الغضب المغربي ضد “الحكرة” مقتل محسن فكري أخرج المغاربة إلى الشارع للاحتجاج “جمعة الغضب” بالحسيمة
الخميس 10 نوفمبر 2016 – 17:11:34
.. هَـزّت قضية المُـواطن محسن فكري الرأي العام الوطني بسبب تعرضه لـ “الطحن” داخل شاحنة للأزبال، على الشارع العام، وبأمر من السلطات الأمنية والإدارية المحلية. وتناولت الواقعة بالتفصيل، منابر إعلامية وطنية ودولية، في سياق التدليل على سوء تدبير الشأن العام من طرف من وكل إليهم ذلك، أمنيين ورجال السلطة ، وتسرعهم في اتخاذ مبادرات وقرارات دون مراعاة جانب الخطورة فيها بما قد تحمله من استفزاز وما قد يترتب عنها من ردود فعل ربما وصلت حد الكارثة.
ما قد يغيب عن تصور بعض الحكام، أن التدبير الجيد للشأن العام، لا يكون بالتطبيق الحرفي لنصوص جافة، بل في أسلوب تأويل النصوص والمسطرات،وطريقة التنفيذ، بعد ترسيخ ثقة المواطنين في الإدارة، وهو ما لا يمكن الإقرار به في الوقت الراهن، للأسف الشديد !… فاجعة الحسيمة حركت المغاربة من أقصى البلاد إلى أقصاها، حيث خرجوا بالآلاف، في عشرين مدينة من إحدى عشرة جهة، للتنديد بالحدث والمطالبة بمحاسبة المتسببين في سحق المواطن محسن فكري، بعد أن قرر من يقرر دائما، مصادرة شحنة الأسماك التي استدان لشرائها قصد الاتجار فيها ، وإتلافها داخل شاحنة الأزبال، على قارعة الطريق، دون المرور بالمسطرات المعروفة في مثل هذه الحالات، على مستوى تجار السمك والمندوبية الإقليمية للصيد البحري بالحسيمة وبالاعتماد على محضر أعد في دقائق معدودة، يقول بعدم صلاحية الأسماك المصادرة للاستهلاك، الأمر الذي تم بموجبه اعتقال أحد عشر متابعا، من بينهم مندوب الصيد وسبعة من الموظفين الذين قيل في وسائل الإعلام إن قاضي التحقيق تبنى التهم الموجهة إليهم وهي التزوير في محرر رسمي بالنسبة للمندوب الإقليمي للصيد ورئيس مصلحة الصيد وقائد المقاطعة الرابعة وخليفة الباشا المكلف بالشؤون الإدارية بينما تمت متابعة ثلاثة من عمال النظافة بتهمة القتل الغير العمد.
وعلم أنه بعد أن أنهى قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة، مرحلة الاستنطاق التمهيدي، وقرر متابعة ثمانية متهمين في حالة اعتقال وثلاثة من الشركاء، في حالة سراح، دعا الوكيل العام بنفس المحكمة المواطنين ممن حضروا وقائع الحادثة المأساوية إلى التبليغ بما لديهم من معلومات ولو في سرية تامة مساهمة منهم في نجاح مساعي التحقيق الذي يسعى الجميع إلى أن يكون نزيها ودقيقا وشاملا. ومعلوم أن حوالي ثلاثين ألفا من المواطنين ، من الحسيمة والمدن المجاورة، وحتى من مدن بعيدة، شاركوا في جنازة الراحل محسن فكري حيث شيعوا الموكب الجنائزي مشيا على الأقدام لما فوق العشرين كيلومترا، من الحسيمة وصولا إلى إمزورن، مسقط رأس الهالك، عبر جماعتي أجدير التاريخية وأيت يوسف وعلي. وكما كانت الحال خلال المظاهرات الشعبية الحافلة، فقد ساد الجنازة أجواء الانضباط على طول خط المسيرة التي كانت أيضا مناسبة لرفع شعارات قوية ضد الظلم والحكرة والتسلط والتحكم، وللمطالبة بالقصاص من الجناة.
إن نزول المغاربة إلى الشارع العام كان احتجاجا من أجل قيم روحية ورمزية كالكرامة والعدالة والحرية، وهي قيم تبرز مدى تشبع المغاربة أينما وجدوا بمبادئ العدل والإنصاف والتعلق بالكرامة والحرية ومدى كراهيتهم للاستبداد والظلم والحكرة، وهي حالات، للأسف الشديد، صارت في مخيلة الشعب، ملتصقة بتصرف الإدارة المغربية تجاه المواطنين.
ويكفي، في هذا الباب، ما ورد في الخطاب الملكي بمناسبة الدخول البرلماني حول الاختلالات الفظيعة الموجودة في تعامل الإدارة المغربية مع المواطنين. ولعل الكثيرين من المغاربة رأوا في التظاهرات والمسيرات المنظمة تنديدا بمقتل محسن فكري ، تعبيرا واضحا عن التضامن الوطني ضد الظلم والمهانة والاستبداد، وتمردا على الوضع الحالي، حيث إن المواطن لا يعدو أن يكون “رقما” تافها في حسابات رجالات الإدارة. هذه الفاجعة، عرت طبيعة العلاقة التي تربط المواطن بالدولة ومؤسساتها وفضحت حالة فقدان الثقة، ثقة المواطن في المؤسسات، وهو أمر خطير يجب تداركه بإعادة التوازن في هذه العلاقة وإرساء عامل الثقة الذي قد ينعكس سلبا، أو ربما انعكس في ما شوهد من مظاهر العزوف السياسي وأيضا في حالة الاستياء التي تظهر على المواطنين كلما تعلق الأمر بتدبير الشأن العام. إن عدم الثقة في مؤسسات الدولة وأجهزتها عموما أمر ترسخ في ذاكرة المواطنين عبر تعاملهم اليومي مع الإدارة، حتى أنهم صاروا يستخفون بخطب المسؤولين ووعودهم والضمانات التي يقدمونها في ما يتعلق بتحسين ظروف حياتهم والوعد بحل مشاكلهم والانتقال بهم إلى حياة الكرامة والحرية والمساواة.
وحين رفعت الجماهير الشعبية في مظاهرات الريف شعار “لا للحكرة” والتجاوب الشامل معها عبر كافة تراب البلاد، فإن “الحكرة” كانت في منطقهم بمفهومها الشامل الذي يعني الظلم والاستبداد والتسلط والاحتقار والمعاناة اليومية التي يواجهها المواطنون في تعاملهم اليومي مع الإدارة المغربية. فلو أن الولاة والعمال ورجال السلطة قاموا بالواجب المفروض عليهم في تطبيق القانون ورد الحقوق وحماية المواطنين ضد كل أشكال الظلم والغلو والاستبداد ، لما كان حصاد وزير الداخلية مضطرا اليوم إلى جمع رجال السلطة بهدف “تحسيسهم” بضرورة تطبيق القانون وحفظ كرامة المواطنين. إن هذه الأمور من واجباتهم الأكيدة ومسؤولياتهم المهنية.
إن الشعب المغربي يتتبع عن كثب مجريات البحث الذي تجريه السلطات المختصة في قضية شهيد “الحكرة” الحسيمي وينتظر إجابات مقنعة وواضحة حول تساؤلاته بخصوص ظروف مقتل محسن فكري كما ينتظر محاسبة الجناة ومعاقبتهم بما يستحقونه من عقاب، بصرف النظر عن صفاتهم أو حيثياتهم أو المظلات التي قد يسعون إلى الاحتماء بها !!!….
“جُمعة الغضب” بالحسيمة
وبعد أن عرفت الحسيمة ومعها مختلف المدن التي شهدت حركات تنديد بمقتل المواطن محسن فكري، تجددت كما هو معلوم، مساء الجمعة الماضية، بمدينة الحسيمة الاحتجاجات الشعبية، حيث تجمع الآلاف من المتظاهرين الذين حملوا الشموع، في ساحة الشهداء بمدينة الحسيمة وهو المكان الذي قتل فيه محسن الحسيمة، مساء الجمعة الماضي داخل شاحنة الأزبال وهو يحاول إنقاذ بضاعته من الإتلاف الذي أمرت به سلطات مدينته.
المشاركون في هذه المظاهرة، أكدوا أن مقتل محسن فكري لا تخصه وحده أوأسرته أو مدينة الحسيمة، بل تخص جميع المغاربة “المطحونين والمقهورين”. وأن تحرك سكان الحسيمة جاء للتنديد بالظلم والقهر الممارس من طرف “لوبيات” الفساد في المؤسسات، وللتحذير من مغبة الالتفاف على الملف وللمطالبة بتسريع التحقيق ومحاسبة الجناة . وفي مسيرة الشموع، خلال “جمعة الغضب” الحاشدة التي نظمت في الحسيمة، وانتهت بنجاح تام دون تسجيل ما قد يمس بطابعها السلمي ، “رسالة” إلى كل الجهات في المغرب التي كانت تحذر من “الفتنة” ورسالة أيضا إلى العالم، تُبين وعي ونضج ووطنية أهل الريف الشرفاء.
فقد تطوعت أعداد من الشباب لتأطير المظاهرات وتحصين المنشآت والبنايات الرسمية والخاصة والممتلكات العامة، ليلقنوا المتخاذلين وأصحاب النيات السيئة، أن أهل الريف ذوو وعي ومسؤولية و”رقي في الاحتجاج”، وأنهم تصرفوا تصرفا مسؤولا، ليدحضوا ادعاءات المتقولين عليهم بمحاولة “إيقاظ الفتنة”، بل إنهم بتظاهرهم المنظم والسلمي، أرسلوا رسالة إلى من يهمهم الأمر، أنهم مواطنون شرفاء ومغاربة أقحاح وأنهم حملوا رسالة شهيد الحسيمة إلى المغاربة وإلى العالم بشكل سلمي وحضاري ومسؤول….