الشاعر محمد الميموني ..
جريدة الشمال – عبد القادر أحمد بن قدور (محمد الميموني )
السبت 16 شتنبر 2017 – 16:17:04
بسم الله العلي القدير، ولا حول ولا قوّة إلاَّ بالله العليّ العظيم.
بمناسبة الذكرى الأربعينية لوفاة الشاعر المغربي الكبير الأستاذ المرحوم برحمة الله الواسعة محمد الميموني الذي انتقل إلى دار البقاء صباح يوم الخميس 21 محرم 1439 هـ الموافق لـ 12 أكتوبر 2017 بتطوان، وبهذا المصاب الجلل والأليم يتقدم الحقوقي والأديب: عبد القادر أحمد بن قدور بأحر التعازي وأصدق المواساة القلبية المكلومة إلى أسرته الصغيرة والكبيرة، وإلى كل الأدباء والأديبات والشعراء والشاعرات ومحبيه وإخوانه، ولزوجته الأستاذة الفاضلة السيدة فوزية من سوريا الشقيقة ولأبنائه: فردوس، خالد، ورياض، ولشقيقك الذي يتقاسم معك الشعر الملتزم والمناضل الشاعر المغربي المتألق والفذ أحمد بنميمون، وأصهاره وأصدقائه سائلين الله تعالى وتبارك أن يتغمد الفقيد الراحل بواسع رحمته ومغفرته، وأن يسكنه فسيح جناته مع الصديقين والنبيئين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان…
ــ الشاعر الكبير والمتألق في سماء الشعر الذي ولد سنة 1936، أشعر الآن بعد وفاته أن الشعر المغربي عبارة عن عمارة قد زلزلت واهتزت من الجدور لأن ذويها سمع من بعيد وأثر في دواخلنا بالاهتزاز والارتجاج، لأنه أحد شعراء بلدنا المقدام، والذي ترك في أعماقنا آثار الشعر والوطن والحب الصادق للثقافة والتربية والتعليم الخلاقة والشعر الملتزم والعضوي ذو الفكر المتميز والخلاق و الذي يبنى في الأعماق آثارا مدوية بنضجها وابتكارها، لأن الشعراء العظام هم الذين يشكلون وجدان الأمة المتقدمة والأجيال بكاملها… وشعره يغمر دواخلنا ونفوسنا المتعطشة للجمال بتجلياته المختلفة، ويترك فينا حبنا للجمال المبرح والخيال المجنح والخلاق…ومن آخر قصائد هذا الشاعر الأثير نقرأ بعض فقرات منها التي تقول:
تستيقظ المياه من أحلامها
في النهر والجداول
تخرج من ظلالها
إلى استفاضة الضوء الجديد
السرمدي
أيتها السحابة البعيدة
اذكرينا
في سمائك العليا
وانتظرينا
في مفرق الفصول
حيث نلتقي
على تلاشي الخط
بين الماء
والتراب
والسماء
ـ 3ـ
سماء لا أدركها
ساد من التحليق والغناء
وإن تجاوزتني في طريقها الطيور
أعرف أن العندليب
ماهر تلقائي موهوب
يوحي إليه كل حين
بنشيد الوقت في الهنيهة الموعودة
أما أنا
فليس لي سوى صدر
يضيق بتلاحق الأنفاس
مستقبلا،
قد آتي من مكان ما مجهول…إخ..
ذكرتني هذه الأبيات الشعرية المتميزة، والتي تعلو بنا في الخيال والسماء إلى أعلى عليين بأبعاد رمزية سحيقة وبآفاق خلاقة وبجمال وإبداع فائق وساحر يعلو ولا يعلى عليه جعلني في هذه الذكرى الأليمة ترجع بي الذاكرة إلى كلمة قصيرة في حق هذا الشاعر المتميز والفذ الصديق محمد الميموني احتفاء به في أمسيته الشعرية وللذكرى والعبرة…والتي ألقيتها مساء في يوم السبت 25 مارس سنة 2006 بحضوره في المركز الثقافي البلدي بالقصر الكبير والتي نظمتها جمعية الامتداد الأدبية المتميزة والتي قام بتسييرها رئيسها آنذاك الأستاذ القدير عبد الإله المويسي، فبدأتها بقولي ـ بسم الله القوي الجبار
في سنوات السبعينات أيام الكتلة الوطنية الأولى التي تأسست سنة 1972 أيام النضالات الوطنية المتأججة في سنوات الرصاص والجمر المتقد وخاصة سنة 1974 التقيت بالأخ الشاعر محمد الميموني قرب المركز العام لحزب الاستقلال القريب من باب الحد بالرباط وفي يدي ديوانه الأول (آخر أعوام العقم) الذي طبعه في تلك السنة وأبديت له سروري وإعجابي به في تلك الأثناء لما كنت أتردد على الأستاذ الجليل الأخ محمد السعيد العلمي الوزير المنتدب لدى البرلمان ووزير الوظيفة العمومية والشؤون الإدارية سلفا والذي كان كاتبا خاصا للزعيم أستاذي الكبير المرحوم الرئيس علال الفاسي، وكان كذلك رئيسا للتحرير لمجلة الهدف للشباب التي كان يديرها الأستاذ الجليل المرحوم علال الفاسي هي ومجلة البينة الفكرية والثقافية والإسلامية عندما كان وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية ، وكان الأخ محمد الميموني وهو أستاذ وطالب آنذاك يتردد علينا كذلك بمقر الاتحاد العام لطلبة المغرب لما كنت أتوجه لمكتب المنح التابع لوزارة التربية الوطنية لأقوم بحل بعض مشاكل الطلبة عندما كانت المنظمة الطلابية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب محظورة تعسفا، وبفضل اتحاد الطلبة المستميت ووعيهم آنذاك وتكتلهم ونضالاتهنا المستمرة والأكيدة استرجعنا هذه المنظمة الطلابية العتيدة في 9 نونبر 1978 بعدما تعرضت لقرار الحظر الإداري الجائر في 24 يناير سنة 1973 اضطهادا وتعسفا واسترجعناها ونحن نردد مبادئها الأربعة المترسخة والدائمة: (التقدمية ـ الجماهيرية ـ الديمقراطية ـ الاستقلالية).
كما عرفنا شاعرنا المجيد هذا بقصائده المتينة والرصينة والرائعة والجادة بالملحق الثقافي لجريدة “العلم ” منذ الستينات والسبعينات من القرن الماضي والاتحاد الإشتراكي ودواوينه الناضجة والهامة والدالة على أعوام العقم وصمود الطلبة وآرائه النيرة والغيورة على هذا الوطن والإنسان والوطنيين والطلبة الصامدين بالوحدة والكتلة التي تجددت أخيرا (أي خلال تلك المرحلة )بفضل تظافر الجهود لكافة القوى الوطنية الديمقراطية ومنظور الكتلة الديمقراطية للحكم الذاتي بالأقاليم الصحراوية لوطننا العزيز.
وفي الختام أشكر أعضاء المجلس البلدي باسم المهتمين على تفهمهم أخيرا ودعمهم المادي لجمعية الامتداد الأدبية والجمعية الحقوقية والجمعيات الأخرى ونتمنى للكتلة الوطنية النجاح في مساعيها الهامة وللشاعر المجيد النجاح والتوفيق والصحة الجيدة والعطاء المستمر والمتجدد في ظل الوحدة الوطنية وشكرا جزيلا على إنصاتكم وتتبعكم وتقبلكم لكلمتي…
وأضيف، وقد كان رحمه الله متشبعا بالأفكار النيرة والمتفتحة والأخلاق العالية والتواضع الجم، وقد كان دائما يركز على همومه الذاتية، كما يركز على عناصر الطبيعة المتميزة المتحولة والثابتة كما جاء في أبياته الشعرية السالفة الذكر، وكذلك يقول في قصيدة أخرى بعنوان: “روائح البن المنعش”.
يبدو أني لست بعيدا عن سطر النهاية
ولكن قصيدتي تحيا حياتها بشعر أسود وفم قويم لامع
لعلي ذات يوم كنت فتى
يحلم كل صبح بقصيدة أكنت أيضا شاعرا؟ (1)
ومن أفكاره عن الشعر قوله (القصيدة لا تحتاج إلى المناهج فهي تجيز لنفسها أن تنتقل إلى الحقيقة، وإلى جوهر ما وراء الأشياء التي تبدوا واقعية.)
وإذا كان هذا الشاعر قد فقدناه، فهو من أهم الأصوات الشعرية الخلابة والمؤسسة للشعر المغربي الحديث ومن رواده الأوائل مثل المرحومين أحمد المجاطي ومحمد الخمار الكنوني، وعبد الكريم الطبال والدكتور محمد السرغيني أطال الله عمرهما ومتعهما بالصحة والعافية الذين وضعوا أسس القصيدة المغربية الحديثة في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات من القرن الماضي، حيث آنذاك كان المشرق يتألق ضوءه بالشعر الحديث في كل من مصر والعراق وسوريا ولبنان، حيث درس الراحل محمد الميموني في بداية حياته بالكتاب القرآني، ويميز بحفظه لأحزاب عديدة من القرآن الكريم والمتون القديمة، ثم درس باللغتين العربية والإسبانية، وعلى عيون الشعر العربي والإسباني الثائر ضد الاستبداد والتسلط والطغيان الذي كان له بالغ الأثر على شعره وفكره المتحرر والمتقدم كما تعرف بالدار البيضاء على شعراء أفذاد من أمثال أحمد الجوماري وعبد الله راجع وادرس الملياني وغيرهم من الشعراء والأدباء عنما كان يمارس التدريس بها…وبدأ ينشر كذلك شعره سنة 1963 بالجريدة الوطنية “العلم” الغراء التي احتضنت العديد من الشعراء والأدباء وشجعتهم وآزرتهم على نشر إنتاجاتهم، كما ترجم للعديد من الشعراء الإسبان لشعرهم إلى اللغة العربية أمثال الشاعر والمناضل الكبير فيدير يكوغارسيا لوركا، وأنجز دراسة نقدية هامة حول تجربته الشعرية الغنية بالدلالات، ونشر عدة دواوين بعد نشره عام 1974 ديوانه “آخر أعوام العقم “كما سلف ذكره، ونشر ديوانه الثاني حتى عام 1992 بالدار البيضاء بعنوان “الحلم في زمن الوهم” و”طريق النهر” وكذلك ديوان شعر أصدره سنة 1995 بتطوان “شجر خفي الظل” هذا الديوان الشعري صدر له سنة 1999 بتطوان كذلك والدواوين الأخرى التالية: مقام العشاق “أمهات الأسماء”، وكذلك “متاهات التأويل” صدر له عام 2001 كما نشرت له وزارة الثقافة سنة 2002 بالرباط “الأعمال الشعرية الكاملة”.
والدواوين الأخرى التي نشرها سنة 1998 “محبرة الأشياء” “ما ألمحه وأنساه” عام 2000.
ودراسة نقدية له في الشعر المغربي المعاصر صدرت له عام 1999 بتطوان بعنوان “سبع خطوات رائدة” وهي هامة من منشورات تطوان أسمير.
“ديوان التمارين” للشاعر الإسباني فيديريكو غارسيا لوركا (ترجمه إلى اللغة العربية مع دراسة وافية كتبها عنه.)
وهذا يجعل منه (مجالا لاستكناه خبايا ذاكرة الشاعر محمد الميموني، باعتبارها إحدى العناصر المميزة لتحولات عطاء المشهد الثقافي المحلي بمدينة شفشاون وبعموم بلاد المغرب خلال عقود النصف الثاني من القرن الماضي، هي ذاكرة مشرعة أمام رحابة شيم الاجتهاد والعطاء والوفاء والتواضع والصوفية في سيرة صاحبها، وعنوان لإحدى أوجه البهاء الثقافي الذي طبع ويطبع وجه شفشاون الأعماق، شفشاون الحضارة والتاريخ، شفشاون محمد الميموني) (2) النظيفة والأنيقة ذات المعمار الأندلسي والتاريخي العميق والأصيل.
إن لله وإن إليه راجعون
أيها الشاعر الوفي والأديب والأستاذ
التربوي الجليل، المؤمن كل الإيمان بالتغيير والإصلاح
المتواصل والعمل من أجل إنسانية الإنسان بالشعر والفكر والنضال في كل زمان ومكان للعمل من أجل التقدم
إلى االأمام ـ دعاؤنا إلى الله العلي القدير لكم بالمغفرة والثواب وجنة الرضوان.
الإعلامي والحقوقي والأديب
والعضو الشرفي بمنظمة العفو الدولية
ـ فرع المغرب ـ وجمعيات حقوقية عديدة وغيرها
الهوامش:
1). من مقال د محمد دخيسي أبو أسامة بالملحق الثقافي لجريدة “العلم” الغراء بعنوان: “الموت ونهاية سيرة الكتابة لدى الشاعر المغربي الراحل محمد الميموني. ليوم الخميس 28 من محرم 1439 هـ الموافق ل 19 من أكتوبر 2017 السنة 41 ص: 8.
2). من جريدة “الشمال 2000” الغراء الجهوية والأسبوعية العدد: 911 ليوم الثلاثاء من 17 إلى 23 أكتوبر 2017 بقلم الأستاذ الجليل والباحث أسامة الزكاري ص16.“…