الشاعر الذي نظر الأعمى إلى أدبه وأسمعت كلماته من به صمم
جريدة الشمال – عبد القادر الغزاوي ( المُتنبي )
الثلاثـاء 12 شتنبر 2017 – 16:20:40
• أقدم إلى القراء الكرام بصفة عامة وإلى مُحبّـي الأدب العـربـي وعُشـاق الشعـر العـربـي بصفة خـاصـة جمـاعـة من الشُعَــراء الـعرب الّذين خَلَّدهُـم شعـرهم الـرائع والجميـل من القديم والحديث، وكذا مختارات من روائع شعرهم الخالد، دون الأخذ بعين الاعتبار ترتيبهم الزمني وعصورهم الأدبية. وقد أعملت جهدي المتواضع ما استطعت لأقدم إليكم هذه الطائفة الشعرية الرائعة المختارة حتى تنال إعجابكم وتروقكم ، وأن ينال هذا الاختيار إقبالكم واستحسانكم.
لأني لا أختـار ما تختـارون، ولا أنتم مختارون ما أختار، ولا أنا مختار ما اخترتم ، ولا أنتم مختارون ما أختار ، لكم اختياركم ولي اختياري..
وفي شعره أمثال وحكم. وأغلب قصائده في مدح الملوك والأمراء والخلفاء ووجهاء القبائل ، وكان كثير الترحال والتجوال بين مصر والشام وفارس مادحا أمرائها ، وباحثا عن المال والمجد والشهرة . وفي حلب وفد على سيف الدولة الحمداني سنة 737 هـ فقربه منه وجعله نديما له فنظم المتنبي قصائد يمدحه فيها ، حيث ظلت هذه القصائد من أشهر القصائد وأجملها . ولما ساءت العلاقة بينهما ، رحل المتنبي عنه متجها إلى مصر ، ولما حل بها استدعاه كافور الإخشيدي فمدحه وطلب منه أن يوليه ولاية فوعده بذلك ، إلا أن ذلك لم يتحقق ، فغضب المتنبي وانصرف يهجوه . لقد كان المتنبي يطلب الإمارة والسيادة والمكانة الرفيعة بين الجميع ، فيمدح بأجمل الأشعار من لبى طلباته ، ويهجو بأقسى الكلمات والعبارات من رفض رغباته ، وذلك في قصائد طويلة ورائعة ، سواء في المدح أو الهجاء . ويمكن الرجوع إليها في ديوانه .
وتعرض المتنبي خلال حياته إلى مضايقات ومكائد من أشخاص كانوا يحسدونه على المكانة التي وصل إليها والشهرة التي يتمتع بها ، فحسدوه وراحوا يكيدون له وينعتوه بكل نقيصة .
كان المتنبي شديد الإعجاب بنفسه والاعتداد بها وكثير الغرور ، ومغرما بجنون العظمة والكبرياء، حيث قال :
أيّ َمحلّ أرتــــــقي ؟ أيّ َعظيم أتقــــــــــــــــي
وكل ما قد خــلق اللـــ هُ وما لم يخلـُــــــــــــق
مُحتقرٌ في همتـــــــي كشعرة في مَفرقـــــي
ويعد أبو الطيب المتنبي من أشهر الشعراء العرب ، فهو ظاهرة شعرية لا مثيل لها ، فقد شغل الناس وملأ الدنيا حيا وميتا ، قال عنه ابن رشيق في كتابه العمدة : ( ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس) . وقد أُلفت في نشأته وحياته ومماته وفي شعره مجموعة من الكتب والدراسات والأبحاث والتحقيقات الأدبية من طرف العرب والمستشرقين ، فالمجال لا يتسع لّذكرها . فيمكن الرجوع إليها وإلى ديوانه الخالد الذي يضم مجموعة من القصائد الشعرية الرائعة التي تعتبر من أفضل القصائد في الأدب العربي. وذلك من أجل الاطلاع والاستفادة . مع العلم أن المتنبي لا يزال هو وشعره موضع أبحاث ودراسات وتأليف وحفظ وشرح ونقد .
قصيدة على قدر أهل العزم : تعتبر هذه القصيدة من جميل شعر المدح ، وهي طويلة ، وقد نظمها أبو الطيب المتنبي بمناسبة انتصار سيف الدولة على الروم في معركة ضارية من أجل استعادة بلدة الحدث التي تقع على الحدود بين إمارة سيف الدولة والروم ، وكان يرافقه في هذه المعركة المتنبي، فهزم الروم وانتصر عليهم واسترجع المدينة ، فقال المتنبي هذه القصيدة يمدح فيها سيف الدولة ويصف المعركة ، ويفتخر بنفسه ، فضمت القصيدة المدح والوصف والفخر والحكم في قالب من الوسائل البلاغية والمحسنات اللفظية وروعة الإبداع وجمال التصوير .
يقـول في مَطلعها :
عَلى قَدَرِ أَهلِ العَـزمِ تَـأتـي العَـزائِـمُ
وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها
وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ
يُكَلِّفُ سَيفُ الدَولَةِ الجَيشَ هَمَّهُ
وَقَد عَجَزَت عَنهُ الجُيوشُ الخَضارِمُ
وَيَطلِبُ عِندَ الناسِ ما عِندَ نَفسِهِ
وَذَلِكَ ما لا تَدَّعيهِ الضَراغِمُ
يُفَدّي أَتَمُّ الطَيرِ عُمرًا سِلاحَهُ
نُسورُ المَلا أَحداثُها وَالقَشاعِمُ
وَما ضَرَّها خَلقٌ بِغَيرِ مَخالِبٍ
وَقَد خُلِقَت أَسيافُهُ وَالقَوائِمُ
هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لَونَها
وَتَعلَمُ أَيُّ الساقِيَينِ الغَمائِمُ
سَقَتها الغَمامُ الغُرُّ قَبلَ نُزولِهِ
فَلَمّا دَنا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ
بَناها فَأَعلى وَالقَنا تَقرَعُ القَنا
وَمَوجُ المَنايا حَولَها مُتَلاطِمُ
وَكانَ بِها مِثلُ الجُنونِ فَأَصبَحَتْ
وَمِن جُثَثِ القَتلى عَلَيها تَمائِمُ
نماذج من أشعاره :
1) قصيدة واحر قلباه
يقول في مطلعها :
واحَرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ
وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقــَمُ
×××
مالي أُكَتِّمُ حُبًّا قَد بَرى جَسَدي
وَتَدَّعي حُبَّ سَيفِ الدَولَةِ الأُمَـــمُ
×××
إِن كانَ يَجمَعُنا حُبٌّ لِغُرَّتِهِ
فَلَيتَ أَنّا بِقَدرِ الحُبِّ نَقتَسِــــــــــمُ
×××
قَد زُرتُهُ وَسُيوفُ الهِندِ مُغمَدَةٌ
وَقَد نَظَرتُ إِلَيهِ وَالسُيـــــــوفُ دَمُ
×××
فَكانَ أَحسَنَ خَلقِ اللَهِ كُلِّهِمِ
وَكانَ أَحسَنَ ما في الأَحسَنِ الشِيَمُ
2 ) قصيدة لكل امرئ من دهره ما تعودا
يقول في مطلعها :
لكل امرئ من دهره ما تعودا
وعادة سيف الدولة الطعنُ في العدا
×××
وأن يُكذب الإرجافَ عنه بضده
ويُمسي بما تنوي أعاديه أسعدا
×××
وربَّ مُريد ضرَّه ضرَّ نفسَه
وهاد إليه الجيشَ أهدى وما هدى
×××
ومُستكبر لم يعرف اللهَ ساعة
رأى سيفه في كفه فتشهـَّـــــــــــــــدا
×××
هو البحر غص فيه إذا كان راكدا
على الدر واحذره إذا كان مُزبدا
2 ) مختارات أبيات من شعره في الحكم والأمثال :
أَنَا الذَي نَظَرَ الأَعْمَى إِلَى أَدَبِي
وَأَسْمَعْت كَلِمَاتِي مَنْ بِهِ صَمَـــــمُ
×××
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصــــم
×××
إذا رأيت نيوب الليث بارزة
فلا تظن أن الليث يبتســــــــــــــم
×××
الخَيْلُ وَاللَيْلُ والبَيْدَاءُ تَعْرِفُنِي
والسَيْفُ وَالرُمْحُ والقِرْطَاسُ وَالقَلَمُ
×××
وما الدهر إلا من رواة قصائدي
إذا قلت شعرا أصيح الدهر منشدا
×××
فِإِذَا أَتَتْكَ مَذَمَّتِي مِنْ نَاقِصٍ
فَهِيَ الشَهَادَةُ لِيْ بَأَنِّيْ كَامـــــــــِلُ
×××
عَلَى قَدْرِ أَهْلِ العَزْمِ تَأْتِيْ العَزَائِمُ
وَتَأْتِيْ عَلَى قَدْرِ الكِرَامِ المَكَارِمُ
×××
أعزُّ مكان في الدنى سرجٌ سابحٍ
وخير جليسٍ في الزمان كتابُ ..