تحقيق سبق وطني باحتضان من المجلس الإقليمي لشفشاون
ولعل الفاعل المؤسساتي انتبه إلى أهمية سد الفراغ الموجود في هذا المجال، حيث أحدثت مؤسسة بريد المغرب متحفا وطنيا لبريد المغرب يؤرخ لمسار هذا المرفق العمومي الوطني- وضمنه الطوابع البريدية- والتطورات التي عرفها منذ نشأته إلى الآن، كما أحدث بنك المغرب متحفا للنقود، وذلك سعيا إلى إبراز القيمة التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتداولية والحضارية للمسكوكات المرتبطة أساسا بالمغرب والدول والجماعات التي حكمته سواء قديما أو حديثا.
إن ما يجمع جناحي هذه الهواية الفريدة هو كونهما يرتكزان معا على ما هو مادي ملموس ومحسوس، وإن كان الطابع البريدي،- غير التراسل الذي تطورت حوامله ومحمولاته ووسائله عبر التاريخ-، بشكله الحالي لم يظهر إلا حديثا، وكان ذلك في بريطانيا بإيعاز من مدير البريد البريطاني السير رونالد هيل 1837 م، فإن المسكوكات أو النقود، على العكس من ذلك، تضرب جذورها في عمق التاريخ البشري ونشوء الدول والحضارات الإنسانية وتطورها وتفاعلاتها وعلاقاتها.
والمغرب، مهد أقدم إنسان في العالم، تعاقبت أقوام وممالك وإمارات ودول… على حكمه، ماقبل دخول الإسلام وما بعده، لذا شكلت النقود وبقايا مادية أخرى قليلة شاهدا على ما درس من تاريخه، وتبقى الطوابع البريدية، على عكس المسكوكات، شاهدا ماديا أيضا لكن علاقتها تبقى وثيقة بسياق المغرب الحديث المنفتح على الحضارة الغربية ومستجداتها التقنية والتنظيمية والتواصلية.
الملاحظ هو أن هواية جمع الطوابع البريدية والمسكوكات وإن طبعتها النخبوية فإنها تظل هواية جدية ذات فائدة، ثم إن كانت لم تحظ بعد بالدعم والتشجيع اللازمين، فإنها شقت طريقها في المغرب بفضل اهتمامات فردية قوية، ثم، بعد ذلك، مبادرات جماعية ناضجة تتلمس طريقها نحو مزيد من العنفوان و الصلابة.
في هذا السياق، قال محمد البوقديدي المتحدث باسم جمعية “ارحيوة” للتنمية الثقافية والتراث والبيئة، المنظمة للملتقى الوطني الأول للطوابع البريدية والمسكوكات، في تصريحه لجريدة “الشمال”: إن تنظيم ملتقى وطني للطوابع البريدية والمسكوكات بشفشاون يأتي تجسيدا لاهتمام شخصي بالتراث المحلي والوطني ولتوجه الجمعية التي يشتغل فيها أولا، و أضاف محمد البوقديدي أن هذا الاهتمام وجد في طريقه، التي كانت شبه مسدودة إلى حد ما، من له نفس الولع بالتراث و ب “الأنتيكات” لينير الطريق ثانيا، حيث كان اللقاء مع عبدالرحمان الخزاعي العارف بخريطة المتخصصين والمهتمين بمجال الطوابع البريدية والمسكوكات وتنظيماتهم، وهو اللقاء- حسب محمد البوقديدي- الذي اتسعت من خلاله رؤية عقد هذا الملتقى الوطنى، ليبدأ البحث عن الشركاء ثم الإعداد و التنزيل.
وأكد محمد البوقديدي في سياق تصريحه إنه لولا احتضان المجلس الإقليمي لشفشاون ورئيسه لمشروع الملتقى الوطني الأول للطوابع البريدية والمسكوكات بشفشاون، لما تمكنت الجمعية من تحقيق الهدف ولبقيت الفكرة حلما بعيد المنالً، وأضاف، في هذا الصدد، أنه لابد من رد الفضل إلى أهله، معبرا عن امتنانه الخاص لعبدالرحيم بوعزة رئيس المجلس الإقليمي، وإدارة المجلس الإقليمي وعلى رأسها المدير العام للمصالح عادل زروق الذين تتبعوا مجريات هذه التظاهرة وإعدادها أولا بأول، ولولا دعمهم، وكذا دعم الشخصيات العلمية والمختصة والجمعيات المشاركة، يؤكد محمد البوقديدي، لما خرجت النسخة الأولى للملتقى في الحلة التي خرجت بها وحققت النجاح الذي حققته.
وكان عبدالرحيم بوعزة قد قال في كلمته الافتتاحية بمناسبة هذا الملتقى الأول: ” أغتنمها مناسبة للتنويه بالمجهود الذي قدمته جمعية “ارحيوة” للتنمية الثقافية والتراث والبيئة بشفشاون ومختلف الجمعيات النشيطة والمهتمة على امتداد التراب الوطني من طنجة إلى الكويرة غربا ووجدة وسمارة شرقا، كما أستغل الحدث للإشادة بالتضحية التي بذلتها قامات ثقافية وهامات فكرية قصد السهر على إخراج هذا الملتقى الوطني الفريد من نوعه إلى حيز الوجود في أبهى حلة وأحسن تنظيم، وأن تكون محطته بحاضرتنا الساحرة بتاريخها المجيد، وبطبيعتها الخلابة وبشكل يجعل من جماعتنا سباقة إلى احتضان الأنشطة والتظاهرات ذات الوقع الثقافي الكبير، خاصة بعد تنظيم المناظرة الجهوية حول الثقافة بنفس الفضاء…ً، كما نوه، في نفس الكلمة بشعار وموضوع الملتقى قائلا: “…وما انتقاء شعار الملتقى المتمثل في “الطابع البريدي والعملة رمزان للسيادة والوحدة الوطنية وتجسيد للثقافة المغربية” إلا خير دليل على التوفق في انتقاء التيمة الدلالية المعبرة عن الانشغال الأساسي والرغبة المشتركة لمختلف المنظمين والحاضرين والمتدخلين، ألا وهي ربط الماضي التليد بالحاضر المتغير والمتسارع من خلال توثيق الأرشيف الوطني للطوابع البريدية والمسكوكات وجعلها منهلا للذاكرة المغربية وتجليا للحضارة الوطنية بمختلف روافدها في ظل رعاية العرش العلوي المجيد”.
وشارك في هذا الملتقى الذي امتدت أشغاله طوال أيام 21 و 22 و23 يوليوز 2017 بالإضافة إلى الجمعية المنظمة، ثلاث عشرة جمعية وهي: ودادية الطوابعية والمسكوكات بالرباط، جمعية ابن بطوطة لهواة الطوابع البريدية والمسكوكات بطنجة، جمعية هواة جمع الطوابع والعملات بوجدة والشرق، جمعية مراكش لهواة جمع الطوابع البريدية والنقود، الجمعية الفاسية لهواة جمع الطوابع البريدية والمسكوكات بفاس، نادي تطاون أسمير الحمامة البيضاء لهواة الطوابعية بتطوان، جمعية الزاجل لهواة جمع الطوابع البريدية والنقود بالرباط، جمعية المغرب الشرقي للطوابع البريدية والمسكوكات النقدية بوجدة، جمعية الفتح للتنمية والتضامن ببني يخلف، الجمعية البيضاوية لهواة جمع الطوابع البريدية والمسكوكات، جمعية الطوابع البريدية والمسكوكات بخريبكة، جمعية الصويرة لهواة الطوابع البريدية والمسكوكات والمحافظة على التراث، جمعية هواة الطوابع البريدية لأكادير والجنوب.
وقد احتضنت فعاليات معرض الملتقى قاعة الكنيسة/ كليسيا التابعة للتعاون الوطني ، وقد كان معرضا، بشهادة المتتبعين والمهتمين، غنيا ومتنوعا وزاخرا في محتوى المعروضات وقيمتها وكذا المعلومات التاريخية والشروحات المعرفية والتأطير التقني سواء تعلق الأمر بجانب الطوابع البريدية أو المسكوكات أو توابعهما.
ونظمت، كذلك، في إطار فعاليات هذا الملتقى مائدة مستديرة أدارها باقتدار الفنان عبدالنور القشتول، وقد تمحورت حول الشعار الرئيسي الذي اختير للملتقى وهو ً الطابع البريدي والعملة رمزان للسيادة والوحدة الوطنية وتجسيد للثقافة المغربيةً، وقدمت في هذه الندوة العلمية عروض متميزة من طرف مختصين واكاديميين سلطت الضوء على كثير من القضايا المرتبطة بالبريد الدولي بالمغرب، ثم البريد المغربي وتطوراته وتمظهراته المادية ورموزه وعلاقاته الجدلية بالأحداث التاريخية ،كما تم تقديم دراسات حول بعض القضايا التاريخية والحضارية من خلال استثمار النقود كوثائق مادية، أو بتعبير آخر من خلال الاعتماد على علم النميات، وقد تم التطرق كذلك إلى التحولات الناتجة عن العولمة والثورة المعلوماتية وانعكاساتهما على وتيرة وشكل تداول الطابع البريدي وكذا النقود.
وفي إطار نفس الفعاليات نظمت مسابقة في الرسم للأطفال والشباب، ثم لذوي الاحتياجات الخاصة، حيث حاز المشارك أشرف داوود على الجائزة الأولى في الصنف الأول، وحازت المشاركة ليلى الدباح على الجائزة في الصنف الثاني.
هذا، وقد تمخض عن هذا الملتقى نداء شفشاون تضمن توصيتان أساسيتان، تتعلق الأولى بضرورة إحداث جامعة وطنية للطوابع البريدية والمسكوكات، والثانية تلتمس إصدار طابع بريدي من طرف بريد المغرب يؤرح لحدث الملتقى بشفشاون باعتماد الرسم الفائز بالجائزة الأولى في المسابقة المنظمة في إطار فعالياته.
و قال محمد البوقديدي في تصريحه لجلريدة “الشمال”إن الطموح المشروع، بعد نجاح هذه الدورة الأولى للملتقى على المستوى المتوسط، هو إحداث نادي للطوابع البريدية والمسكوكات بشفشاون، وكذا الارتقاء بالملتقى إلى مستوى “ملتقى دولي”.
وتجدر الإشارة إلى أن مراسيم افتتاح الملتقى، الذي نظم في إطار الاحتفالات بعيد العرش، ترأسها عامل إقليم شفشاون إسماعيل أبو الحقوق، إلى جانب نائب رئيس المجلس الإقليمي محمد الصبيطري ونائب رئيس المجلس البلدي نبيل الشليح، وبحضور وفد رسمي و فعاليات جمعوية وثقافية وفنية.
بعد هذا؛ هل سيعود “الحمام الزاجل” ليحلق من جديد في أجواء مدينة شفشاون بعدما لاحقته “هستيريا” بنادق محترفي القنص؟، وهل ستستعيد المدينة عبق الآرنج والقرنفل والياسمين بعدما طغت العملة الرخيصة على العملة الجيدة؟؛ ذلك ما نتمنى أن يكون ملتقى الطوابع البريدية والمسكوكات مؤشرا له؟!.