الـدّين المستور ..
الخميس 21 أكتوبر 2016 – 16:49:39
.. لطالما التقينا بدُعـاة الأديـان، أو استمَعنا لمُحاضَراتهم، وخُطَبهم، ومَواعظهم، كل بخلفيته، ومَرجعيتهِ التي يدعمها برزمانة من الأدلة والبراهين، ونصوص دينية جعلها تناسب رأيه، حتى رأى قوله هو الحق الوحيد.
على ذِكر الحق، أتذكر ذات مرة كنا في جلسة نناقش مع بعض الشباب المهتم بنقاش الأديان، فقال أحدهم الحق هو الإسلام، وقال آخر الحق هم السنة، وقال آخر الحق هم أهل السنة والجماعة .. لم أتمالك نفسي، وقلت من غير سابق تفكير: الحق هو الله، فهو الذي سمى نفسه بذلك، وما دونه سراب ! حينها علم الشباب على تفطن، ما قصدت، وأين ذهب قولي، فلا داعي إذن أن نتزايد على بعضنا في من الحق، فالحق هو الذي لا شريك له، أما نحن فكل منا له قسمة، ولا يوجد منا من هو على الحق كلية، وإلا كان لنا الكمال، وهذا مستحيل. جلنا نحن المسلمين، يعتقد أننا نروج للناس التعريف بالدين الإسلامي حقيقة، ونعرفهم بحقيقة وكنه رسالة الإسلام، وهذا خطأ فادح على ما أعتقد، لأن رسالة الإسلام، هي محجة بيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فإذن لماذا (هلكنا) إن كنا على المحجة البيضاء ؟! أكيد هو زيغان ! بكل الجرأة والصراحة: نحن نبيع للناس الوهم ! نحن نروج للعالمين غير ما جاء به الدين، نحن متشددون ..
نحنُ ننشر العُنف .. نحن نكذب، نحن نغش .. فعن أي رسالة نتحدث ؟ دعونا مما نقول، ولكن كيف هو سلوكنا، والدين يرى في الأفعال، قبل أن يحتاج إلى التنظير ! قراءتنا للقرءان، تجزيئية، تقطيعية للنصوص، نقرأ بشفة واحدة، ونرى بعين واحدة، ونسمع بأذن واحدة، حتى جعلنا الدين يضرب بعضه بعضا، فخشيه الناس، وفهموا أنه مصدر التشدد والعنف، قبل أن يكون دين سلام حقا ! معظم المسلمين اليوم حين يسمعون أحدا يتكلم في السلام باسم الإسلام، ويتكلم عن التسامح، التعايش، الحق في الاختلاف …
يقولون هذا مداهن، هذا يغازل الغرب -الكافر- ! لأنه في داخله يعتقد جازما، أن دينه يمتلك الحقيقة المطلقة، ومن حقه أن يعنف الآخر، مستشهدا ومقنعا نفسه بأحداث تاريخية من التايخ الإسلامي، والتي مصدرها الحقيقي السياسة والهوى، لا الدين ! نحن اليوم نستحي أن نقول كلمة “جهاد” لأننا نراها كلمة إرهاب، وهذا أكبر دليل على أننا نعتقد في ديننا العنف، وهو الذي ليس كذلك بالمرة ! لنتوقف قليلا مع الكلمة، رغم أنها أكبر من أن يسعها مقال صغير، أو تدوينة متواضعة .. كلمة الجهاد في القرءان والسنة لاخوف منها، ولكن الخوف ممن يقولها بمعنى العنف، لأن القرءان استعمل كلمة الجهاد، ثم استعمل كلمة القتال، والبون شاسع في تفسيرهما، ولو كان لهما نفس المعنى لما احتاج للتكرار؛ أصلا لا توجد كلمة تحمل نفس معنى كلمة أخرى في أي لغة على الإطلاق ! كذبنا على الناس فقلنا كل جهاد حرب، وتقتيل، ولم نقل لهم حقيقة الجهاد في الدين، من أنه لا يكون إلا للدفاع عن حوزة الأمة، وأنه منظم مهيكل له دستوه المنظم، وليس كما يروج له مختلف أبناء الأديان، وهذا إن سمّي بالقتـال، أما الجهـاد فهو أعم من ذلك، فطالب العالم مجاهد، والعابد مجاهد، والمستخدم مجاهد، والمحافظ على الصلوات الخمس مجاهد، وخادم وطنه مجاهد.. القرءان لا يستحي من استعمال المفردة في مكانها، وكان جريئا في إطلاق القتال في محله، والجهاد في محله، وكل موضع له دلالاته الخاصة..
لم نقل للنـّاس أن القرءان، كتاب هداية، ومنهج حياة، وليس قانونا فقط، هذا حلال وهذا حرام، بل فيه المباحات وهي متعددة، وفيه قضايا المعاملات، وفيه وفيه.. لم نقل للناس شيئا عن البعثات السلمية التي أرسلها رسول الله، والتي فاقت الأربعين، قلنا لهم فقط (أسلم تسلم) دون أن نعرف حتى معناها ! لم نرو للناس أحاديث المعاملات، والآداب الإسلامية، وأثقلنا عليهم فقط بهذا حلال وهذا حرام ! حتى قال لي قبل أيام أحد الأساتذة المحترمين، من أساتذة الفلسفة والفكر، بعد مناقشة أحاديث في المعاملات: أين تُحتكر هذه الأحاديث ؟ سترنا عن الناس جل كتب الحديث، وجزأناها تجزيئا ! بداية بكتب السنن.
أغلقنا على الناس كثيرا من أبواب المباح، حتى قاربنا على إغلاق باب الرحمة المحمدية المهداة. إلى غير ذلك من الأمور التي كتمناها، تبعا لتخلفنا الفكري، وجهلنا بحقيقة الدين، وانه مصدر الحل لا المشكل، ومصدر الرحمة لا العنف، ومصدر السلم لا الحرب، ومصدر النور لا الظلمة، والعجيب أن كلنا يدعي أنه ابن الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة. حان الوقت كي نعيد النظر في دواخلنا، والتريث في إصلاح الداخل، قبل الانفتاح على الخارج، حتى نصل حقيقة ل (لتبيننه) على حقيقته (للناس ولا تكتمونه).