يعرف النزاع المفتعل حول قضية الصحراء، متغيرات مرحلية جد مهمة، بعد قرار مجلس الامن الدولي بتمديد بعثة المينورسو لمدة عام واحد بمقتضى القرار رقم 2548، وبعد الإنجازات الجيوسياسية التي بدأت بإعلان العديد من الدول فتح قنصليات بالأقاليم الجنوبية، في خطوة إيجابية تفيد اعتراف هذه الدول بمغربية الصحراء، وأحقية المغرب المشروعة على جميع الأقاليم الجنوبية، وأتممت بقرار الإدارة الأمريكية التي اعترفت بمغربية الصحراء، بمقتضى قرار رئاسي وكذا عزمها فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة.
صحيح أن المرتكزات الشرعية لمغربية الصحراء ثابتة وتمتد تاريخيا إلى ما قبل1884، أي قبل مؤتمر برلين الذي عمدت فيه الدول الأوروبية العظمى إلى تقسيم القارة الإفريقية، وقبل اقبال اسبانيا على استعمار الساحل الغربي للداخلة في نفس السنة، وثابتة أيضا بحكم العلاقات الداخلية بين شمال المغرب وجنوبه القائمة على البيعة، وكذا العلاقات الخارجية بين المغرب وبعض الدول بحكم المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وعلى سبيل المثال لا الحصر المعاهدة المبرمة بين المغرب وبريطانيا سنة 1895 والتي نصت على كون “الأرض الموجودة بين واد نون وبوجذور والأراضي التي بعدها في الساقية الحمراء هي ملك للمغرب”، كما أثبت التاريخ أن سكان الجنوب كانوا في تواصل دائم مع السلطنة المغربية فسنة 1905 قامت ثورة احمد الهيبة في الجنوب من أجل ابعاد الفرنسين بالاتفاق مع المولى عبد الحفيظ، وأيضا في سنة 1966 اعتمد المغرب على أبناء المنطقة لإجلاء الاستعمار، وفي هذه الفترة لم يكن هناك تواجد لا للبوليساريو أو للجزائر .
وصحيح أيضا أن هذه الحيثيات التاريخية، تثبت مبدأ الاستمرارية التي اعتبرتها محكمة العدل الدولية روابط سيادية إقليمية بين المغرب والصحراء، كما تثبت أن روابط التواصل بين شمال المغرب وجنوبه لم تنقطع سواء اقتصاديا أو سياسيا أو اجتماعيا . كما عززه قرار مجلس الأمن رقم 380 المتناغم مع المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يطالب المغرب واسبانيا بالتفاوض لإيجاد حل سلمي للاحتلال الاسباني للأراضي المغربية، وعلى إثر المفاوضات تم التوصل إلى معاهدة مدريد في نوفمبر 1975، التي نتج عنها انسحاب اسبانيا من الصحراء في فبراير 1976.
غير أنه يبدوا، من الوضع القائم أن الجهود الدولية لحل القضية لم تصل إلى المراد منها، فالمينورسو التي تم إحداثها بمقتضى قرار مجلس الامن الدولي رقم 690 سنة 1991 بهدف تدبير فترة انتقالية، والاشراف على الاستفتاء بالأقاليم الصحراوية، تحت إشراف مندوب خاص للأمين العام للأمم المتحدة، قد فقدت جدوى وجودها، فقد مر ما يقارب 30 سنة دون أن تحقق البعثة الأممية الهدف من احداثها، وحتى ما يهم مراقبة وقف إطلاق النار كأحد المهام الرئيسية الموكولة للبعثة، تبين أنها عاجزة عن تولي هذه المهمة، بعد أزمة معبر الكركرات التي أدت إلى تأجيج الصراع بين الجانبين، وهذا ما يؤدي إلى طرح سؤال محوري حول جدوى المينورسو، وعن أهمية الاستفتاء في ظل الاعترافات الدولية، وأيضا في ظل الاختلالات الكبرى عرفتها تجربة الاعداد للاستفتاء وما ارتبط بها من صعوبة تحديد الكتلة الناخبة والتلاعبات التي طالت هوية المستفتين.
كما يبدوا أن قرارات مجلس الأمن بخصوص ملف الصحراء خجولة، فبعد اعتماده لقرار 2285 التي دعا من خلاله أطراف النزاع للعمل على إظهار الإرادة السياسية للدخول لمرحلة أكثر موضوعية من المفاوضات، ما زالت الدول الأعضاء من خلال مجلس الأمن تتشبث بقيام المينورسو بمهامها، تعيين مبعوث أممي وحل النزاعات بالطريقة السليمة والالتزام بتنفيذ قرارات مجلس الامن والقانون الدولي، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن موقع المقترح المغربي القاضي باعتماد الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية تحت الرعاية المغربية في الوقت الحالي بالنسبة للأمم المتحدة بعد هذه المتغيرات المطروحة.
بعد الهزة الدولية التي خلفها المرسوم الرئاسي الأمريكي، ليس باعتبار أمريكا من الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن فقط، وإنما أيضا باعتبارها حاملة للقلم به، ما يعني أنها الطرف الذي يقود النقاشات وصياغة القرارات في المجلس، تطرح مسألة ملحة تتعلق بنقطة ذات أهمية كبرى، ترتبط بأجهزة الأمم المتحدة، خاصة بأعمال اللجنة الرابعة للجمعية العامة، والمهتمة بالمسائل السياسية الخاصة وانهاء الاستعمار، فالضرورة الملحة تفرض اليوم معالجة مسألة تشطيب قضية الصحراء من جدول أعمال اللجنة، والمدرجة تحت البند الرابع 14/15 المؤسس للأمم المتحدة، لأنه مادامت قضية الصحراء في نظر الأمم المتحدة وفي فلسفتها مسجلة تحت هذا البند، تبقى دائما متداولة في هذه اللجنة باعتبارها منطقة مستعمرة.
إن قرارات اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة تعد بالأهمية بما كان بالنسبة للجمعية العامة، وكذا لمجلس الأمن، وبالنسبة لهذه اللجنة فهي تعيد في تقاريرها التأكيد الدائم على “تسليم الجمعية العامة ومجلس الامن وغيرهما من أجهزة الأمم المتحدة بمشروعية تطلعات شعوب الأقاليم وغير المتمتعة بالحكم الذاتي التي ممارسة حقها في تقرير المصير” (مقتطف من تقرير اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة –الدورة 73)، كما أن اللجنة ما زالت تدرج في خريطتها الأقاليم الجنوبية باعتبارها منطقة مستعمرة، وهو ما يجعل الجمعية العامة ومجلس الامن لا يعتبران أن هناك متغيرات عملياتية كبيرة بشأن الملف كما جاء على لسان المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في آخر اجتماع لمجلس الامن والذي عقد شهر دجنير.
وبما أن لجنة المسائل السياسية الخاصة وانهاء الاستعمار، تنظر في بنود جدول الاعمال المحال إليها من الجمعية العامة للأمم المتحدة وتقوم بإعداد التوصيات ومشاريع القرارات والمقررات وتقوم بتقديمها إلى الجمعية، فهي تعتبر في تقاريرها السنوية والتي كان آخرها تقرير سنة2020 وأيضا في دوراتها التي كان آخرها دورة 75 التي اعقدت في نوفمبر الماضي، تعتبر أن الصحراء الغربية منطقة مستعمرة، وهذا الموضوع يجعلنا نتساءل عن مدى تأثير المتغيرات الحالية على رأي اللجنة، وكذا التساؤل عن الخطة الوطنية التي سيتم تبنيها من أجل التشطيب على قضية الصحراء من جدول أعمال اللجنة، وهذا الأمر يتطلب جهودا مضنية من قبل الديبلوماسية المغربية الرسمية والموازية والتشاركية، واستراتيجية وطنية واضحة المعالم.
لقد اجمع العالم على الحكمة المغربية في تدبير قضية الصحراء، وثبتت هذه الحكمة في تدبير أزمة الكركرات بعد الاستفزازات التي أقدمت عليها جبهة البوليساريو، بقطع الطريق المؤدي الى المنطقة أمام المدنيين، كما كانت قرارات فتح قنصليات بعض الدول في الأقاليم الجنوبية، وأيضا الاعتراف الأمريكي نقط تحتسب إلى الجانب المغربي، لكن إذا كان الامر كذلك، فإن المغرب مازال أمامه طريق شاق من أجل حشد الدعم لقضيته الوطنية الأولى، من أجل اجماع افريقي واعتراف لبقية الدول الافريقية بأحقية المغرب وشرعية مطالبه، وعلى وجه التحديد اعتراف الاتحاد الافريقي بعد العودة القوية للمغرب للاتحاد، وأيضا العمل على تحصين القرار الرئاسي الأمريكي الذي تبنته الإدارة الأمريكية، فإذا كان هذا المرسوم ساري المفعول وحائز على الشرعية القانونية في المؤسسات الامريكية وأيضا الدولية باعتباره قرارا رئاسيا أبلغ إلى الأمم المتحدة، فيجب علينا اليوم العمل على استثمار هذه النقطة التي سيتغير لا محالة التوازنات الاستراتيجية بشمال افريقيا.
د. بشرى المرابطين