الفنان الفوتوغرافي الشفشاوني أحمد بن الأمين العلمي في”أحاديث الأمكنة” بتطوان
جريدة الشمال – عبدالحي مفتاح ( أحمد بن الأمين العلمي )
الخميس 04 ينــاير 2018 – 18:49:59
مسار الفنان أحمد بن الأمين العلمي في فن التصوير الفوتوغرافي يتعدى خمسين سنة، حيث برزت موهبته حينما كان طفلا في الرابعة عشر من عمره، وقد صقل موهبته في مدينة تطوان على يد “مصورين/معلمين” مغاربة و إسبان، قبل أن يعود إلى مسقط رأسه ليمارس التصوير، منذاك إلى الآن، كفن وحرفة، وهو فنان ومهني لم يسجن نفسه في قالب جامد بل ساير التجديد السريع الطارئ في مجال التصوير، وفي حين لم يستطع عدد من المصورين الفوتوغرافيين بمدينة شفشاون التكيف مع هذا التجديد وأفل نجم جلهم، استطاع الفنان أحمد بن الأمين العلمي البقاء بل الارتقاء بموهبته ليصبح أحد الفنانين الفوتوغرافيين المرموقين على الصعيد الوطني والعربي والدولي.
والفنان أحمد بن الأمين العلمي استطاع بحدسه المهني وحسه الفني وذكاء خبرته الذي لا غبار عليه أن يخلق مدرسة لهواة التصوير الفوتوغرافي ويجعل من شفشاون، مدينة وإقليما، قبلة لهذا الفن، وهو الآن يترأس المهرجان الدولي للتصوير الضوئي الذي ينظم بشفشاون كل سنة من طرف جمعية “الشاون أونلاين” بتنسيق مع اتحاد المصورين العرب، وقد رسخ هذا المهرجان قدمه في خريطة المهرجانات الخاصة بالتصوير (المهرجان نظم خمس دورات حاليا)، وأخذ يستقطب فنانين كبار من شتى بقاع العالم،
المعرض الحالي للفنان أحمد الذي تحتضنه مدينة تطوان، والذي سبقته معارض متعددة فردية وجماعية للفنان داخل وخارج المغرب، يضم أكثر من عشرين صورة بعضها مأخوذ بالأبيض والأسود كتعبير عن الحنين إلى زمن البدايات؛ وتطوان كانت ربما طفرة في هذا الزمن ومرحلة أساسية للانتقال بشغف التصوير من الرعشة إلى التمكين.
في هذا المعرض يكرس أحمد بن الأمين العلمي نفسه كفنان يحتفي بالطبيعة والإنسان والعمران أو لنقل بالحياة، ويدهشك في صوره بالمستويات المتراكبة، وبكيمياء الألوان، وروعة الظل والضوء، وتعانق الحركة والثبات، وتشابك العناصر المتفرقة في انسجام فاتن أو انعكاس رائع.
في صوره الناطقة والموحية التي عنونت ب: أزمنة العبور، إطلالة، نظرة، مقام، غدير، المساء يحكي، الجبهة، الانتظار، باب القرن، طفل يسأل، غروب، خريف، العابر، أشجار تحكي، أفق، تأمل، بيت قديم، عبور،أضواء المكان، دافيد…، يدعونا الفنان أحمد بن الأمين بريشته التصويرية (كاميرته) إلى التأمل في جمال مايحيط بنا من قسمات الوجوه وعذوبتها، وأحاديث الأمكنة الباذخة، ومونولوج الإنسان وحواراته الدافقة أو الدافئة أو الهادئة مع أخيه الإنسان أوالفضاء الذي يسكنه أو يمشي فيه، كما يذكرنا بغفلتنا التي تسرق منا اقتناص لحظات المتعة في مجرى الحياة العابرة.
وكل صورة في هذا المعرض لها فرادتها وزاوية رؤيتها التي تبهرك و وتوقظ نهمك إلى صورة أخرى، وترى الصور كلها في النهاية وكأنك شربت كأسا من ملكوت الخالق لا تريد توقف الانتشاء به، وهي صور التقطت بمدينة شفشاون ومحيطها… وتحمل، في تقديري، رسالة من الفنان ترمي، تلميحا لا تصريحا، إلى حماية الموروث الطبيعي والعمراني، وتنتصر للتوازن المطلوب في حياة الخلق والسعي، بمعنى ما، إلى عزف سمفونية الوجود أو إلى وحدته.
الفنان أحمد بن الأمين العلمي، يؤكد في هذا المعرض الذي لا يشكل إلا قطرات من فيضه، أنه فارس من فرسان الصورة، استطاع بروحه المبدعة أن يسخر تقنية التصوير في القبض على بعض من أسرار الكون والحياة، وصوره التقطها من الواقع لكنها تتعالى عليه وتتجاوزه، وأحيانا يختلط عليك وأنت أمام إحدى صوره إن كنت أمام لوحة تشكيلية أم صورة فوتوغرافية…
فما أروع الخالق في خلقه، وطوبى للفنان المبدع أحمد بن الأمين العلمي بسحره ولكل الفنانين في مشارق الأرض ومغاربها…