الكلمة الطيبة ..
الجمعة 18 مارس 2016 – 15:14:56
يقول الله عزَّ وجـل: ألم ترَ كيف ضربَ اللهُ مَثــلاً كَلمة طيّبة، كـشجـرة طيّبة أصلُها ثـابت وفرعُها في السّماء تُـؤتي أكلها كـلّ حينٍ بإذن ربّها، ويضرب الله الأمثـال للنـّاس لعلّهـُم يتذكّرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثّت من فوقِ الأرض مالها من قرار يُثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء،
ويقول رسول الله : ((إن العبد ليقول الكلمة لا يقولها إلا ليضحك بها المجلس، يهوي بها أبعد ما بين السماء والأرض، وإن المرء ليزل عن لسانه أشدّ مما يزل عن قدميه)) رواه البيهقي.
إنَّ مِمَّا ينبغِي أنْ يعتقدَهُ المسلمُ ويوقنَ بهِ أنَّ اللهَ تعالَى مطَّلِعٌ عليهِ، ويراقبُهُ فِي سائرِ تصرفاتهِ القوليةِ والفعليةِ، وأنَّ الجوارحَ والأعضاءَ التِي أنعمَ اللهُ عزَّ وجلَّ بِهَا عليهِ هِيَ أماناتٌ سيسأَلُ عنهَا يوم القيامة، قالَ تعالَى 🙁 إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) فإنِ استعملَهَا فِي طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ كانتِ السَّعادةُ فِي الدُّنيا والفوزُ فِي الآخرةِ، وإنِ استعمَلَهَا فِي غيرِ ذلكَ كانَ الشَّقاءُ فِي الدُّنيَا والخُسرانُ فِي الآخرةِ، ومِنْ أعظمِ هذهِ الأعضاءِ اللِّسانُ، فهوَ مِنْ أشدِّهَا تأثيراً علَى حياةِ الفردِ والمجتمعِ، لهذَا كانتِ العنايةُ بهِ عظيمةً، والمسؤوليةُ عنهُ كبيرةً، فقد شرعَ لنَا ربنا منهاجاً عظيماً يُرشدُنا إلَى الطَّريقِ السَّليمةِ فِي استعمالِ اللِّسانِ وتسخيرِهِ فيمَا يعودُ علينَا مِنْ خيريِ الدُّنيا والآخرةِ، وبِمَا يُؤمِّنُ لنَا السَّلامةَ والسَعادةَ والطُّمأنينةَ، لذلكَ دعَا الإسلامُ إلَى الكلمةِ الطيبةِ، واجتنابِ الكلمةِ الخبيثةِ، فالكلمةُ الطيبةُ تجعلُ صاحبَها محبوباً بينَ الناسِ، وموفقاً منتجاً فِي سائرِ أعمالِهِ، وتنشرُ فِي المجتمعِ المحبةَ والمودةَ والأمنَ والأمانَ بينَ أفرادِهِ، ومِنْ أمثلةِ الكلمةِ الطيبةِ التِي تؤلِّفُ بينَ القلوبِ وتوحِّدُ الصفوفَ وتنْزَعُ الحقدَ والحسدَ والضَّغينةَ والبغضاءَ والكراهيةَ مِنَ النُّفوسِ قولُ الصِّدقِ وإفشاءُ السَّلامِ والإصلاحُ بينَ الناسِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم « لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ »
وليحذرِ المسلمُ مِنَ الكلمةِ الخبيثةِ الَّتِي توردُهُ المهالكَ فِي الدُّنيا والآخرَةِ، وُتذْهِبُ بثوابِ عملِهِ الصَّالِحِ، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ قُلْتُ : يَا نَبِىَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ :« ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِى النَّارِ عَلَىوُجُوهِهِمْ – أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ – إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ».
فما المقصود بالكلمة الطيّبة، إنّ كل كلمة تشيع الخير بين النــاس فهي كـلمة طيبة، كل كلمة صادقـة فهي كلمة طيّبة، كـل نصيحة فهي كلمة طيبة، كل كلمة فيها أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر فهي كلمة طيبة، سلامك على أخيك كلمة طيبة، جوابك على سؤال أخيك كلمة طيبة، توجيهك لأخيك التائه في الطريق كلمة طيبة، تعليمك لأخيك ما ينفعه في دينه ودنياه كلمة طيبة، اللين في الكلام كلمة طيبة… وبالمقابل فالكذب كلمة خبيثة، والغيبة كلمة خبيثة، والنميمة كلمة خبيثة، وشهادة الزور كلمة خبيثة، ورمي الناس بالباطل كلمة خبيثة، والضحك على الناس كلمة خبيثة، ورمي الناس بالألقاب التي لايرضونها كلمة خبيثة، والإغلاظ في الكلام كلمة خبيثة، وكل لغو في الكلام كلمة خبيثة… فاللسان هو الميزان الذي توزن به الرجال، وتعرف به أقدارها، ما صلح منطق رجل إلا ظهر ذلك على سائر عمله، ولا فسد منطق رجل إلا عرف ذلك من سائر عمله، قال رسول الله : ((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه))،
إنَّ صاحبَ الكلمة الخبيثة لا ينطق إلا بأقوال أثيمة، لسانه لماز، وبصره غمّاز، حديثه بذاء، وفعله عدوان، لا يذكر عظيم إلا استحقره، ولا يرى كريم إلا نال من عرضه يتعمد الكذب، ولا يتعمد الكذب إلا متملق منافق، فهو عنوان سفه العقل، وسقوط الهمة، وخبث الطوية، وجبن النفس، وقديما قال الحكماء: ” لم يكذب أحد قط إلا لصغر قدر نفسه عنده “، ومن قلّ إيمانه بربه وخفّ من يوم الحساب خوفه، لا يبالي أن يلبس الحق بالباطل، ويصور الأشياء على غير الواقع، ويكيل التهم جزافا لأهل الحق، ومن اشتهر بالخير زورا وبهتانا وتملقا وعدوانا، سيما إن اتخذ من فهمه القاصر للدين دعما لذلك الزور والبهتان، إن الكلمة يشتد خبثها ويعظم وزر الكذب فيها إذا اتسع نطاق ضررها، فالذي ينشر على الملأ خبرا باطلا، والذي يخدع الناس في القضايا الكبرى، والمدّاح الذي يتخذ من المدائح الفارغة بضاعة يتملق بها الأكابر ويكيل الثناء للوجهاء، ويهرف بما لا يعرف، فيصف الجبان بالشجاعة، والظالم بالعدالة، والبخيل بالكرم، كل أولئك يرتكبون جرائم عظيمة، ويجرون على عواقب وخيمة، وفي خبر البخاري رحمه الله عن النبي فيما حدث به مما رآه من أنواع عذاب أهل النار فكان مما قال: ((أما الذي رأيته يشق شدقه في النار، فكذاب يكذب الكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به ذلك إلى يوم القيامة)).
إن أمتنا تعيش الآن أزمة عظمية في فقد الصدق الذي حل محله التناقض بين الأقوال والأعمال في كل شيء فانعكس ذلك على أحوالنا وتربيتنا وتعليم أولادنا، والله وحد المستعان، على ألسنة تصف، وقلوب تعرف، وأعمال تخالف، إن من لطخ لسانه برحى الكذب وخبيث الكلم، لا بد أن تبدو سريرته وينكشف أمره، فلا يلقى من الناس إلا الازدراء والمنقصة، أما أهل الحق والإيمان فيهديهم ربهم إلى الطيب من القول ويهديهم إلى صراط الحميد، فإذا منَّ الله على عبده بصدق اللهجة، وطيب الحديث، شرف قدره، وطابت حياته، وعرف بقوة الإرادة ورجحان العقل، وسلامة الطوية، والناس في معاملاتهم لا يطمئنون إلا إلى صدوق اللسان، فحكمه عندهم عدل، وشهادته بر، ومعاملته بركة، يأمنونه على أموالهم وأهليهم مؤتمن في الأحياء وفي الأموات، في الوصايا والأوقات في الودائع والأمانات، ولا يستقيم لأحد سؤدد أو يحرز في قلوب الناس منزلة إلا حين يهبه الله لسان صدق، فيصّدقونه الناس إذا تحدث ويفقدونه إذا غاب.
وما أجمل أن يعودّ الإنسان لسانه الجميل لين القول فإذا ما تكلم لم يقل إلا خيرا، والكلام الطيب العف يجمل مع الأصدقاء والأعداء جميعا وله ثماره الحلوة، فهو مع الأصدقاء يحفظ مودتهم، ويستديم صداقتهم، يمنع كيد الشيطان أن يوهي حبالهم ويفسد ذات بينهم ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم يقول صلى الله عليه وسلم : إنكم لن تَسَعُوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الُخُلق)) ، إن الحرمان مع الأدب خير من العطاء مع البذاذة، يقول الله جل وعلا : قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم يقول أبو عبد الله القرطبي في تفسيره : ” ينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينا، ووجهه منبسطا مع البر والفاجر من غير مداهنة، لأن الله قال لموسى وهارون: فقولا له قولاً ليناً .. . فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما ربهما باللين معه “، وقال طلحة بن عمر: قلت لعطاء : إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة، وأنا رجل فّي حدّة فأقول لهم بعض القول الغليظ فقال : لا تفعل ،يقول الله تعالى: وقولوا للناس حسناً قال عطاء: ” فدخل في هذا اليهود والنصارى فكيف بالحنفي “، وقال شريك بن سنان لسعيد بن جبير رحمه الله : ” المجوسي يوليني من نفسه ويسلَّم علي أفأرد عليه، فقال سعيد: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن نحو ذلك، فقال : لو قال لي فرعون خيرا لرددت عليه “.
فأين من أباحوا لنفسهم مقاطعة الناس وإسماعهم من الكلام أقبحه وأسفه، ولم يمسكوا زمام ألسنتهم عن الشتم والسب، وهذا الصنف إذا سلط ذلاقته على شؤون الناس ونياتهم أساء، وإذا سلطها على حقائق الدين شوه جمالها، وأضاع هيبتها، وحرف قصدها، قال رسول الله : ((إن أبغض الرجال إلى الله الألدَّ الخصم)) أخرجه النسائي.
إن الكلام اللين كما يقول بعض الحكماء : ” يغسل الضغائن المستكينة في الجوارح “، فكل كلام لا يضر في دينك، ولا يسخط ربك، ويرضي به جليسك فلا تكن به بخيلا يعوضك الله به ثواب، ومن كلام وهب بن منبه: ” ثلاث من ُكنَّ فيه أصاب البر، سخاوة النفس، والصبر على الأذى، وطيب الكلام ” متفق عليه.
ومن حديث عدي بن حاتم: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم يكن فبكلمة طيبة)) وعن أبي المقدام عن أبيه عن جده قال : قلت للنبي أخبرني بشيء يوجب الجنة، قال: ((عليك بحسن الكلام وبذل الطعام)) أخرجه البخاري والحاكم وابن حبان.