كتابات في تاريخ منطقة الشمال: “الطنجيون (8)”
جريدة الشمال – أسامة الزكاري ( الطنجيون )
الجمعة 08 شتنبر 2017 – 12:21:44
تتوزع مضامين العدد الثامن من دورية “الطنجيون” بين ثلاثة أقسام متكاملة، كتبت أولاها باللغة العربية، وكتبت ثانيتها باللغة الفرنسية، في حين كتبت ثالثتها باللغة الإسبانية. في هذا الإطار، وبعد الافتتاحية التي استحضرت فيها المجلة عبر ذكرى مرور تسعين عاما على نشأة مسرح سيرفانطيس، تم تخصيص الجزء الأكبر من مواد القسم العربي لمقاربة قضية الغازات الكيماوية السامة في شمال المغرب خلال فترة ما بين سنتي 1921 و1927. في هذا الباب، اهتم مصطفى المرون بموضوع وضعية منطقة طنجة في مواجهة الغازات الكيماوية السامة، كما توقف سعيد الخطابي في مساهمته التي سبق نشرها على صفحات جريدة “الاتحاد الأسبوعي” (ع. 46، 21 فبراير 2003) عند موضوع عبد الكريم الخطابي والحرب الكيماوية القذرة في الريف والتي اعتبرها الباحث عنوانا للهمجية الاستعمارية، مركزا في تحليله على إبراز كيف أن استسلام عبد الكريم إنما استهدف وقف نزيف الدماء الريفية.
أما عقو لبشيريت فقد تناول نفس الموضوع في مادة سبق نشرها بجريدة “الاتحاد الاشتراكي” (ع. 7121، 7 فبراير 2003 )، في شكل سلسلة حوارات وشهادات لرجال عايشوا الأحداث واكتووا بنارها. وفي نفس السياق كذلك، أعادت المجلة نشر مادة للمحامي مصطفى بن شريف (جريدة “الصحيفة”، 20 مارس 2003)، اهتم فيها بتوضيح حدود المسؤولية الدولية لإسبانيا وفرنسا في استخدام الغازات السامة في حرب الريف، وخاصة على مستوى المسؤولية الجنائية والمدنية والتعهدية.
وفي سياق آخر، قدم المحامي محمد الهواري لمحات من سيرة المقاوم الصلب الحاج مصطفى الصنهاجي المعروف ببنعثمان والذي وافته المنية خلال سنة 2002. وبمناسبة وفاة المؤرخ الرائد محمد حجي، أعادت “الطنجيون” نشر مادة علمية في شكل تنقيب دقيق في وثيقة مغربية جديدة حول زيارة إمبراطور ألمانيا غليوم الثاني لطنجة سنة 1905، وهي المادة التي سبق للفقيد أن نشرها بالعدد الثامن من “مجلة دار النيابة” الصادر سنة 1985. واحتفاءا منها بمعالم فضاءات مدينة طنجة، أدرجت المجلة مادة إعلامية حول مقهى الحافة باعتبارها معلمة من معالم طنجة التاريخية، وذلك استنادا إلى ما نشرته جريدة “الصباح” في عددها الصادر يوم 17 شتنبر 2002.
ومتابعة منه لآخر الإصدارات التاريخية ذات الصلة بماضي طنجة، قدم خلوق التمسماني قراءات مقتضبة في مضامين ثلاث دراسات هامة صدرت سنتي 2002 و2003، هي “سياسة المغرب الخارجية” (بالإسبانية) لميكل هرناندو دي لرامندي، و”بول بولز: التخييل والمثاقفة” لإبراهيم الخطيب، و”المغرب في مواجهة التحديات الخارجية” لعلال الخديمي.
وفي القسم الفرنسي من المجلة، قدم عبد العزيز بوليفة دراسة هامة حول تكوين أراضي الكيش بمنطقة فحص طنجة، وكذا أوجه تحللها واندثارها استنادا إلى تحليل استقرائي لتطورها التاريخي منذ سنة 1684. أما عبد المجيد بنجلون، فقد تتبع سيرة الريسوني انطلاقا من تقديم قراءة تشريحية في الدراسة الهامة التي أصدرها خلوق التمسماني سنة 1996 تحت عنوان “بلاد جبالة: المخزن، إسبانيا وأحمد الريسوني” (بالفرنسية). ومن جهته، رصد عبد الجبار ستيتو حضور طنجة في الكتابات الروائية المعاصرة، استنادا إلى بيبليوغرافيا منتقاة قدمت أهم الأسماء والأعلام التي وظفت فضاءات طنجة في أعمالها الإبداعية ذات الصلة. ومتابعة منها للإصدارات وللمواكبات الإعلامية الخاصة بمدينة طنجة، قدمت “الطنجيون” مقتطفات مما كتبه بوبكر الكوش حول طنجة في عمله الروائي الصادر تحت عنوان “une saison au paradis”، كما أعادت نشر بورتريهات لكل من الفنان التشكيلي محمد الدريسي (1946 – 2003) والكاتب لطفي أقلعي والمسرحي والسينمائي العربي اليعقوبي. وفي سياق آخر، أعادت المجلة نشر مادة إعلامية سبق نشرها بمجلة “دومان ماغازين” (15 فبراير 2003)، استحضر فيها صاحبها خطورة الفراغ القاتل الذي أصبح يميز المشهد الثقافي بمدينة طنجة. وفي آخر مواد القسم الفرنسي، اهتمت المجلة بإثارة حيثيات استقرار الأمريكي بيرديكاريس بحديقة الرميلات قرب طنجة عند نهاية القرن 19، ثم المآل القانوني الذي انتهت إليه هذه الحديقة بعد الاستقلال.
أما في القسم الإسباني من المجلة، فقد احتوى العدد على ثلاث مواد متكاملة حول معلمة مسرح سيرفانطيس، وذلك بالتركيز على إبراز ظروف التأسيس وكذا تأثيراته في وسطه الفني والثقافي والاجتماعي على امتداد العقود الماضية، ثم التنبيه لخطورة المآل المؤسف الذي انتهت إليه وضعية هذه المعلمة راهنا.
وبذلك، قدمت “الطنجيون” الدليل على حيوية توجهاتها التنقيبية، معيدة الاعتبار لأسماء اختفت عنا ولفضاءات لم يكن من نصيبها إلا التفريط والتشويه والتدمير. وبانفتاح المجلة على قضايا ظلت مغيبة في ماضي منطقة طنجة ومعها كل منطقة الشمال، تكون “الطنجيون” قد فتحت المجال واسعا أمام إمكانيات تطوير شغفها العلمي الرصين الذي يعيد الكشف عن الجوانب الخفية أو المسكوت عنها في وعي الناس، وكذا في تراكم الدراسات التاريخية التي جعلت من ماضي الشمال أساس انشغالاتها التنقيبية.