صدر في الأسبوع الماضي كتاب (الحكاية الشعبية الأمازيغية بالريف عشر حكايات من قبيلة إبقوين) للدكتور عبد الصمد مجوقي المتخصص في الدراسات الثقافية والتراث الشعبي، والذي صدر له مجموعة من الأعمال منها: كتاب “المقاومة الريفية من خلال الشعر الأمازيغي الريفي ـــ دهار أوبران نموذجا ــ” و دراسة في “المسرح الأمازيغي بالحسيمة وإشكالية التوثيق” وغيرها من الإسهامات العلمية.
وبالعودة إلى الإصدار الأخير الذي صدر عن مطبعة الحمامة بتطوان، فمن ناحية الشكل، فالكتاب يقع في 217 صفحة، وحجم الورق من القطع المتوسط، وواجهة الكتاب تؤثثها صورة معبرة عن مضمون الكتاب وفحواه، بحيث تظهر جليا صورة الجدة في وقارها ولباسها التقليدي الأنيق والأطفال متحلقين حولها في فناء المنزل الريفي العتيق والمفرد بهندسته الخاصة، وهو الأمر الذي يتناسق مع متن الكتاب الذي يحاول كشف الغبار عن الحي الشعبي بالريف.
هذا وقد قسم الباحث كتابه إلى تقديم ومقدمة وقسمين، القسم الأول نظري خصصه لتوضيح بعض المفاهيم وتعريفها، كتعريف الحكاية الشعبية التي اختلف في حدها، « فالحكاية الشعبية نوعا سرديا شفاهيا أنتجته الذاكرة الجمعية البشرية في سلسلة متصلة من التداول، وذلك في سعيها الدؤوب لفهم علاقة الإنسان بمنظومة الكون من حوله، وبالأنظمة الثقافية الحاكمة لمجتمعه»[1] ومن أنواع الحكاية الشعبية سجل الكاتب ثلاثة:
الحكاية الخرافية والحكاية العجيبة والحكاية المرحة ولكل صنف حكواتي سمات وخصائص يتميز بها، بالرغم من التداخل الحاصل، «فكل منها تمتاز بمكوناتها البنيوية، ومقصديتها الوظيفية، ودلالتها الاجتماعية»[2].
كما بين الكاتب بعض خصائص السرد في الحكاية الشعبية، بحيث نجد أن السارد مفردا وغالبا ما يكوت امرأة «تجمع الراويات اللواتي اتصلنا بهن على أن رواية الحكايات في المجتمع الأمازيغي الريفي من اختصاص المرأة »[3] بالإضافة إلى شرط البلوغ لحفظ هيبة المقام، إلى جانب البلاغة في الحكي وحسن تدبير الكلام وتقديره.
هذا بالنسبة للسارد، أما بينة السرد في الحكي الشعبي الأمازيغي «يمكن القول بأن بنية السرد في معظم الحكايات الأمازيغية تأتي عامة ومطلقة»[4] مثل توظيف (عبارة كان في زمان ما أحد …) ويلاحظ في البناء العام للحكي الشعبي نوع من التعاقب، يستهل بالبداية والتي يعرف فيها بالشخصيات المحورية التي ستحضنر في المتن الحكائي، ثم مرحلة الصراع والتحولات وهي عرض الحكاية وأخيرا النهاية والتي يغلب عليها التفاؤل والأمل وقفل الحكاية ونهايتها.
وانتقل الكاتب بعد ذلك للحديث وظيفتين تضطلع بهما الحكاية الشعبية، وهما:
الوظيفة التربوية: بحيث تعد الحكاية الشعبية «إحدى الوسائل المثلى للتنشئة، هدفها إدراك الناشئة لمقومات الحياة وللقيم الجمالية، التي يحفل بها هذا لأدب، والذي يمكن من خلاله تشكيل اتجاه فكري وتذوق جمالي خالص، مؤثر في أنماط سلوك الناشئة»[5].
الوظيفة السيكولوجيا: وقد تم توظيف الحكاية الشعبية في مواكبة الأطفال ومساعدتهم على تجاوز المشاكل النفسية وكذا التعثرات التي قد يجدها الطفل في اندماجه المجتمعي والمدرسي «ففي بعض الحكايات التي يؤدي فيها الطفل دور الفارس الشجاع، الذي يستطيع بسيفه قتل الغول للإفراج عن أخته الأسيرة، فهو يحاول في الحقيقة التخلص، رمزيا من مشاعر الإحباط والخوف والكبت، وعدم إشباع رغباته، التي اعتاد أن يخفيها في حياته العادية »[6]. وإلى هنا يتنهي القسم الأول النظري الذي خصصه الكاتب لبيان وتعريف بعض المفاهيم المتعلقة بموضوع الحكاية الشعبية بصفة عامة وببعض الخصائص التي تميزت بها الحكاية الشعبية بالريف على وجه الخصوص.
لينتقل بعدها إلى القسم الثاني الذي سرد فيه الحكايات العشر المستعارة من قبيلة )إبقوين( إحدى القبائل الكبرى بالريف، وقد دون هذه الحكايات بالأمازيغية =الريفية وبحرف عربي، ثم بعدها نقلها إلى اللغة العربية، «ثم سنعمل على نقله إلى اللغة العربية، حتى تعم الفائدة، على أن يكون النقل محافظا على المعنى الأصلي للحكاية وليس المعنى الحرفي للكلمة، عكس النص الأمازيغي الذي سنلتزم فيه النقل الحرفي كما روته صاحبة الحكاية»[7]، ومن بين الجكايات التي نقلها الكاتب نجد:
ثَنْفوسثْ = الحكاية: [ثَنِّي ؤُومي ؤورْ غْارسْ ثَدجِّي يَمّاس = العجية] وهي الحكاية التي تحدثنا عن الفتاة التي فقدت أمها، وتعيش مع زوجة أبيها وأختها غير الشقيقة، وتحاول الحكاية محاكاة ثنائية الخير والشر والنية الخالصة وضدها، وغالبا ما ينتهي هذا الصراع الثنائي بفلاح الخير وحسن النية، وترشد الحكاية إلى أن الخلاص من حظوظ النفس لا يكون إلا بالرياضة الروحية والانتصار للفطرة السليمة والارتقاء في الإنسانية بترويض النفس.
وكذلك حكاية: [حمو لَحْريْمِي= حمو المحتال] هذه الشخصية الغريبة التي تجمع بين المكر والذكاء، وهو ذاك الشاب اللطيم الذي لا أب له ولا أم ويعيش مع عمه، هذا الأخير الذي يسعى دائما لإجهاده وتخقيره، لكن شخصية حمو المحتال تقلب الموازين دائما لصالحها، وتجعل من كل إرادة شر خير له وشرا على صاحبه، والحكاية تحاول كذلك معالجة ما يتراكم في النفس من الصفات الذميمة كالحسد والجشع وغيرها.
هذه وغيرها من الحكايات التي نقلها الكاتب في كتابه، وهي حكايات لاتخرج عن الواقع، وإنما تحاول فهمه ومعالجته، بطرقها الخاصة المناسبة. عموما هذا ما أمكن الوقوف عنده في سياق تقريب هذا الإصدار الجديد القيم، والذي تعززت به مكتبة الريف فيما يتعلق بالشق الأدبي منها، وأختم هذه الورقة بقولة استهل بها الكتاب : «في أفريقيا كلما مات عجوز احترقت مكتبة غير مكتشفة«[8] بهذه المقولة الكثيفة استهل الأستاذ عبد الصمد مجوقي كتابه الجديد، وهي مقولة وصرخة للأديب المالي (أمادوبا Amadou Hampâté Bâ المتوفى١٩٩١م)
وقولته هذه تبين عمق إدركه بمدى فداحة فقدان التراث الشفهي الأفريقي وأي خسارة لأحد المكونات التاريخية للذاكرة البشرية، وما هذا الإصدار إلا امتدادا لهذه الصرخة وإسهاما قيما لنجدة التراث الشفهي بالريف، وما لا يدرك كله لا يترك جله.
ـ مجوقي عبد الصمد، الحكاية الشعبية الأمازيغية بالريف عشر حكايات من قبيلة إبقوين، مطبعة الحمامة، تطوان، ص 21. [1]
بلال بوزيان
moradahrouch634@gmail.com
طلب نسخة من كتابك
طلب نسخة من كتابك من الحكاية الشعبية بالريف..