في إطار الدورة الرابعة ل”وجدان الحق في حضرة” الطريقة القادرية البوتشيشية تنظم أمسية السماع والمديح بشفشاون
الجمعة 28 يوليوز 2017 – 17:18:25
أقمرت سماء مدينة شفشاون، وتعطرت رحاب مسرح القصبة بشذى تلك الأمسية التي أصبحت موعدا سنويا منتظما يلتقي فيه جمهور الزاوية البوتشيشية القادرية وأهلها وفقراؤها للارتواء من منابع السماع والمديح الصافية. الأربعاء 24 شوال 1438 هجرية، رغم ما يزيد على أربعة عشر قرنا التي تفصلنا عن الهجرة المحمدية، لم تنقص المحبة لمحمد”ص” بل زادت، ولم تخفت جمرة الإيمان بالله بل ملكت النفوس. الزاوية القادرية البوتشيشية تربي، من خلال حلقات الذكر و أمسيات السماع والمديح، الناس على تصفية القلوب و تزكيتها وتهذيب العقول وتنقيتها سعيا إلى راحة الأجساد والأرواح، “ألا بذكر الله تطمئن القلوب”.
لهذا فالدّيــن المُحَمّدي لم يكن يوما ما دعـوة للشر، بل هو الخير كل الخير، يحمل رسالة العلم والتمدن والتحضر والسلم والسلام، وما بقاؤه راسخا في مشارق الأرض ومغاربها إلا تجسيد لنشره لقيم الاطمئنان والطمأنينة بين البشر حينما استحال العالم إلى فتن وتقهقرت الحياة إلى قلق مقيم رغم كل مظاهر التطور المادي، وهو الدين الذي يحرر الإنسان من العبودية ما استحدث منها وما اندثر.
وهكذا، وبعد تلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، استهلت المجموعة الجهوية للزاوية التي أحيت تلك الأىمسية برنامجها بالتعظيم الإلاهي من خلال أنشودة أسماء الله الحسنى المتهادية قوة ونعومة دالة على جبروت مالك الملك ورحمتة، واختتمتها بالتهليل المرتبط بالطبيعة والتربة، النافذ لشغاف القلب، وتوسط التعظيم والتهليل ابتهال وتسبيح وتكبير ودعاء… تضرعا وطاعة وعشقا وتأدبا… من الخلق في حضرة الخالق، كما تخلله مدح للشمائل المنفردة، ولهج بالحب لخير البرية محمد “ص” الذي تركنا على المحجة البيضاء، لا السوداء ولا الحمراء…، التي لايزيغ عنها إلا هالك، ثم نفث للواعج الحنين إلى المقيم في ديار الحجاز والمقام.
المجموعة اتحفت الجمهور بأصواتها المتناغمة وأدائها الهرموني رغم تنوع النبرات، فخامة ورقة، وتعدد المقامات والموازين بين خفيف وبطيء، والنغمات من حلو لأحلى، فتحلت الكلمات المختارة وتجللت المعاني الرائقة بحلل الجمال والرهبة في جو روحاني وخشوع رباني قلما تجود به أمسيات شفشاون على كثرتها.
وتم مابين الجزء الأول والأخير للأمسية الاحتفاء ببعض الوجوه التي تساهم في الارتقاء بالثقافة والأدب والفن، و التربية على القيم الصحيحة ومكارم الأخلاق، أو تقدم خدمات جليلة للناس، حيث تم تكريم الأسماء التالية: الشاعر عبدالكريم الطبال، العلامة محمد بن تحايكت، المهندس محمد السفياني، المدير عبدالمنعم الرحموني، والقابلة اللافاطمة الحداد. وقد ترأس مراسيم هذه الأمسية عامل إقليم شفشاون إسماعيل أبو الحقوق إلى جانب نائبي رئيس المجلس الإقليمي والبلدي: محمد الصبيطري وحسن الدحمان، بحضور شخصيات قضائية و مدنية وعسكرية، وجمهور غفير من المريدين والمحبين وأهل الله.
ولابد من القول إن الأمسية عادت بي إلى براءة الطفولة وصفاء الطبيعة حينما كنت أرافق أمي، أطال الله في عمرها، لزيارة شخصيات نورانية للتبرك بها بشتى أنحاء إقليم شفشاون المبارك، لازال سمتها الملائكي عالقا في مسام ذاكرتي، كما كنت أرتاد رفقتها بعض الزوايا التي لازال حفيف أذكارها ولا زالت نفحات أورادها تسكنني…، رغم شربي من كؤوس متعددة في مسار الحياة القصير