من أعلام طرب الألة بطنجة: الشيخ المبدع الفنان المتألق أحمد بن الحسين الزيتوني الصحراوي -3-
جريدة الشمال – عبدالمجيد السملالي ( باحث في تاريخ موسيقى الألة المغربية)
الأربعــاء 03 ينــاير 2018 – 11:04:06
فاتني في الحلقة الماضية إدراج تلحين ميزان كامل، وهو من بدائع الأعمال الفنية التي اهتدى إلى تلحينها الفنان أحمد الزيتوني، المتمثل في ميزان قدام النهاوند، وفيما يلي إفادات عن هذا الإبداع الجميل:
قدام النهاوند:
وضع الفنان أحمد الزيتوني توشية بديعة لهذا الميزان، وضمنه مجموعة صنائع: من شعر فصيح، وتوشيح، وزجل، وبراول، كل تلك الصنائع تنتمي إلى غرض واحد هو مدح الجناب النبوي والإشادة بفضائله العلية. وهذا الميزان سبق للفنان الزيتوني أن لقّنه لأفراد من المعهد الموسيقي بطنجة، كما درّب عليه فرقة جمعية الإمام الشاذلي بطنجة، وقد تسنى ظهور الميزان في الحفل التكريمي الذي أقيم تقديرًا لعطاءات مربي الأجيال الأستاذ عبدالسلام اللواح، يوم السبت 10 دجنبر 2011م، في المعهد الإسباني بطنجة،
وقد ترأس الفنان أحمد الزيتوني بنفسه تسيير هذه وصلة الفنية، وقاد الجوق الذي ضم بين صفوفه نخبة أفراد من جوق المعهد الموسيقى بطنجة، وأعضاء من فرقة جمعية الإمام الشاذلي المنوه بها سابقا. شنف الجوق الحاضرين بأعذب ألحان هذا الميزان وجميل الأشعار المديحية المتضمنة فيه، وفيما يلي مجموع صنائع هذا الميزان:
تلحينه مجموعة من التواشي :
إذا كان المدلول اللغوي لكلمة توشية يفيد الزخرفة والتحسين والتجميل، فإن تلكة اللفظة في اصطلاح أرباب طرب الألة يقصد بها قطعة موسيقية ألية موزونة غير مصحوبة بأشعار.
ويبلغ مجموع تواشي طرب الألة على ما يزيد عن ثلاث وتسعين توشية، وهي موزعة على ثلاثة أصناف: توشيات النوبات، توشيات الميازين، توشيات الصنائع :
• وشيات النوبات: تؤدى بعد البغية مباشرة، وهناك نوبات ضاعت توشيتها مثل: نوبة رمل الماية، والرصد. وبعض النوبات لها توشية واحدة مثل: العشاق، والماية، كما اشتملت بعض النوبات على أكثر من توشية مثل: نوبة الاستهلال (توشيتان)، نوبة الحجاز المشرقي (سبعة توشيات).
• توشيات الميازين: هي عبارة عن معزوفة تحدد طبيعة الميزان الذي سيتم أداؤه.
• توشيات الصنائع: هي معزوفة رشيقة لصنائع معينة تؤدى في أولها أو داخلها أو بعدها .
ومما يجدر التذكير به في هذا الموضع أن هنالك عددًا من التواشي ضاعت وانمحى أثرها مع عوادي الزمن سواء كانت تواشي النوبات، أو الميازين، أو الصنائع، وهذا الأمر دفع بمجموعة من هواة طرب الألة وأقطاب هذا الفن الأصيل في العصور المتأخرة إلى اقتحام باب تلحين التواشي، واستعادة أجزاء النوبات الموسيقية الضائعة، وهو ما تجلى في صنيع كبار الفنانين أمثال: سيدي عمر بن العباس الجعيدي (ت1952م)، والفنان العربي السيار(ت1964م)، والفنان محمد العربي التمسماني(ت2001م)، وقد تشجع الفنان أحمد الزيتوني بدوره لخوض غمار هذ التجربة الفنية، وشمر عن ساعد الجد، وشارك من سبقوه في سد الثغرات الفنية الواقعة في بعض النوبات، وخلال مساره الفني بادر إلى تلحين مجموعة كبيرة من التواشي، وشملت الأصناف الثلاثة المذكورة أعلاها، وفيما يلي مجموع التواشي التي لحنها الفنان أحمد الزيتوني:
جهوده في تلحين بعض صنائع الألة:
يقصد بتلحين الصنائع، هو قيام الفنان المبدع بوضع تلحين جديد لبعض الصنائع في أحد الطبوع الأربعة والعشرين المعتمدة في تراث الآلة، وتسمى تلاحين جديدة لأن صنائعها غير أصيلة بمعنى أنها غير مدرجة في كناش الحايك، وقد اقتحم باب هذه الابداعات الجديدة مجموعة من أعلام موسيقى الألة في العصور المتأخرة، نذكر منهم:
الفنان الحاج حدو بنجلون شيخ جماعة الموسيقيين بفاس في نهاية 13هـ/19م، ينسب اليه تلحين صنائع من ميزاني قائم ونصف غريبة الحسين، والفنان سيدي عمر بن العباس الجعيدي (ت 1952م) الذي لحن ميزاني: القائم ونصف المشرقي، ودرج رصد، والفنان العربي السيار (ت 1964م) الذي لحن ميزاني: قائم ونصف الرصد ودرج العشاق.
وسيرًا على منوال أقطاب هذا الفن الأصيل في التلحين، قام الفنان أحمد الزيتوني بتلحين عدد كبير من الصنائع من الشعر الفصيح، والتوشيح، والزجل، والبراول، وتوفق في تلحينها، وإخراجها في قالب فني رائق، نالت استحسان وإعجاب هواة طرب الألة، واستعملها بعض الهواة في وصلاتهم الفنية، وفيما يلي نماذج تلك الصنائع:
برولة: (صافي الحبيب) في درج الحجاز المشرقي.
صنعة: (تعلم يا خِلّي) في درج الحجاز المشرقي.
برولة: (لو كان شوقي) في درج درج الحجاز المشرقي.
صنعة: (أنتم حياتي) في درج الحجاز المشرقي.
برولة: (طال علي الحال) في درج رصد الذيل.
ترميمه ( اصلاح) بعض الصنائع:
إذا كانت لفظة (ترميم) في اللغة تعني: إصلاح، إرجاع، إعادَة، تعويض، فهي في اصطلاح أرباب طرب الألة تعني إصلاح عنصرين أساسيين في ميازين النوبات الموسيقية، وهما: المتن الشعري، واللحن.
وبخصوص المتن الشعري، كان الفنانون المتأدبون الأكفاء يعمدون إلى إصلاح النصوص الشعرية بعد أن اعتارها النقص والتحريف سواء كان: شعرًا، موشحا، زجلا، بروال، وكذلك بتقويم ما اختل من تفعيلات وأوزان وقواف والسعي إلى إرجاع المتن إلى أصوله، ويعتبر الفنانان مولاي أحمد الوكيلي (ت1988م) وعبداللطيف بنمنصور (ت 2010م) رائدي هذا الجانب بلا منازع.
وأما اللحن الموسيقي فكان بين الفينة والأخرى ينهض الفنانون المقتدرون بترميم جمل الصنعة الموسيقية المختلة، أو بتقويم عدد أدوارها غير المنضبطة، وذلك بالاعتماد على القواعد الموسيقية وكذلك بالرجوع إلى أدوار الصنعة كما هي مدونة في كناش الحايك، ويعتبر الفنان محمد بن العربي التمسماني (ت2001م) رائد هذا التوجه، وقد قام بمجهودات كبيرة في إصلاح هيكل بعض الصنائع، أو ضبط خطها اللحني، أو عدد أدوارها. وقد اقتفى الفنان أحمد الزيتوني أثر من سبقوه في هذا الجانب، وأضحى مَعْلمًا بارزًا في هذا المجال في الفترة المعاصرة، حيث نهض بجهد فني كبير يشكر عليه، واتجه إلى ترميم مجموعة من صنائع طرب الألة، نذكر على سبيل المثال بعضا منها:
• لحَّن (كرسي) صنعة (يا رسول الله يا بحر الوفا) من بسيط عراق العجم، وهذا الكرسي ـ كما يعرفه هواة طرب الألة ـ ضائع، و تلك الصنعة تندرج ضمن الصنائع النادرة، ومما يحسن ذكره في هذا السياق أن الفقيه محمد بن المختار السبيع (ت1984م)، سبق له ـ في السبعينات من القرن الماضي ـ أن سجل تلك الصنعة بمدينة الرباط.
• لحّنَ دخول إلى صنعة (قم وانظر الى مداد العذار) من قدام غريبة الحسين، حيث جعل من تلك الصنعةِ صنعةً خماسيةً، بعد أن كانت ثلاثية.
• لحّن صنعة تخليل من ميزان بطايحي عراق العجم، بين القنطرة (فتنت بالنظرة) والانصراف (بالله يا ساقي).
• مساهمته في التدوين الموسيقى (التنويط) لتراث الألة:
يُعَرَّف التدوين بالكتابة الموسيقية (التنويط) بأنه عملية تمثيل بصرية من خلال استخدام رموز كتابية للموسيقى المسموعة، وقد أصبحت عملية التدوين الموسيقي لتراثنا ملحة، بعدما ظلت موسيقى الألة عبر القرون يتناقلها الهواة شفهيا، وهذا التدوين الموسيقي هو من أهم الوسائل الذي يكفل بقاء هذا التراث الموسيقي ويضمن استمراره ويحفظ أصالته.
ويعتبر الشيخ أحمد الزيتوني من الشيوخ المعاصرين القلائل الذين اقتنعوا بأهمية تدوين تراث الآلة بالكتابة الموسيقية، ومن أوائل من خاض هذه التجربة رفقة تلميذه الباحث الموسيقي يونس الشامي في منتصف السبعينات، حيث كانت باكورة أعماله تدوين نوبة رمل الماية كاملة وفق رواية الشيخ الفنان احمد الزيتوني. صدر الكتاب عن مؤسسة بنشرة بالدار البيضاء سنة 1984م.
وبعد نجاح التجربة الأولى قام الأستاذ يونس الشامي بتدوين نوبة الماية وفق رواية الشيخ أحمد الزيتوني أيضا، وقد صدر هذا الكتاب ضمن منشورات أكاديمية المملكة المغربية سنة 2011م.
وقد قبل سنوات انبرى تلميذه النجيب الفنان المتألق جمال الدين بن علال إلى تدوين نوبة عراق العجم وفق رواية شيخه وأستاذه أحمد الزيتوني، وصدر عمله التوثيقي ضمن منشورات جمعية نسائم الأندلس لهواة طرب الموسيقى الأندلسية بطنجة سنة 2012م.
وبعد تراكم تجاربه الفنية الكثيرة وإلمامه الكبير بموضوع الكتابة الموسيقية التي أنجز فيها مجموعة أعمال، بادر الشيخ أحمد الزيتوني مؤخرًا بتوثيق نوبة الحجاز المشرقي بروايته، وقد صدر هذا الكتاب ضمن منشورات جمعية نسائم الأندلس لهواة طرب الموسيقى الأندلسية بطنجة سنة 2016م…