الحرية والعبودية
جريدة الشمال – محمد الشعري ( العبودية )
الجمعة 05 ينــاير 2018 – 15:09:30
لكننا كثيرا ما نأخذ هذا الفكر معزولا عن بيئته تلك الفكرية الإلحادية، فنعده فكرا إنسانيا صالحا لكل زمان ومكان، بل كثيرا ما ندعي لذلك أن ديننا يقول به أو أنه على الأقل لا يعارضه، وويل لمن يقول غير ذلك من أمثالي. أضرب في هذا المقال مثلا بمفهوم واحد هو مفهوم الحرية الذي يكاد أن يكون أمرا مسلما به عند جميع الناس في عصرنا، فأقول :
إن الحر هو الذي لا قيود على تصرفه هو الذي يفعل كل ما يريد، لكن الفعل يحتاج إلى علم وإلى إرادة وقدرة. فالحر يجب أن يكون ذا علم كامل وقدرة كاملة وإرادة نافذة، ولا يمكن أن يكون علم كامل وقدرة كامل وإرادة نافذة إلا إذا كان مستغنيا عن غير استغناء كاملا لا يحتاج إلى أن يتعلم منه شيئا، ولا أن يكتسب منه مقدرة، لأن الحاجة إلى علم الغير أو مقدرته قد يتنافى مع كمال الحرية، فما يقوله المدافعون عن الديمقراطية من أن الإنسان لا يكون حرا إذا هو أطاع قانونا ليس من صنعه كلام صحيح. لكنهم معترفون بأن الإنسان لا بد له من أن يعيش في جماعة، وأن العيش في الجماعة يتطلب وجود سلطة تأمر وتنهي وتعاقب. إن القوانين التي بمقتضاها تفعل هذا لا يمكن أن تكون كلها من صنع كل الأفراد الذين يكونون المجتمع.
*ما المخرج إذن من هذه العبودية ؟
لا أمل للإنسان في حرية مثل تلك التي تريدها الفلسفات الغربية، وذلك أن كل الناس بما فيهم منكرو وجود الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ مقرون بأن الإنسان ليس هو الذي أوجد نفسه، ولا هو الذي يبقيها، وأن علمه مكتسب، وهو علم ناقص، وأنه يعتمد في استمرار حياته على ظروف لا قبل له بالسيطرة عليها.
إن الضياء يأتيه من الشمس، والماء من المطر، والزرع من الأرض، وهكذا. فأنى يكون حرا؟ وأنى يكون مستقلا بقراره؟
والإيمان بوجود الخالق مقرون بأن الله هو وحده الفعال لما يريد. أما الإنسان فهو مخلوق، وبما أنه مخلوق فهو مملوك لخالقه، والمملوك عبد، فالصفة التي تدل على حقيقة الإنسان هي كونه عبدا لا حرا، لكنه عبد لخالقه لا لخلوقات مثله. وعبوديته لخالقه تتمثل في كونه ـ شاء أم أبى ـ محكوما في كل تصرفاته بمشيئة خالقه. إن للإنسان مشيئة وله قدرة، لكن خالقه هو الذي شاء أن يجعله شائيا، وهو الذي شاء أن يجعل له قدرة. فمشيئته ليست مطلقة، بل هي مقيدة بمشيئة خالقه، فإذا كان الخالق فعالا لما يريد، فإن الإنسان يريد ما لا يكون ويكون ما يريد.
لكن الخالق الذي جعل لخلقه قوانين كونية قهرية لا اختيار لهم في طاعتها، قد جعل للبشر قوانين شرعية لا تتم سعادتهم الدنيوية والأخروية إلا بها لكنه جعلها قوانين اختيارية من شاء أن يطيعها فعل، ومن لم يشأ لم يفعل.
ولهذا كانت الدعوة إلى أن تكون للإنسان حرية التشريع مرتبطة دائما بالدعوة إلى التمرد على شرع الله. .