الحرية والديمقراطية والعدالة في العالم… وأزمة الشباب المغربي..؟!
جريدة الشمال – عبد القادر أحمد بن قدور ( الحرية )
الإثنين 05 فبراير 2018 – 14:05:47
والسؤال الذي يلح علينا الآن، إذا لم تتحقق الحرية للفرد، ماذا سيحدث له، إذا كان الحجر على عقله هو المسيطر على حياته؟ فيجيب عن هذا المفكر خالد محمد خالد فيقول: ((بأن الحياة ستتحول عنده إلى عبث بسببه يكف أن يكون لحياة الإنسان أي معنى على الإطلاق)).
وهذه الفكرة تعبر كثيرا عن ارتباط الوجود للإنسان بالحرية وهي أرقى وأنصع صيغة للتعبير عنها، لأن الحرية تتساوى مع الوجود الإنساني، كما أشار كذلك أحمد لطفى السيد ((وإذا لم يوجد نورها لدى الإنسان كف على أن يكون إنسانا بحق)).
ويقول كذلك ((إن الحرية قاعدة الفضيلة ومناط التكاليف. فأي إنسان خمدت في صدره نار الحرية، وأظلمت جوانب عقله من شعاعها الساطع جدير بأن لا يعتبر إنسانا، وأن تسقط عنه تكاليف الحياة)) (2)
إذ كيف لا تكون الحرية كذلك، وهي الأساس للرقي الإنساني كما أكد المفكر رشيد رضا ((فاستعداد البشر للارتقاء ليس له حد يعرف ولا غاية تحدد.
فإذا عاشوا ملايين السنين يمكن أن يكونوا في ارتقاء مستمر لا ينقطع إذا كانت حريتهم في العلم والعمل مصونة من عبث المستبدين. إن الأمم ترتقي على قدر صيانتها واحترامها للحرية، وتتخلف عن الارتقاء بل ترجع إلى الوراء على قدر عبثها بالحرية وتحكمها في الباحثين والعاملين)) (3).
لأن القراءة للحرية عند كل فرد على العموم والمواطن العربي على الخصوص، توضح عن وجود فهم فلسفي كبير لحقيقة وجود الإنسان في العالم، فالحرية تساوي الوجود لكل شخص، لأن للإنسان ملكات وقدرات يشكل صقلها أساس الارتقاء للمجتمعات، ومن دون الحرية لا يمكن أن يتحقق ذلك، وقد وعى مفكرونا هذه المسألة، لذلك طالبوا بالحرية للفرد بوصفها هي الشرط الأساسي ليحقق إنسانيته.
لهذا فالإسلام منذ أكثر من 14 قرنا أبطل كل التقاليد التي كانت في عصره والعصور السالفة، والتي تقتضي بأن الملك فوق الرعية لا ترتفع إلى مقامه الأعلى لتسأله عما فعل، وعمل على أن المسؤولية مشتركة بين الجميع، لا تختص بأحد دون الآخر حتى ولو كان إمام المسلمين، وهذا ما جاء به النبي الكريم سيدنا محمد (صلعم) ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها)).
ولهذا كان مبدأ العرب المسلمون يراجعون الخلفاء الراشدين، ويردون عليهم أقوالهم وآراءهم، فيرجعون إلى صواب الأمور إذا ظهر لهم أنهم كانوا مخطئين، بل إن الخليفة عمر بن الخطاب الذي اشتهر بالعدل وكان نموذجا حيا له في العالم خطأته امرأة في مسألة فقال على المنبر: ((امرأة أصابت وأخطأ عمر)) كما أنه كان يقول للناس: ((من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه)) فيقول له أحد الناس: (( والله يا عمر لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بحد سيوفنا)) وذلك لأن السلطة السياسية وضعت في أيدي الناس، وأصبحوا أصحاب القرار في تدبير أمورهم تيمنا لما قاله النبي الكريم (صلعم) (( ما كان من أمر دينكم فإلي وما كان من امر دنياكم فأنتم أعلم به))، كما حددت الصيغة للمشاركة السياسية التي تجعل الناس يصنعون القرار السياسي في الآيتين التاليتين من القرآن الكريم بقوله تعالى: ((وأمرهم شورى بينهم)) (الشورى: 38 ) ((وشاورهم في الأمر)) (آل عمرن: 159).
لذلك فنحن شعوب العالم أجمع والعالم الإسلامي والعربي بالخصوص علينا أن ندرك الوضع الذي جاء به ديننا الإسلامي الحنيف للإنسانية كافة، وهو لا يريد سوى ما عبر عنه فيما بعد التصور الذي انطلق منه حقوق الإنسان، وفي مقدمته أن يحكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه كما نقول بالتعريف الحديث للديمقراطية، وهو حكم الشعب بالشعب للشعب، أي أن تنهض الحكومة من صفوف الشعب، وتجيئ ثمرة اختيار حر يمارسه الشعب، وأن يكون سلوكها من الجد والاستقامة بحيث تصير مغانم الحكم جميعها إلى الشعب التواق إلى الحرية والديمقراطية والعدل والكرامة والمساواة للوصول إلى الإيخاء التام، والتضامن والتعاون الذي هو أساس التقدم، وبناء صرح الأمم والشعوب، بل كل دعوة دينية أو سياسية لا تمكن الشعب من هذه الحقوق فليست من الدين الصحيح في شيء، وقد ثبت وأكد هذا الموقف الصحفي والإعلامي العربي الكبير محمد حسنين هيكل الذي كان يكتب خطب الزعيم ورئيس الجمهورية العربية المتحدة لمصر الشقيقة الرئيس المصري الراحل والمرحوم برحمة الله الواسعة جمال عبد الناصر كما يقولون والذي دعا إلى القومية العربية واتحاد العرب بقوله (( كل نظام لا يقوم على أساس من حرية الفرد وتضامن الجماعة وحق الشعب في حكم نفسه عن طريق المناقشة الحرة والانتهاء إلى رأي الأغلبية…كل نظام لا يقوم على أساس من هذه المبادئ التي تدعوا الديمقراطية لها لا يتفق والقواعد الأساسية التي قررها الإسلام ودعا إليها)) (4)
إنًّ سُنَن الله في هذا الكون ماضية، فالله سبحانه وتعالى توعد الظالمين فقال جل جلاله في القرآن العظيم (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون)، وإن مآل الظالمين لن يخرج عن مآل الأمم السابقة (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) (صدق الله العظيم)كذلك لا بد من العمل المتواصل لتحقيق أسباب النصر كما جاء في كتابه الحكيم ((واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)) فالمرحلة تحتاج إلى إدارات المشترك والتعدد والاختلاف.
لهذا فالإسلام أكثر من غيره أتى للإنسانية جمعاء بكل شرائحها وفصائلها وكل ألوانها بالعدل والحق والديمقراطية والحقوق الحقة إذا عملنا بحذافيرها كلها.
والغرب وأمريكا لم يكن موقفهما أكثر نضجا ووضوحا من قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان الفعلية والحقة في العالم العربي والإسلامي كافة، كما هو واضح الآن، فالغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية كما يتجلى أكثر مؤخرا ومعها الصهيونية العالمية بتاريخها الصادم والغاصب والدموي الرهيب لن ينتصروا لحقوق الإنسان والديمقراطية في منطقتنا، كما جاء بها الإسلام في كتاب الله الحكيم وتطبيقه من لدن بعض الخلفاء والملوك، وإن هيئات النظام العالمي ومنظماته ومحاكمه الجنائية، بحكم الواقع المؤلم والشواهد والبراهين عندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين تصبح حقوق الإنسان والديمقراطية مجرد دعاوي وأدوات ضغط وشعارات، إلا فيما ندر وصار.
لذلك جاء في تصدير الدستور المغربي الذي نتج عن استفتاء فاتح يوليوز 2011 ما يلي:
(إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة التعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة. والذي نتمنى خلاله الآن وخلال السنوات القريبة المقبلة أن يتحقق كل ما يصبوا إليه جلالة الملك المفدى محمد السادس حفظه الله ورعاه وحقق مبتغاه وخلد في الصالحات ذكره ليتمكن بلدنا الحبيب المغرب الحديث أن يتحقق ذلك بأمره ـ بعد الله ـ ويسود لأنه هو القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة المكية، ونتمكن بحول الله ومشيئته بإيجاد كل ما ذكره في خطابه المولوي والسامي بتاريخ 17 يونيو 2011 حيث قال جلالته:…(إن أي دستور مهما بلغ من الكمال فإنه ليس غاية في حد ذاته، وإنما هو وسيلة لقيام مؤسسات ديمقراطية، تتطلب إصلاحات وتأهيلا سياسيا ينهض بهما كل الفاعلين لتحقيق طموحنا الجماعي، ألا وهو النهوض بالتنمية وتوفير أسباب العيش الكريم للمواطنين…) والرخاء الذي نتمناه لنا كلنا وللدول العربية والإسلامية كلها قريبا لتخطو خطوات كبرى نحو السلام والعتق من الظلم والإستبداد ولتحصل على السكينة والإستقرار خاصة ولدول العالم والإنسانية بكافة المعمور الذي ندعو الله عز وجل أن يسلم من الآفات والمنغصات ويستتب فيه الأمن والأمان والاستقرار والعدالة الحقيقية في كل المجالات…ولتحقيق ذلك لكل إنسان كيفما كان في العالم أجمع على كل الدول أن تعمل على تطبيق وتنفيذ ميثاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كله والذي صدر في 10 ديسمبر 1948 الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 30 مادة والمواثيق الدولية الأخرى وخاصة المادة الأخيرة من الميثاق المذكور التي تذكر ما يلي: (ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه).
وفي الختام لا بد أن أشير إلى أزمة الشباب المغربي إذ كما أشار الباحث المغربي إسماعيل الحمراوي في قضايا الشباب وتتبع السياسات العمومية (من الناحية الدستورية ) (هل ليس من حقنا اليوم أن نتساءل عن مكانة المقتضيات الدستورية في تفعيل أية سياسة عمومية للشباب؟ أين هي تلك الدراسات التي أنجزت حول الشباب ومعيشته ومتطلباته؟ أين هي كل المبادرات التي حاولت أن توهم الشباب أنه يوجد في قلب اهتماماته؟ لنتساءل عن دور الأحزاب والجمعيات الشبابية والحكومة، عما قدمته للشباب لجعله قوة في عجلة التنمية الوطنية. تلك أسئلة لا يمكننا الهروب منها ولا يمكننا السكوت عنها، لأنها في النهاية ستبقى ملازمة لنا كفاعلين وكمسؤولين) وكما أشار كذلك في بداية هذا المقال الباحث المذكور: (إنها أزمة حقيقية، لا تعبر عن مدى طموح الجالس على العرش وتوجهاته، ويكفي فقط أن نتمعن في خطابين أساسيين حتى ندرك هذه المسلمة:
الأول في 20 غشت 2012 والثاني في 13 أكتوبر 2017 فعاهل البلاد أكد بصريح العبارة أن وضعية شبابنا لا ترضينا ولا ترضيهم ويضيف جلالة الملك أن العديد منهم يعانون من الإقصاء والبطالة ومن عدم استكمال دراستهم وأحيانا حتى الولوج للخدمات الاجتماعية الأساسية.
فهل يا ترى لا يمكننا القول اليوم إن الشباب المغربي يعيش في جبة قطاع منهك، بدون سياسة دامجة لقضاياه واهتماماته) (5) ..إلخ….