سورة الرعد بكلمة الصواعق (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ). (الرعد: 13) إن أصعب الحروق هي الحروق الكهربائية. وقد جاء هذا المعنى أيضاً في القرآن الكريم في سورة الطور. (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ وَإنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُون) (الطور: 45 ـ 47). أي مما لا شك فيه أن الله سبحانه وتعالى يعذب العاصين من عباده بدرجات متفاوتة كل حسب جرمه. أما درجات الحرارة المنخفضة جداً فقد ذكرت في القرآن حيث كلمة صر هي البرد الشديد. (مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِى هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (آل عمران: 117) (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إبْرَاهِيمَ) (الأنبياء: 69) فلو كانت برداً فقط لأضرت به. ومما هو مؤكد أن درجات الحرارة المنخفضة جداً تؤدي إلى حرق الأنسجة التي تتعرض لها، ولكن يختلف هنا شكل الحرق عن الحروق النارية بدرجاتها فهذه الإصابة تترك الجزء المصاب بنفس الشكل الطبيعي ولكنه يفقد الحيوية والوظيفة والقدرة على الحركة والتكاثر إلى أن يضمحل تدريجياً.
وقد جاء هذا واضحاً في قوله تعالى في سورة الحاقة: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى القَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَة) (الحاقة: 6، 7). الحروق النارية: ثم تأتي درجات الحرارة المرتفعة بأنواعها وهي تمثل حوالى 95% من أسباب الحروق وأولها وأكثرها شيوعاً الحروق النارية. ولا يمكن سرد كل الآيات التي ذكر فيها هذا النوع من الحروق لكثرتها ولكن سوف نسرد فقط بعض الآيات التي يتضح منها عمق القرآن ودقته. (فَإن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين) (البقرة: 24).
ثم جاء نفس المعنى في سورة التحريم: (يَآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوآ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلآئِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6). درجة انصهار الحجارة تزيد عن الألف درجة مئوية ووجود الناس مع الحجارة في أتون واحد يشير إلى شدة العذاب.
في أكثر من مَقام يشير الله سبحانه وتعالى إلى أشّد العذاب وهو عذاب الحريق، وأن النار أعدت للكافرين وهذا يؤكد مقولتنا السابقة أن أشد الجروح هي الحروق. وقد جاء ذلك في سورة آل عمران. (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ) (آل عمران: 181). ثم سورة الأنفال(وَلَوْ تَرَى إذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا المَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وَجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ) (الأنفال: 50).