المقاوم المجهول..
جريدة الشمال – عبد المجيد الإدريسي ( المقاوم )
الجمعة 19 يناير 2018 – 17:00:47
طنجة حينئذ كانت مستعمرة دولية ، أضفى عليها سهولة الاطلاع على الأحداث العالمية . صدى الحرب الريفية و وقعها على جيل العشرينيات من القرن العشرين و الأجيال التي توالت بعده . انبجستْ من عيون المقاومة وجدانية هذا المناخ من التجليات و روح التضحية آمنتِ به هذه الأجيال ، فأبدعت نوعاً من الثقاقة كوسيلة للكفاح الوطني للملمت صفوف الطبقات الشعبية ، معتمدة على العامل الديني ، وقد كان له دورٌ رئيسي من غير شكّ في ذلك . كان الاستعمار يذكي النزاعات الطائفية : الريفية و الجبلية و العروبية و الأمازيغية . و للأمانة التاريخية ، قدْ كان رجال الوطنية أمناء يتحروْن الموضوعية الأخوية و الترفع عن الإساءة من أجل وحدة الشعب المغربي . فكان للصحافة أيضاً ، و التي تردُ على طنجة عن طريق البريد ، و خصيصاً منه الإنجليزي بتطوان ، من المنشورات الشرق الأوسطية ، منها الجرائد و المجلات و المؤلفات ، وقد لعبت دوراً هاماً في التواصل و نقل الأخبار من أصقاع العالم ،إذ كانت لحاضرة طنجة الريادة لوضعها الدولي. في سياق التطورات للقضايا العالمية على رأسها قضية فلسطين سنة 1948 للميلاد ، و اعتراف الأمم المتحدة التي أصبحت بعد عصبة الأمم ، بالكيان الصهيوني . كل هذه الأحداث تمخضتْ عنها الحركة الوطنية و التي كانت حُبلى بجنينها الأحزاب السياسية . انبثق عن هذا المحيط هؤلاء الرجال و هم تلاميذ لخير سلف للمقاومة و الجهاد في سبيل تحرير بلدانهم . المقاوم المجهول من الرعيل الأول للحركة الوطنية في المغرب . كانت الأخبار تصل إلى رجال المقاومة و خلاياها ، من استضافة ابن عبد الكريم بالقاهرة و نزوله بالسويس بمعية ثلة من الوطنيين . كان بعد ذلك تأسيس بيت المغرب . و تأسيس أيضا لجنة تحرير المغرب العربي برئاسة محمد بن عبد الكريم الخطابي و أخوه امحمد نائبا عنه ، كما كان الحبيب بورقيبة كاتبا عاما و أمين اللجنة امحمد أحمد بن عبود إذ كانت الأحزاب السياسية المغاربية ممثلة في تلك اللجنة . ثم إنَّ المناخ العالمي آنذاك سيجعل لعملية الاستقلال وضعا عالمياً . كما كان للظهير البربري سنة 1930 للميلاد دورٌ في توطيد العلاقة بين المغرب العربي و المشرق العربي ، . فلم يكن المقاوم قد تزوج بعد ، فاختار شركة حياته ، المقاومة ضد الاستعمار الغاشم ، و هو يقسم بخالقه ، إلى أنْ يستقل وطنه من الحجر و الاستعمار . كان من بين من يترأسون أيام 18نوفمبر من كل سنة ( إنْ لم يكن في المعتقل ) أعياد العرش و كذا مظاهرات 30مارس الذكرى المشؤؤمة لمعاهدة الحماية بالجزيرة الخضراء سنة 1906م . و دخول الاستعمارين الفرنسي و الإسباني سنة 1912م . ألقي به في غيابات السجون عدة مرات ، من سجن العادر بالجديدة لسنوات ( خرج منه سنة 1944م )، إلى سجن القصبة بطنجة ، فقد أصبح و أضحى و بات نزيلا فيه عدة مرات لا حصر لها .
ثمَّ أصبح مُغرما بالمعتقلات . طنجة مهبط الأخبار و مصدر الأرزاق بحكم نظامها الدولي . وهو المغربي الذي انظم إلى خلايا المقاومة بذي اليد البيضاء كرماً ، بروحه و ماله فداءاً لقضيته ، إذ كان دائم صلة الوصل مع خلانه و أنداده من رجال المقاومة بالبيضاء و الرباط ، و قد عاش معهم بالدارالبيضاء ، و شاركهم في أعمالهم الجليلة البطولية . وثيقة الاستقلام سنة 1944م كان حديث عهد بإطلاق صراحه من السجن ، و عودته إلى مسقط رأسه . و غادرها عدة مرات فاراً بجلدته إلى القصر الكبير . إلا أنَّ أذناب الاستعمار لم يبخلوا عليه بالوشاية إلى الباشا الملالي الذي أمر بإلقاء القبض عليه . و لولا تدخل و إنقاذه من الجلادين للبث في السجن بضع سنين بمنطقة الحماية ” الإسبانية ” . كان مبحوثا عنه من الاستعماريْن الفرنسي و الإسباني . سنة 1947م حظيَ بزيارة السلطان محمد بن يوسف بمعية ولي العهد مولاي الحسن و الأميرة عائشة إلى طنجة . وقد لقي الخطاب الملكي التاريخي بالمندوبية صدى عالمياً .
و السلطان محمد بن يوسف وهو يعلق على السفير الأمريكي بدمشق قائلا : إنَّ السفير سيكون في العالم العربي ، كان في طنجة أم في دمشق . وقد أمَّ الصلاة بالمسجد الأعظم يوم الجمعة ، بدعاء للدول العربية و الإسلامية ، بالتوجه العروبي للمغرب . المقاوم الحامل للسلاح وقدعمل على بعض توزيعه. و لا شك أنَّ علاقته بالدكتور عبدالكريم الخطيب و قضية باخرة السلاح الآتي من مصر للجزائر و المغرب ، قد نال نصيبا منها . كما كان من بين رجال المقاومة بجنان الرْهوني بتطوان ، وهو معقل للمقاومة . و لا شك أنه كان امتداداً للمقاومة بتيزي اوسلي بالريف . بطنجة كان أقرب من الحاج أحمد بلافرج و علال الفاسي و عبد الخالق الطريس عند نفيه بها و منعه من دخول تطوان . بعد اغتيال الشاب المدوري سنة 1948م بتطوان . وقد رافق قبل ذلك بعض الوطنيين من أجل أداء القسم بين يديْ سيدي عبد الله كنون الحسني . و ثلة من المقاومين و مع صديقه المقاوم الذي أصبح أول رئيس لمؤسسة المقاومة في المغرب يوم تأسيسها . من أجل وضع الأحداث في سياقها التاريخي الصحيح ، و هذا دور المؤرخ ، للمحافظة على ذاكرة الأمة ، و ينقاش الأحداث بفكر منتظم و ممنهج علمي ، و أنْ يكون أميناً في سياق التطورات ، و أنْ يتحرى الموضوعية ، بعيداً عن أي نوع من الانتهازية المادية كانت أم فكرية أمْ طبقية . فكانت المقاومة لهؤلاء الأبطال بمرجعية دينية ، و كل ما يقوم على الدين أقوى من كل رابطة .
في سنة 1956م بعد تضحيات جسام من أبناء الوطن البررة رجع السلطان محمد بن يوسف إلى عرشه ، وقد عاد منتصراً من المنفى مع أسرته الكريمة ، حاملا راية الحرية و الاستقلال ، بانتهاء عهد الحجر و الحماية . فلا يمكن الاعتماد فقط على أرشيف الحماية الإسبانية و الفرنسية . هذا الرجل الذي استنشق روح المقاومة في نشأته و مارسها ضدَّ الاستعمار . .. فأصبحتْ الشمسُ بازغتاً و أمسى القمر بازغاً على أرض المغرب من طنجة إلى الكويرة(ثلاثة نقط على الكاف) ، و المواطنون يتعانقون ، و قد حيا الله الهمم ، و انتصر العقل على الحقد و المنطق على الجهل و الاستقلال على الاستعمار . وقد أدرك هذا الجندي المجهول منذ صغره قيمة التضحية في سبيل الوطن ، فكان رحمه الله عصامياً و لم ينل حظه وهو الذي ضحى بحياته و روحه في سبيل الله ثم في سبيل وطنه ، و أبناء وطنه لينعموا بالحرية و الاستقلال . جزاءُ أسدُ المقاومة الوطنية عند خالقهم جلَّ في علاه …
جاء شعر من البيان على لسان أحد الشعراء :
لا تحسب الأنساب تنجيك من لظى ~ ولو كنتَ من قيسٍ أوْ عبدِ مدانِ
أبو لهب في النار وهو ابن هاشم ~ و سلمانُ في الفردوْسِ من خُرَسان. ..