مبدأ فصل السلط المبتدع من المفكر الفرنسي “منتسكيو” من أحكم القيم التي أنتجتها الإنسانية، بفضله أصبحت الدول المتبنية للديمقراطية تضع نظاما فاصلا بين كل من السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وإذا كانت السلطة التشريعية يطلع بها ـ من حيث المبدأ ـ البرلمان بصفته مؤسسة تصدر القوانين، والقضائية تمارس في المحاكم تحقيقا للعدل والإنصاف بين المتنازعين والمتقاضين، فإن السلطة التنفيذية تعرف تعددا وتميزا في مستويات القائمين بها.
وينص الفصل 89 من الدستور المغربي أن الحكومة تمارس الوظيفة التنفيذية، عبر مؤسساتها المركزية بالعاصمة، أو من خلال المندوبيات والمصالح الإدارية في الأقاليم. وتمتد مصالح الحكومة المركزية على الأقاليم والجماعات عن طريق الهرمية الإدارية، بناء على تفويضات تهم الاختصاص أو التوقيع من الوزير إلى المدراء في الأقاليم.. وبذلك تكون السلطة التنفيذية تمارس على مستويين، الأول في العاصمة ويطلق عليه “مركزيا” والثاني في الأقاليم ويسمى “لا مُمركزا”، حيث إن النظام الإداري المغربي يقوم على تجانس بين المركزي واللامُمركز.
وعلى صعيد مواز، تعمد الدول الديمقراطية إلى إشراك السكان في تدبير الشأن العام، خاصة من منطق الاستفادة من مزايا القرب الذي يتيح دراية واضحة بالحاجيات والمقومات والإشكاليات المحلية المختلفة والمتميزة بالضرورة من منطقة لأخرى، وأيضا من باب الاقتناع باستحالة تدبير كافة التراب المغربي من العاصمة.
وبناء على ذلك، وتطبيقا للديمقراطية التمثيلية والتشاركية، أنشئت بالمغرب منذ 1960 وحدات ترابية معنوية تسمى جماعات ترابية، وتقسم بين مستوى جهوي، إقليمي وجماعي (محلي)، تنتخب مجالسها عبر انتخابات، وتتداول على سلطة التدبير كل ست سنوات.
وتحدد قوانين صلاحيات واختصاصات كل جماعة ترابية، وتحاط في ذلك بمراقبة من وزارة الداخلية والمالية، إلى جانب الرقابة القضائية، إلا أن محاسبة مردوديتها تكون من طرف الساكنة، لأنها هي التي منحتها الثقة بناء على وعود وبرامج..
يتبين أنه إلى جانب النظام المركزي “La Centralisation” وتفريعاته بالأقاليم (اللاتمركز “La Déconcentration”)، توجد هيئات محلية تمارس بعض صلاحيات السلطة التنفيذية، ويسمى هذا النظام باللامركزية “La Décentralisation”.
ممارسة المركزية واللامركزية بالمغرب:
تُمارس السلطة التنفيذية بتواز بين المركزية واللامركزية بالمغرب منذ الاستقلال، إلا أنها لا زالت تواجه العديد من النواقص وأوجه الخلل، فعلى المستوى المركزي نذكر معضلة البيروقراطية وما تحمله من تعقد وبطء في المساطر الإدارية، إلى جانب تواضع التجهيزات المادية والبشرية مع إجحاف في تغطية متكافئة للتراب الوطني.. وقد حملت مقتضيات الميثاق الوطني للاتمركز الإداري عدة ركائز إصلاحية، نذكر منها:
ـ جعل التنظيم اللامُمركز موازيا للتنظيم اللامركزي، من خلال توزيع ونقل السلط المركزية مع تخويل الاعتمادات اللازمة لذلك.
ـ تشجيع التوطين الترابي للسياسات العمومية، عبر أخذ الخصوصيات الجهوية والإقليمية بعين الاعتبار في إعداد هذه السياسات وتنفيذها وتقييمها.
ـ ضمان تقاطع السياسات العمومية وتجانسها وتكاملها، فضلا عن تحقيق التعاضد في وسائل تنفيذها.
ـ الإنصاف في تغطية التراب الوطني من خلال توزيع جغرافي متكافئ لمصالح الدولة اللامُتمركزة.
ـ فتح المجال لاتخاذ المبادرة تحقيقا للفعالية والنجاعة.
أما على مستوى اللامركزية، فهي ما تزال تتخبط في نفس الإشكاليات منذ تجاربها الفتية الأولى، من:
ـ الازدواجية والتداخل الذي يطبع الاختصاصات..
ـ التقطيع الترابي الذي يراعي الجانب الأمني والضبطي أكثر من التنموي..
ـ مشاكل القوانين الانتخابية التي لا تساعد على بلورة أغلبية متجانسة قوية..
ويعيد أسلوب الرقابة الإدارية والمالية الممارسة على الأجهزة المنتخبة سيناريوهات الوصاية التي تعيق استقلال القرار المحلي وتفرغه من بوادر الذكاء الاقتصادي الترابي وتبعده عن الإبداع والاعتماد على الموارد المحلية واستغلالها.
ونشير آخرا، إلى أنه لتجاوز العيوب في أفق خلق مجال ترابي قوي، فإن الإصلاح يجب أن ينصب على المستويين اللامُمركز واللامركزي معا وبشكل متجانس، إذ إن ممارسة الصلاحيات المحلية أو الجهوية في إطار سياسة القرب، يحتاج لممثلين مركزيين في التراب مستقبلين حاضرين ومتفاعلين.