“السياحة القروية” مجال واعد للتّشغيل بالجهة، لكن…؟
جريدة الشمال – عبد الحي مفتاح ( السياحة )
الجمعة 15 شتنبر 2017 – 16:54:09
وإذا كانت السياحة الشاطئية موسمية وسياحة المدن محدودة الوقع على التشغيل، فإن السياحة القروية مجال سياحي واعد في أفق الاستثمار و تنويع العرض السياحي بالجهة، والتشغيل أيضا.
في هذا السياق، وفي إطار إعداد برنامجها الجهوي للتشغيل، نظمت جهة طنجة تطوان الحسيمة بدعم من مكتب العمل الدولي بالمغرب، في السادس من دجنبر الجاري بمقر غرفة التجارة والصناعة والخدمات بتطوان الحلقة الدراسية الأولى حول السياحة القروية والتي تندرج في سياق حلقات تنصب على مجالات مختلفة بهدف تشخيص المشاريع والعمليات القادرة على خلق فرص الشغل.
إن السياحة القروية، كما أبرز المنظمون، اختيرت كمجال لتعميق الدراسة والمشاركة من طرف مجموعة عمل “السلاسل الاقتصادية والحاجيات من الكفاءات” لاعتبارات واقعية تتعلق بالمؤهلات الموجودة، خاصة الطبيعية والثقافية والتراثية، وكذا لكون هذه السياحة تعتبر من المجالات التي تحظى بالأولوية في برنامج التنمية الجهوي.
وهكذا؛ أبرزت الحلقة الدراسية أن عدة إنجازات تم تحقيقها على صعيد أقاليم شفشاون ووزان والعرائش والحسيمة، حيث تم ،بتمويل ودعم من جهات مختلفة، إحداث مجموعة من المآوي المرحلية ودور السياحة بالمناطق القروية ووسط المنتزهات الطبيعية لتلسمطان، الحسيمة وبوهاشم، وقد استطاعت لذلك السياحة القروية أن تجد لها قدما في المشهد السياحي بالجهة بل أن عدد السياح أخذ يتضاعف من سنة إلى أخرى لتغير في العقليات والسلوكات السياحية بفعل التحولات التي تعرفها وسائل الاتصال والتواصل والإشهار، وتسليط الضوء على السياحة البديلة والمسؤولة المرتبطة بالطبيعة وبالحياة القروية الحاضنة للنوستالجيا.
وقد لوحظ خلال هذه الحلقة الدراسية أن السياحة القروية بالجهة لازال أمامها مستقبل وفرص للاستثمار والتطوير، حيث إن تغطية طلبات السوق في هذه السياحة يحتاج إلى تكوين في مهن متعددة (المرشدين السياحيين ومعلمي الرياضات الجبلية) و توسيع بنية الاستقبال، وكذا الاستثمار في البنية التحتية لفتح الباب أمام ممارسة الرياضات المرتبطة بالطبيعة، وتقديم الخدمات الضرورية التي يحتاجها السواح كالنقل والإطعام والتطبيب الاستعجالي إلخ.
ومع ذلك، لابد من الإشارة إلى أن مجال السياحة مجال هش ويخضع لمنافسة داخلية وخارجية شرسة، لذلك فإن مبادرات الاستثمار في مجال السياحة القروية لابد أن تستفيد من التحفيز والدعم من حيث التمويل والتكوين والتضريب، كما تحتاج إلى تسهيل مساطر الترخيص وتوحيدها وتطبيقها، وذلك حتى لا نسقط في أتون القطاع غير المهيكل كما نرى الآن بالنسبة للإرشاد والنقل السياحي القروي.
هذا؛ وإذا كانت الطبيعة والحياة البسيطة تجذب النفوس، فإن هذه الطبيعة قد تتعرض للدهس وإلى الخطر إذا لم تقم المصالح المعنية بالمراقبة وإذا لم يتحول مهنيو السياحة القروية أنفسهم إلى مدافعين عن السياحة المسؤولة بقيامهم بواجب احترام الطبيعة والحفاظ على مواردها و إيصال هذه الرسالة إلى زبنائهم، ونشير هنا إلى أن الضغط الذي يتعرض له منتجع أقشور السياحي بإقليم شفشاون يعتبر أصدق مثال على غياب التدبير السياحي المستدام، وعلى سيادة التدبير الأهوج للمجال وللأنشطة بهذا المنتجع والذي قد تعصف بإشعاعه الوطني والدولي، وتحوله بالتالي من جوهرة طبيعية إلى كارثة بيئية واجتماعية.
وبلاشك، فإن فرص الاستثمار في السياحة القروية بالجهة فرص حقيقية الآن قد تكون عمادا لتنشيط بعض الاقتصادات المحلية، وذلك لمحافظة كثير من المناطق على المؤهلات الطبيعية والثقافية الأساسية ونمط عيش متميز، ثم لإن الجهة تعرف نموا اقتصاديا ملفتا، وخاصة عاصمتها طنجة ومحيطها، لكن هذه الفرص تحتاج إلى توجيه صحيح من قيادة الجهة وتنفيذ جدي حثيث للمشاريع بعد الإنصات إلى الفاعلين المختلفين في الميدان، على اعتبار أن عامل الوقت يلعب لصالحنا حاليا وقد يعاكسنا غدا، لأن الجهات الأخرى في بلادنا، ثم بلدان أخرى في القارة الإفريقية، بالإضافة إلى منافسة البلدان المتوسطية الأروبية، قد تنافسنا في السوق وتسرق منا جزءا كبيرا مما كان متاحا بين أيدينا، إذا لم نرسخ قدمنا منذ الآن في سوق السياحة عامة والسياحة القروية خاصة.
ولنا عودة بالتفصيل للموضوع مستقبلا. .