من أعلام موسيقى الألة بطنجة ..
جريدة الشمال – عبدالمجيد السملالي ( (باحت في تاريخ الموسيقى الأندلسية) )
السبت 21 أكتوبر 2017 – 12:12:11
•أجـدُنـي اليوم مَدفـوعــًا أكثر من أي وقت أخر إلى كتابة تعريف بأحد رجال الفن الأصيل وألمع الولوعين بموسيقى الألة بطنجة، إنه الشريف مولاي إدريس بن مولاي علي الوزاني، وذلك بعد شِدَّة اندهاشي واستغرابي لما سُطر في مقالة حملت عنوان: (قائمة الهواة والمطربين للموسيقى الأندلسية بمدينة طنجة 1990–1982) نشرت أخيرًا على صفحات جريدة طنجة الغراء. العدد 3968.( 23 شتنبر 2017). وعلى صفحات جريدة الشمال االهادفة في رسالتها الإعلامية. العدد 908. ( 26 شتنبر 2017). الصفحة 12، والمقالة بقلم الدكتور رشيد العفاقي، وهي عبــارة عن تقديم ونشر وثيقة وضعها الشريف مولاي إدريس الوزاني (ت 2011م).
وبعد قراءة تلك المقالة وإعادة النظر في مضمونها المرة بعد الأخرى ظَهَرَ لي أن الدكتور المحترم لم يحالفه الصواب في هذا التقديم ، وقد أبـانَ عن قصوره في معرفة أعلام موسيقى الألة بطنجة، فهو لم يحسن استثمار نص منشور من قبله بل ووضع له تقديما (يا ليته لم يخطه)، فهذا النص: (قائمة الهواة والمطربين) كان بين يديه منذ مدة ( فقد سبق لي أن نشرته على صفحتي بالفيس بوك، وكذلك في صفحة هواة الموسيقى الأندلسية المغربية سنة 2010)، فالكاتب لم يدقق في مضمون النص، الذي ضم جميع المعطيات الصحيحة لكنه مع الأسف أورد جلها مغلوطة في تقديمه، مما يظهر أنه لا يمتلك معرفة جيدة بأعلام شرفاء آل وزان، ولا بموسيقى الألة وأعلامها وبقضاياها الفنية. لذلك يلزمني الكشف عن بعض الأخطاء الواقعة في تقديمه.
وقفات مع التقديم:
سعيا إلى توضيح وكشف ما جاء في التقديم من الأغلاط التي وقع فيها الدكتور المحترم، أضع بين أيديكم بعض ما تسنى لي جمعه من ملاحظات وتعقيبات:
• قوله عن مولاي إدريس: (وهو أحد أعلام بيت الشرفاء الوزانيين بطنجة الذين نبغوا في الموسيقى الأندلسية). فعبارة النبوغ دالة على التفوق الكبير على الأقران في البحث والممارسة الفنية، وأعتقد أن صفة النبوغ مبالغ فيها وغير دقيقة، فبعض أفراد هذا البيت الشريف كان لهم ولوع كبير بطرب الألة واشتهروا بإحياء أمسيات الموسيقى الأندلسية، وممن نبه من أبناء هذا البيت في المضمار الفني: (مولاي أحمد بن عبد السلام الوزاني ـ مولاي العربي بن أحمد الوزاني ـ مولاي إبراهيم بن أحمد الوزاني ـ سيدي عبد اللطيف بن أحمد الوزاني ـ سيدي حمزة بن أحمد الوزاني ـ مولاي عبد الله بن علي الوزاني ) وأما مولاي إدريس الوزاني (ت 2011هـ) فقد سار على درب أفراد أسرته في الاهتمام بهذا الميدان الموسيقي، وأنفق جهدا كبيرا في المحافظة على هذا التراث الفني، وسعى جاهدا إلى إحياء بعض الجمعيات الموسيقية للنهوض بهذا الفن الأصيل.
• قوله في التعريف بمولاي إدريس: (وهو نجل مولاي أحمد الوزاني). وهذا خطأ يدل على عدم إلمام صاحب المقالة بأعلام هذه الأسرة، كما أنه لم ينتبه إلى الوثيقة التي نشرها، فهي جلية في عباراتها ولا لبس في الأسماء الواردة فيها، فقد أوردت الوثيقة تعريفا بمولاي إدريس وبينت الآلات الموسيقية التي كان ماهرا في عزفها، وأشارت إلى تاريخ انخراطه في العمل الفني كهواية. وقد جاء في تلك الوثيقة ما يلي:
(51- الشريف مولاي إدريس بن علي الوزاني || العود والبيانو والقانون || 1936- إلى الآن || بمنزله بمرشان.)
والصواب أن مولاي إدريس هو نجل مولاي علي بن الحاج عبدالسلام الوزاني (ت 1947م) أما مولاي أحمد بن الحاج عبدالسلام الوزاني (ت 1965م) فهو عمه.
• قوله عن مولاي أحمد الوزاني: (شيخ أهل الغناء والطرب في زمانه) فهذه العبارة غير سليمة تحيل القارئ على شيوخ الغناء والطرب المحترفين الذين كانوا قديما يجوبون أطراف البلاد طولا وعرضا، ويترددون على الأسواق ويقصدون الساحات العمومية لإمتاع الناس بالعروض الموسيقية ولجني بعض المكاسب المادية، أو كانوا يلزمون بيوت علية القوم لتشنيف أسماع أربابها في المناسبات المختلفة.
أما مولاي أحمد الوزاني فهو يعد من أعيان الأشراف الوزانيين ومن وجهاء بلدته طنجة، سبق له أن تولى منصبا مخزنيا في فترة الحماية الفرنسية حيث عين فترة من الزمن باشا مدينة وزان، كما أنه يعتبر بحق من كبار هواة طرب الألة ومن الحفاظ المجيدين لنوباتها، وكان بيته في مدينة وزان وطنجة خلال بعض أيام الأسبوع قبلة المولعين لعزف بعض ميازين النوبات الأندلسية، ولشدة ولع مولاي أحمد الوزاني بهذا الطرب الأصيل فإنه كان يصحب معه أفراد جوقه في جميع تنقلاته ورحلاته داخل المغرب، ولم تكن الرحلات تتم يومئذ إلا على متن الدواب، وكان في جميع محطات استراحته يخصص وقتا معتبرا لعزف بعض المقطوعات من هذا الطرب ترويحا على النفس.
ولم يفصح أحد في الماضي والحاضر، وجل من تعرف عليه أو خبر أحواله عن قرب، وأدرك مستوى ولعه بالألة عن أنه كان (شيخ أهل الغناء والطرب في زمانه).
وقد لخص نجله مولاي العربي بدقة شدة عشق وهيام والده بطرب الألة، في عبارات ذات دلالة عميقة تبرز مستوى وَلَهِ والده بهذا الفن الأصيل، فهو كان متذوقا جيدا لما يعزفه الأليون بين يديه، وبصيرا بالطبوع التي كان يترنم بها المنشدون. يقول مولاي العربي:
(كان والدي مولعا بالموسيقى وكان منزلنا تعزف فيه الموسيقى مرتين في الأسبوع….. كان مجلسه لا يخلو في الغالب من الطرب لا في السفر ولا في الحضر والجوق الخاص به [كان]لا يفارقه…..ولحبه للألة كان لا يسمح بأن تغفل من الميزان صنعة وإذا وقع من أحد ذلك كان يغضب…..وكان من عادته أن لا يقطع الميزان لأي سبب من الأسباب إلا لسبب واحد هو سماعه الأذان، فكان يقطعه ويأمر بإقامة الصلاة وعند انتهائها يكمل ما بقي من الميزان).
• وقوله عن مولاي إدريس إنه:( شقيق مولاي العربي الوزاني) وهذا أحد الأخطاء التي وردت في هذا التقديم، ولم يتفطن إلى ذلك كاتبه مع أنه نشر بيانات واضحة عن مولاي العربي بن أحمد الوزاني (ت 1983م)، اشتملت على اسمه الكامل والألات الموسيقية التي كان يتقن عزفها، والأماكن التي دأب على الاجتماع فيها مع هواة طرب الألة، منها منزل والده مولاي أحمد الوزاني بحومة دار البارود. ومما ورد في تلك البيانات:
(23- الشريف مولاي العربي الوزاني اليملاحي || الكمان والبيانو والساكسفون || 1920- 1980 || بمنزله ومنزل والده مولاي أحمد).
فالصواب ما نطقت به البيانات أعلاه، فإن مولاي العربي بن أحمد الوزاني هو ابن عم مولاي إدريس بن علي الوزاني وليس شقيقا له كما ظن صاحب التقديم.
• وقوله عن مولاي العربي الوزاني أنه كان له:( إسهام وافر في إحياء الموسيقى الأندلسية بمدينة طنجة وتأصيل تراثها عبر العديد من الدراسات والأبحاث) فالادعاء أن مولاي العربي الوزاني كان له إسهام في تأصيل الموسيقى الأندلسية تعوزه الحجج والبراهين، فالرجل من خلال كتاباته الكثيرة في الموسيقى الأندلسية، وفي جميع مقالاته وأبحاثه المنشورة لم يدع في يوم من الأيام أنه أصل شيئا في الموسيقى الأندلسية.
وجملة القول في هذا الباحث الموهوب والفنان الأصيل إنه من الأسماء اللامعة التي أثرت مجال البحث في التراث الموسيقي الأندلسي خلال القرن 14هـ/ 20م، فقد انكب على تحرير المقالات والأبحاث الرصينة، مست جل موضوعاتها: طرب الآلة، واجتهد من خلال كتاباته الكثيرة في التعريف بهذا الفن، محللا الجوانب النظرية فيه، ومسهما في بيان أنواع الطبوع اللحنية الأصيلة التي أضفت على النوبات الأندلسية جمالا ورونقا، وأسهم أيضا في التعريف بمشاهير المولعين بهذا الفن في القديم الذين سعوا إلى ترتيب نوبات الآلة وإدخال التحسينات عليها، كما أنه أبرز عطاء شيوخ الصنعة الأندلسية في العصور المتأخرة ممن عاصرهم، مبرزا دورهم في المحافظة على هذا التراث الخالد.
• وقول كاتب التقديم: (كان لمولاي إدريس الوزاني دور كبير في إشعاع موسيقى الآلة الأندلسية بالمغرب عامة) أعتقد أن هذه الجملة تضمنت مبالغة في تقدير مكانة الرجل الفنية فالرجل كانت له مساهمة متميزة في رعاية الأنشطة الموسيقية التراثية (طرب الألة) بطنجة، وخاصة من خلال جمعية الموسيقى العربية التي ترأسها مدة بضعة عقود، وإليه يعود الفضل في صمود تلك الجمعية واستمرار إشعاع نشاطها الفني. ونظرا لخبرته ومعرفته الكبيرة بنوبات موسيقى الألة اختارته وزارة الثقافة ليكون عضوا في اللجنة الفنية التي أشرفت على توثيق نوبات الموسيقى الأندلسية الإحدى عشر بالتسجيل الصوتي سنة 1992م.
• وأما قوله: (عني مولاي إدريس الوزاني بالتأليف في فن الطرب). فيظهر لي أن صاحب التقديم يتحدث في العموميات وهو لا يستند إلى معطيات موثقة، كما تعوزه النصوص التي تجلي له جهود مولاي إدريس في التأليف الفني، فالذي نال مقدرة على الكتابة والتأليف الموسيقي هو ابن عمه مولاي العربي بن أحمد الوزاني (ت 1983م)، وأما مولاي إدريس فله إسهام ببعض المحاضرات والمقالات التي تناول فيها بالحديث عن الثقافية الموسيقية بمدينة طنجة وعن الموسيقى الأندلسية في ماضيها وحاضرها.
• وأما قول صاحب التقديم عن مولاي إدريس إنه: (وضع جدولا من ثلاث صفحات ضَمّنه «قائمة الهواة والمطربين للموسيقى الأندلسية لمدينة طنجة من 1900 إلى 1982) فهذا الأمر كان مصيبا فيه الدكتور المحترم واجتهد في إخراج هذا الجدول لكن مع الأسف لم يفصح و لم يشر البتة إلى طبيعة هذه الصفحات الثلاث التي انتهت إليه. هل هي مخطوطة أو مطبوعة أو مرقونة ؟ كما أنه لم يلتزم بالأمانة العلمية في ذكر مصدر الوثيقة وكيف حصل عليها.
وتنويرا للقارئ الكريم حول هذه الوثيقة: قائمة مطربي وهواة الموسيقى الأندلسية بطنجة، التي تندرج ضمن اهتمامي بتاريخ موسيقى الألة بطنجة، أدلي ببعض البيانات عنها:
يعود الفضل في اطلاعي على هذه القائمة إلى واضعها مولاي إدريس الوزاني رحمة الله عليه واكرم مثواه، الذي أفادني كثيرا عن تاريخ الموسيقى الأندلسية وحدثني عن مشاهيرأعلامها، كما سلمني في إحدى زيارتي له سنة 1996م، ثلاث صفحات مرقونة، وحملت شعار جمعية الموسيقى العربية بطنجة، اشتملت تلك الصفحات على قائمة بأسماء مطربي وهواة الموسيقى الأندلسية بطنجة من سنة 1900 إلى 1982، وأدرج فيها الصفة التي كانوا عليها ( منشدون/ عازفون، مع ذكر الألات المستعملة من قبلهم)، وذكر الفترة التاريخية التي كانوا يمارسون فيها نشاطهم الفني، كما لم يغفل ذلك الجدول إيراد أسماء الفضاءات التي دأب الهواة والمطربون على عقد لقاءاتهم الموسيقية فيها، ومجموع ما تسنى لمولاي إدريس الوزاني إدراجه في تلك القائمة: 105 أسماء ما بين عازفين ومنشدين. وعلى هذه الصفحات تصويبات بخط المؤلف
ولا يفوتني في هذا المقام التذكير والإشارة إلى أنه سبق لي أن نشرت تلك القائمة مرتين: على صفحتي الخاصة في موقع التواصل الاجتماعي وعلى صفحة هواة الموسيقى الأندلسية بالمغرب، ثم اتصل بي الأستاذ العفاقي في شأن تلك القائمة ورغب في نسخة منها واضحة، وأبدى حماسا في رقنها. وبعد حين طلع علينا الدكتور المحترم، بكل جرأة وثقة في النفس، بتقديم ونشر تلك الوثيقة، ولم يشر من قريب أو بعيد إلى المصدر الذي استقى منه الوثيقة (صفحة منتدى هواة الموسيقى الأندلسية المغربية وصفحة كاتب هذه السطور). وهذا التصرف يتنافي وأدبيات البحث العلمي والنزاهة الفكرية.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن قائمة المطربين والهواة التي نشرها الدكتور العفافي تصرف في شكلها، وأدرج فيها كلمات لم يذكرها مؤلفها، كما شَانَ النص مجموعة من التصحيفات، وتعميما للفائدة وبيانا لمضمون تلك كما وضعها مولاي إدريس الوزاني، أدرج في خاتمة هذا المقال النسخة التامة كما تسلمتها من صاحبها رحمة الله عليه.
وللتمثيل لبعض الأخطاء والتصحيفات الواردة في تلك القائمة أذكر ما يلي :
– 50- المرحومة الزهرة منانة: الصواب الزهرة عشاقة.
– 67- السيد أحمد الغزاوي: الصواب أحمد الضراوي.
– 84- السيد محمد المقراعي (فنيونا): الصواب فتيوتا (بالتاء في موضعين بدل النون).
– 85- السيد الحسن الدكالي || كمان || 1956- إلى الآن || بالإذاعة. الصواب أن المؤلف لم يذكر هذا الاسم أنه كان يشتغل في الإذاعة، بل ذكر أن نشاطه الفني كان: (بمنزل مولاي إدريس الوزاني)….