الراحل الهاشمي الطود “طود عظيم شامخ” في ذاكرة الأمة المغربية والمغاربية والعربية رجل المواقف والمواقع والمراحل جمع إلى خصال الصدق والشهامة والوفاء جرأة العمل الميداني من أجل تحرير ووحدة المغارب والمشارق
الجمعة 04 نوفمبر 2016 – 15:59:38
لم يعرف المغرب، عبر تاريخه المعاصر، رجلا من طينة هذا الرجل، صلابة وشهامة وعشقا لبلاده وللمغرب الكبير والعالم العربي ووفاء لقيم الجهاذ التي تشبع بها وتربى عليها داخل مدرسة وفكر أمير المجاهدين محمد بن عبد الكريم الخطابي.
إنه الراحل الهاشمي الطود ابن القصر الكبير، مدينة المجد والنصر على جيوش العجم المغيرين، والذي رحل عن هذا العالم، صبيحة الأحد 16 أكتوبر الماضي، وفي حلقه غصة بسبب ما آلت إليه أحوال العرب والمسلمين، شرقا وغربا، وهو الذي انخرط ، في كتيبة المتطوعين الأوائل للدفاع عن فلسطين وهو في السابعة عشرة من عمره، وحمل السلاح وأبلى البلاء الحسن رفقة شلة من المتطوعين ، تلبية لنداء أسد الريف الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، حيث أصبح رفيق كفاحه ومن أصفيائه وأقرب الأقرباء إليه ، المتشبعين بفكره ونضاله التحرري، المناصرين لموقفه من مهزلة “إكس ليبان” التي انخدع بها الكثيرون من سياسيي المغرب، المهرولين إلى مائدة المفاوضات باسم الوطنية المغربية ليتضح في ما بعد أنها مفاوضات زائفة وأنه استقلال ناقص لا زلنا نعيش تبعاته إلى اليوم، وأن غاية بعض المفاوضين إنما كانت السطو على الحكم والانفراد به من أجل تحقيق مصالح ذاتية وتحصينها، ولو على حساب جرائم فظيعة، من اضطهاد واختطاف وتصفية للمعارضين الشرفاء، وكان من بينهم والد الهاشمي الطود، عبد السلام الطود وخاله عبد السلام أحمد الطود، رحم الله الجميع. أو ليس الراحل الهاشمي الطود أول من قاد تجربة “جيش تحرير المغرب العربي” بداية خمسينات القرن الماضي قبل أن تظهر “فيرية” جيش التحرير الذي تأسس عام الاستقلال ليفضي إلى تطاحن مرير بين المتنافسين على ادعاء قيادته وزعامته كان من أبرز ضحاياه القائد عباس المساعدي، رحمه الله.
الهاشمي الطود التحق بالأمير محمد عبد الكريم الخطابي في القاهرة، مشيا على ألأقدام، وهو في الخامسة عشر من عمره، طالبا مناضلا من أجل تحرير المغرب الكبير ، مؤمنا بفكر أمير الريف ، متطوعا في “جيش تحرير المغرب العربي” بقيادة الأمير الذي ما كان بنادي الهاشمي الطود إلا بلقب “القايد الهاشمي” تشريفا له وتعظيما لمقامه ومكانته كمجاهد من أجل فلسطين والمغرب الكبير ومن أجل تحقيق وحدة العالم العربي من المحيط إلى الخليج.
وكان من تقدير الأمير للهاشمب الطود أن شجعه على الالتحاق بالكلية العسكرية الملكية ببغداد ليجمع بين الاندفاع التحرري والخبرة العسكرية، ليتخرج سنة 1951، ويضع نفسه رهن إشارة أمير الجهاد حيث كلف بداية بالقيام بالعديد من المهام التنظيمية عبر أقطار شمال إفريقيا من أجل حشد واستقطاب المتطوعين في إطار مشروع “ثورة المغرب العربي” المسلحة وذلك عبر إنشاء جبهات قطرية لدعم مشروع الثورة . الراحل الهاشمي الطود كان له الفضل الكبير في تكوين أجيال الجهاد المغاربة والمغاربيين كما كان له فضل السبق في حمل السلاح تلبية لنداء أمير الجهاد محمد بن عبد الكريم الخطابي، من أجل تحرير فلسطين التي تكالب عليها عرب وعجم، ليسلموها على طبق من ذهب، للصهاينة وحلفائهم الذين حققوا، سنو 1948، حلم وعد بلفور في حصول اليهود على “كيان” فوق أرض فلسطين.
وبعد النجاح الذي حققه في تنفيذ جميع المهام التي وكلت إليه من طرف القيادات السياسية في كل من ليبيا وتونس والجزائر، أصيب الهاشمي الطود بفشل مرير في مهمة مماثلة في المغرب، سنة 1952، حيث لم يحظ مشروع الثورة المغاربية بالدعم الكامل من طرفي سياسيي المغرب، ما دفع الأمير الخطابي إلى تكليف الهاشمي الطود بعرض تقريره عن مهامه بأقطار شمال إفريقيا على أنظار لجنة تحرير المغرب العربي بحضور قيادات سياسية من الأقطار المغاربية الأربعة.ولكن علال الفاسي ثارت ثائرته وأعرب عن شكه في مصداقية التقرير وغادر الاجتماع غاضبا لييكرس القطيعة بين سياسيي المغرب ومشروع الثورة المغاربية المسلحة.
ومعلوم أنه في شهر دجنبر من سنة 1952 تأسس بالقاهرة “جيش تحرير المغرب العربي” خلال مؤتمر للضباط المغاربيين ، تولى الهاشمي الطود ، داخل الهيئة المؤسسة، مهام ضابط الاتصال والعلاقات الخارجية , وتشكلت بتعاون مع قيادة الثورة المصرية ، سنة 1953، وحدات لتدريب المتطوعين في جيش الثورة المغاربية، لتنظم إليها معسكرات جديدة للتدريب تم تكليف الهاشمي الطود بمهام التدريب، والاتصال، والمتطوعين، والسلاح. كما تم تكليف الهاشمي الطود، بعد اندلاع الثورة بالجزائر، سنة 1954، بمهمة تدريب جيش التحرير الجزائري وتزويد الثورة الجزائرية بالسلاح.
واعتبارا لدوره الريادي والقيادي في تكوين وتدريب المتطوعين في مشروع الثورة المغاربية، وبإيعاز من الأمير محمد عبد الكريم الخطابي، تم إدماج الضابط الهاشمي الطود في الجيش المصري كمسؤول عت التدريب ومن أجل دعم عمل معسكرات التدريب المغاربية. وفي شتنبر 1960، قرر “القائد” الهاشمي الطود العودة إلى المغرب والتحق بالقوات المسلحة الملكية برتية نقيب، وعين في ما بعد قاضيا للتحقيق بالمحكمة العسكرية قبل أن تلاحقه المتاعب في وطنه، وعلى يد مواطنيه حيث إنه اعتقل سنة 1965، من قبل سلطات بلاده العسكرية بتهم واهية، من قبل المشاركة في حرب فلسطين، والتعاون مع عناصر مناهضة للمغرب والحصول على الجنسية الاسبانية وتوزيع منشورات لإفساد عقول الضباط الشباب…..لتنتهي هذه “المهزلة” بعد معاناة طويلة وشاقة.
وكتب لـ “القائد” أن ينجو من محاولة اعتقال جديدة، بألطاف ربانية، بعد انقلاب الصخيرات الفاشل، بتهمة مغادرة موقعه أثناء المحاولة الانقلابية العسكرية، وكان يومها طريح الفراش بالثكنة العسكرية التي يعمل بها ! إلا أن التدخل الشجاع لقائد الموقع العسكري إفضى إلى إلغاء قرار الاعتقال. والتحق العقيد الهاشمي الطود في ما بعد، بالكلية العسكرية بمكناس أستاذا لمادتي التاريخ والتكوين المعنوي إلى ان حصل على تقاعده سنة 1955، وعاد إلى مسقط رأسه، مدينة القصر الكبير المجاهدة. لإم حياة هذا الرجل الفذ، أكبر من أن تختزل في يضعة سطور ، مهما تعمق باحث في دراسة سيرة هذا “الطود” الشامخ الذي يشكل نضاله وجهاده ومواقفه ومشاريعه الثورية الوحدوية سجلا ذا قيمة تاريخية عالية لابد وأن تغير العديد من “ثوابت” العمل السياسي المغربي والمغاربي والعربي خلال الستين سنة الماضية تسلط المزيد من الضوء على جوانب عدة من كفاح الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي, رحمهما الله.
وخلال حفل تأبين الراحل الهاشمي الطود ألقى الأستاذ الشاعر مصطفى الشريف الطريبق الكلمة التالية باسم جمعية البحث التاريخي والاجتماعي بالقصر الكبير الذي يتولى أمانتها العامة، كما ألقى بعض أبيات شعرية من وحي الفاجعة من نظمه: بقلب موجع خافق ، وتعبير صادق ولسان ناطق وانطباعات خالصة عن الفقيد المجاهد الوحيد الفريد ” القايد ” الهاشمي الطود الذي تودعه مدينة القصر الكبير مسقط رأسه أرى أننا جميعا نودع فيه رمز الفخر ، وكنه العطاء ، وعنوان شرارة الثورة عبرأرجاء المغرب العربي الكبير في الخمسينات من القرن العشرين ، ونودع فيه غصاميا فذا نهل النضال والبطولة والحماس والإخلاص وحب الوطن والانسلاخ فيه والتضحية من أجله وفي سبيله من جذوره الوطنية والدينية وتشربها من منبعها الوارف الظلال على يد أسد الجهاد وشيخ المجاهدين الامير محمد بن عبد الكريم الخطابي ،وبنفس مكلومة وإحساس جريح أقف وأنا أودع هذا البطل الهمام لأقول أن الكثيرين ممن تناولوا الكتابة عن الحركة التحريرية الفاعلة بخسوها حقها وهمشوها في كتاباتهم حينما لم يذكروا فضله الكبير في تكوين النشء وتوعيته وتعبئته لما ينتظره من أعباء،وقد كان على رأس من كانوا قدوة لهذا التوجيه البطل المقدام الذي نودعه اليوم ” القايد ” الهاشمي الطود إن لفقيدنا المرحوم جوانب وطنية وبطولية وتحريرية لا يتسع لها الوقت الآن ، وهي جوانب تتعلق بالنضال الوطني القومي الذي كان المرحوم من رواده ومن الرجال العاملين المؤثرين فيه، إن الوطنية نفسها تتألم حينما نتحدث عنها ولا يكون بينتا ” القايد” الهاشمي الطود ، إن ما قام به الهاشمي وما قدمه من من أعمال ، وما سجله من مواقف ، كل ذلك يعتبر نهرا متدفقا من الوطنية ، والأعمال البناءة التي ساهمت مساهمة فعالة في بناء وإعلاء وسلامة هذا الوطن العزيز، ويكفي المرحوم فخرا أنه واصل عمله الوطني وأدى واجبه في صف القوات المسلحة الملكية بروح وطنية ، وإيمان جازم بالوطنية الحقة ، وأداء للواجب ، وكان مثالا للجندية الملتزمة بالعمل من أجل وأداء الواجب بروح وطنية وضمير حي تحت شعار الله الوطن الملك ، وهذا جانب من الجوانب الوطنية العديدة التي لا يسمح بذكرها كلها في هذا الموقف المؤثر الذي نعيشه بخشوع وتدبر وتأمل ونحن نودع هذا البطل المقدام وهذا الوطني الفذ السيد : الهاشمي الطود رحمه الله ،وعزاؤنا لأفراد الاسرة الكريمة رجالا ونساء. وصدق الله العظيم إذ يقول في كتابه العزيز: ” يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ” صدق الله العظيم
وهذه بعض الأبيات الشعرية التي جادت بها خواطري نحو المرحوم أخينا وعزيزنا الهاشمي الطود:
يا هاشمي اسما وطودا في اللقـــــــب | والطود دونك في الشموخ مدى الحقب | |
الناس بالأفعال فينا خـــــــــــــــــــلدوا | والهاشمي الخـــــــــــــــلد فينا يحتسب | |
كم أعطيت منك الفعال كـــــــــــريمة | هي منك للطلاب زفت فــــــــــي أدب | |
في مصرفي سوريا وفي أرض العرا | ق لها بذلت وما شكــــــوت من التعب | |
هي منك نهر مغدق بـــــــــــــــــأكفه | جريانه فيض فما أبدا نضــــــــــــــــب | |
أين البيان وأين مني سبـــــــــــــــــله | لأخط مالك قد عرفتــــــــــــــه مكتسب | |
عبد الكريم القائد الفذ الــــــــــــــــذي | ما بيننا إلا الذي له قد أحـــــــــــــــــب | |
قد كنت منه يدا وكنت خلـــــــــــــيله | وخليل ليت فهو شبل محــــــــــــــتسب | |
قد كنت أذنا للذي يروي ومــــــــــــا | يرويه يذكي الحس يفضي للعــــــــجب | |
صور البطولات التي لا تنتـــــــــهي | هي في شعورك زادها منـــــك الــدأب | |
وكفى الذي قدمت أنه فـــــــــــوق ما | يعطي سخاء وهو أسمى ما وجــــــــب | |
والله أسال رحمة تحظـــــــــــــى بها | في جنة الرحمن عزا مستــــــــــــــحب |