الذكرى الخامسة لحركة “20 فبراير” شعارات قديمة وملامح غضب عارم مطالب بإسقاط الفساد والاستبداد ورفع الظلم والتهميش وتوفير الكرامة والعدل هل هي بداية النهاية ؟
جريدة الشمال – عزيز كنوني ( الذّكرى الخامسة لحركة “20 فبراير” )
الجمعة 26 فبراير 2016 – 11:07:44
• الذكرى الخامسة لحركة “20 فبراير”
•شعارات قديمة و مطالب مستهلكة
•مطالب بإسقاط الفساد والاستبداد ورفع الظلم والتهميش وتوفير الكرامة والعدل..
* هل هي بداية النهاية ؟
ولو أنّ أوضاع المغرب كانت مُختلفة بشكل كبير، إلاّ أن مجموعات من الشباب ، لا يجمعهم مبدأ ولا منهج، ولا مذهب، انطلقـــــوا، خاصة من المناطق المُهمّشة، رافعين شِعــــارات تطالب، في مجملها، بـــإسقاطِ الفساد والمفسدين، وبرَفْـع الظُّلم والتَّهميش ، واحتـــرام حقوق الانسان، مَطــالب سرعان ما تَجــاوَبـت معها فئــات من الشعب في مختلف الجهات، بنوع من الحَماس والاندفاع.
وبالرَّغم من أن “حركة 20 فبراير” لم تكن منتظمة داخل ايديولوجية واضحة ولا “مُصنّفة” داخل خارطة الاتّجاهات السياسية المــوجـــودة على الساحة، إلا أنها استطاعت أن تستفيد من الأوضاع المضطربة في دول الجـــوار العربي وما شهدته من ثورات ضد الظلم والتسلط والاستعباد، لتدفع بالمغرب نحو القيام بإصلاحات سياسية هامّة، رَكب عليها حزب العدالة والتنمية، ليُحَقّق حلمه في الوصول إلى الحكم، عبر انتخابــــات سابقة لأوانها، جاء بها دستور 2011 الذي كان إحدى ثمرات خطاب 9 مارس.
زعيم هذا الحزب عبد الإله بنكيران، الذي أعلنَ عن رفضهِ الانخراط في “حركة 20 فبراير” ولو من موقع المعارضة، لم يرفض “السّطو” على أهم شعـــارات الحركة، وهــــو “الشعب يريد إسقاط الفساد والقضاء على الاستبداد” ليجعل من مُحــاربة الفساد حجر الزاوية في مشروع برنامجه الانتخابي والحكومي. ولكنّه سرعان ما رفع يديه واستسلمَ، ورفع شعار “عفا الله عما سلف” !
وهكذا يكون بنكيران قد قَطف ثمـــار “20 فبراير” ليحصل على 107 من المقاعد البرلمانية، وليمارس السلطة بنَسَقٍ جديد لا يرْقَــى لتطلُعــات الشعب ، بل إنه كثيرا ما فَتحَ جبَهَـــات للجدل والمواجهة، نكون في غِنَى عنها. وبينما يحلو لرئيس الحكومة وعدد من رِفـــاقه أن يثيروا منجزات “عهدهم” من قبل منح الطلبة والأسر والراميد والمقاصة وأخيرا مشروع حرية الصحافة والنشر الذي فتح زنــــازين خلفية بعد ما ألغى العقوبات السالبة للحرية، بالنسبة للصحافيين، في مشروعه الجديد، شهد العالم مدى تدهور حقوق الانسان والحريات العامة ومدى الاستعمال المفرط للعنف ضد المحتجين المطالبين بحقوقهم، بعد ما تسد في وجوههم كل الأبواب وتنقطع أمامهم سُبُل الفَرج وكيف أن دماء زكية سالت على الرصيف و ببــــاب البرلمان، وهو دار الشعب، ياحسرة، لم تراع في ذلك كرامة رجل ولا حرمة أنثى، بل إن العصا كانت “تخبطُ خبط عَشواء” في كل من تُصب، ومن لم تصب يكون نصيبه الاعتقال والسجن !
وحين نلاحظ أن ما تبقى من أنصار “حركة 20 فبراير” رفعوا في الذكرى الخامكسة للحركة، نفس الشعارات اللتي رفعوها سنة انطـــلاقتهم الأولى عام 2011، ندرك درجة الإحبـــاط الذي يتملك على الناس مشاعرهم وأحاسيسهم، ذلك أن مطالب هذه الحركة لم تكن كلّها “غوغائية” عند الانطلاقة، بل إن فيها ما كان يستجيب فعلًا لرغبة فئات عريضة من الشعب، التي تعيش حياة الوهن والهشاشة والضيق والبطالة والفقر والحكرة ….. بينما تنعم فئات من “الشعب المحظوظ” بسعة وبسطة ورغد في العيش !
إلا أن “حركة 20 فبراير” لم تستطع أن تتحول إلى حركة اجتماعية أو سياسية، ــ كما حصل مع حركة “بوديموس” الإسبانية، التي تتحد معها في أسباب الانطلاقة و غـايـــات المشروع، لأنها لا تجتمع على مبادئ واضحة ولا منهجية سياسية قارّة بل إنها ظلت تُمارس سياسة “رد الفعل” دون أن تطرح بدائل وتراهن على شعار الفساد والاستبداد وشعارات أخرى من هذا القبيل، حتى أفرغــت من “شحنة” الطاقة القوية التي كانت تسكنها وتراجع أداؤهــا بشكل واضح. ومع ذلك، و بـالرّغـــم من مظاهر العنف والقمع التي ووجهت بها، فإنها ظلّت تعبّر عن وُجودها من خلال مسيرات وندوات تنظمها وبيانات توزعها على وسائل الإعلام ومن خلال نوع من الدعم المحتشم الذي كانت تحظى به من بعض الحركات السياسية اليسارية وبعض الجمعيات الحقوقية.
ويلاحظ المتتبعون أن “حركة 20 فبراير”، وإن لم تنجح في تحقيق الهدف الأساسي من أهدافها التي قامت من أجلها، ألا وهو إسقاط الفساد والمفسدين”، فإنّها تركت لدى السياسيين الشعور بأن قوى من الشعب تستطيع أن تدفع إلى التغيير الإيجابي لمصلحة الوطن ومستقبله واستقراره.
وهذا ما أعطى للحركة نفسا جديدا أو أنه أبقى على بعض من نفسها عند الانطلاقة، وطيلة الخمس سنوات الماضية.
خروج الحركة في ذكراها الخامسة كا خروجا خافثا بشهادة الجميع. بضع عشرات من “المناضلين” هنا وهناك، ترفع نفس شعارات 2011 وتردد نفس المطالب التي فقدت الكثير من مضمونها ومدلولها ومحتواها بفعل التطورات التي حصلت بالمغرب بفضل القرارات الإيجابية التي اتخذت على طريق الإصلاح الشامل.
وبينما تندثر “حركة 20 فبراير” شيئا فشيئا، تحت تأثير ظُروف داخلية وخارجية، بدأ “شعب الفايسبوك” يزحف على المشهد السياسي، بل ويفرض “سلطته” على مختلف أجنحة الدولة، بتحكمه في الخبر والمعلومة التي لا ينتظر من أحد الترخيص له بولوجها ولقدرته على “تكييف” الرأي العـــام بصورة يصعب تحديد توجهاته أو التكهن بنتائجها.
إن الحضورَ البــاهـت والمحتشم والتعبئة الضعيفة قبــــل وبعد الإعلان عن “مسيرات” “20 فبراير، في ذكراها الخامسة، تظهر بوضوح أن الحركة تُشرف على نهايتها وأنّها أصيبت بحـالـة إرهــاقٍ لم تعد معه تستطيع استقطاب “المُنـــاضلين” ولا تعبئتهم. ذلك أنه ما سمي بـ “الرّبيع العربي” تحول إلى كارثة أغرقت عددا من شعوب الجــــوار العربي في بحور من الدم والفرضى والدمار والخراب والحروب الأهلية .
ثمّ إن الشعب المغربي يرفض، وبقوّة، أن تستنبت على أرضهِ قيم غريبة عنه وعن خصوصياته الفكرية والثقافية والرّوحية، لأن وضع المغرب يختلف كُلّيـــًا عن الأوضاع التي سادت ببعض شعوب “الربيع” ضد قمع الأنظمة الشمولية وضد التحكم الأمني وغياب حرية التعبير.
ذلك أن جلالة الملك تعامل مع مطالب الشعب بطريقة نبيلة بأن أعلن جلالته عن اصلاحات جوهرية في مضمونها ومداها بل إن عناية جلالة الملك سبقت مطالب الحركة وتعدتها إلى إصلاحات بنيوية هامة وواسعة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما مهد لكي يمر “فصل الربيع” بالمغرب زاهيا، زاهرًا، بديعًا، ككل فصول السنة في هذا البلد الذي يواجه المستقبل بمنتهى الحكمة والتبصر، بقيادة جلالة الملك. .