النشر في المنابر الخليجية: نقمة أم نعمة ؟!
الجمعة 23 شتنبـر 2016 – 18:40:19
تـابعت النقاش الذي دار حول النشر في المنابر الخليجية الذي افتتحه الكاتب المغربي عبد العالي بركات في صفحته على إحدى مواقع التواصل الإجتماعي، وهو نقاش صحي على أية حال. فصاحب المقال انطلق من فكرة مفادها أن ” بعض مفكرينا وأدبائنا يلجؤون إلى الصحف والمجلات الخليجية لنشر نصوصهم، بغض النظر عما إذا كانت تشكل إضافة ما، أخذا بعين الاعتبار الكرم الحاتمي الذي تتصف به هذه الجهات، حيث يمكن لتعويضاتها المادية أن تغني عن الاعتماد على الراتب أو المعاش الهزيل” أما أصحاب وجهة النظر الأخرى، ومنهم الكاتب عزيز العرباوي فكان موقفه واضحا من المسألة مؤكدا أن السبب الوحيد في اختيار المجلات المشرقية فضاء للنشر لا يمكن فقط في “الحصول على التعويض، بل ان السبب الحقيقي هو غياب سياسة ثقافية رسمية، وما الادعاء بأن الوزارة الوصية تدعم الثقافة في المغرب إلا كلام لا اساس له من الصحة، فأين المجلات التي كانت تنشرها الوزارة؟ ولماذا أوقفها الوزير دون إيجاد بديل لها؟ وأي دعم للنشر هذا الذي يغني دورالنشر ويهين الكاتب والمبدع ويضرب حقوقه عرض الحائط..”
وبين الموقف الأول والثاني يطالعنا الشاعر أسعد البازي بالقول على أن” عدم اعتراف بعض المجلات والجرائد الوطنية وبعض المحسوبين على النقد بكتابات مبدعين هم في أمس الحاجة الى الأخذ بأيديهم إلى فضاء أوسع وارحب للابداع..وتصنيفهم ضمن خانة الإهمال يجعلهم يتجهون إلى أماكن تهتم بهم.أن مجرد التفاتة تتيح لهؤلاء الاحساس بالثقة”
وسأحاول في هذا المقال المتواضع فتح النقاش على مصراعيه بين كل هذه المواقف وغيرها من خلال تجربتي الخاصة في النشر في هذه المنابر المشرقية والخليجية تحديدا والمنابر المغربية أيضا، ولن تكون هذه المواقف إلا نقطة البدء والانطلاق في تطوير نقاش عميق صحي حول ظاهرة النشر في الوطن العربي والإكراهات التي تواجه الباحث العربي في هذا الصدد.
في البداية، نشير إلى أن مسألة النشر في المنابر الوطنية كانت مسألة صعبة في السابق وقد استمر الأمر إلى بداية الألفية الثالثة، وغالبا ما كان يتم الأمر عن طريق العلاقات الخاصة والزبونية كما يحتكر عدد من الكتاب الكبار المعروفين النشر في هاته المنابر، لهذا كان الشباب غالبا ما يتجهون للبحث عن فضاءات وأمكنة أخرى للتعريف بانتاجاتهم وعطائهم الفكري والإبداعي، ومع ذلك وذاك، فلا أنكر أن نصوصي الإبداعية ومقالاتي التي كنت أرسلها للنشر في هذه المنابر، كانت تجد طريقها إلى النشر، سواء في صحف المنعطف او الاتحاد الاشتراكي او بيان اليوم وغيرها، أو في مجلات كطنجة الأدبية وغيرها، والتي فعلا كان لها فضل كبير في انتشار العديد من المواد التي كنت أبعثها، من دون أن أعرف أيا من مسؤولي هذه الصحف او المجلات إلى اليوم، هذه حقيقة وواقع لا ينكرهما جاحد. وخلافا لذلك، ستكون علاقتي بالنشر في المنابر الخليجية مختلفة تماما بعد سنوات.
من جهة لا أنكر أن النشر في هذه المجلات، لم يساهم في التعريف بالإنتاجات التي كنا بأمس الحاجة إلى نشرها ونشر الفكر والوعي الذي تحمله، بل كانت حتى الاغراءات المادية التي يتيحها نشر نص ما او مساهمة معينة، في الارتقاء بوضعيتنا كطلبة ومازلنا، والتي تملأ فراغات يكون الكاتب في أمس الحاجة إليها، وبخاصة الذين لا يملكون مصروفا شهريا، حتى تحس بقيمة الكاتب بنوع آخر، ويعطي أكثر من السابق. لكن السؤال المطروح هل فعلا حققت هذه المنابر قيمة الكاتب الثقافية؟ سأركز على ثلاث طرائف لن أنساها في هذه المسألة، والتي غيرت فعلا كل قناعاتي السابقة بشكل أو بآخر. الأولى لما أرسلت وانا في عامي الجامعي الأول، مقالا حول العلاقات المغربية العثمانية خلال القرن السادس إلى مجلة الرافد التي تصدرها حكومة الشارقة، ولا اخفي مدى سعادتي وأنا اتلقى خبرا بقبول المقال، وعيا مني ان المجلة محكمة ولها قيمتها الاعتبارية، وانا الطالب الجديد على البحث العلمي والذي لا يعرف بين المجلة المحكمة وغير المحكمة، بل لا يعرف حتى تقنيات البحث الجامعي، وظللت انتظر نشر ذلك المقال لسنوات، حتى نسيته ونسيت امره.
لكن المفاجأة كانت في نشره، و يا ليته لم ينشر.. نشر المقال، بعدما غير عنوانه، وبصيغة أخرى بعدما حرف عنوانه، فأصبح ” العثمانيون في المغرب العربي”، وكأن اللجنة العلمية في هذه المجلة المحكمة لا تعرف أن تسمية المغرب العربي لم تكن خلال القرن السادس عشر، ومن الصعوبة إطلاقها جزافا في مقال علمي في فترة تاريخية محددة. أما المصيبة الأخرى، فقد تم بثر كل هوامش المقال وتم إضافة فقرات وجمل لم تكن في النص الأصلي وتم الاستعانة بصور بعيدة عن فحوى المقال، منها صورة تبثر منها خريطة صحرائنا المغربية، هناك مواقف أخرى تم تسريبها بعيدة كل البعد عن كاتب المقال، لكن الطامة الكبرى كانت بالنسبة لي العنوان و الإضافات الغريبة و بثر هوامش الكتب والأطاريح التي استندنا إليها في مقالنا.
عادة في الصحف المغربية، يتم الرد على الكاتب على كل تجاوز ويتم تصحيحه في العدد الموالي، لكن أصحابنا ظلوا مصرين على الصمت طيلة هذه المدة، ولو حتى الرد على مراسلاتي التي طالبت بحذف المقال ولو الكترونيا مع العلم أن المجلة كان يجب عليها أن تعتذر وتصحح الاخطاء الخطيرة في أعدادها الموالية. الطريفة الثانية لا تقل عن الأولى طرافة، وهي أني بعثت بمقال عن رواية الخوف للروائي المغربي رشيد الجلولي للنشر في كتاب جماعي حول التغيير في العالم العربي عن منشورات مجلة الزمان اللندنية، على اعتبار أن المقال يقارب عوامل وتيمة انتفاضة تونس الشعبية، وتم النشر وأسعدني الخبر، لكون المقال قد نشر ضمن كتاب احتوى على مساهمات لكتاب مروقين على شاكلة جلال العظم وسعدي يوسف وغيرهما. جربت كل المحاولات لأقتني نسخة من العمل من داخل عاصمة الضباب، حتى فاجأني صديقي الشاعر بن يونس ماجن، بأنه اقتنى العمل وسيرسله على أساس أن أخذ عشرين درهما من جيبي واسلمها لأي محتاج اصادفه وادعو بالمغفرة لزوجته التي كانت قد رحلت قبل ايام، هذه هي اخلاق الشاعر المبدع والانسان. لا أخفي اني كنت متلهفا لتصفح الكتاب، خاصة وانه قيل عنه الكثير في الاعلام الثقافي العربي.
وبعد أيام وصلني الكتاب حتى بيتي، ويا ليته ما وصلني، ولفرحتي لم أفتح الغلاف، وتفاجأت ان أصحاب العمل، غيروا العنوان، حيث حذفوا اسم الروائي، كما حذفوا احدى الفقرات التي تحتوي اسمه، وظل المقال لا يحوي سوى اسم الرواية من دون ذكر صاحبها، مع العلم انه هناك روايات اخرى تحمل نفس الاسم. إنها كارثة في حقي، وفي حق صديقنا الذي مهما حاولت إقناعه أني ارسلت المقال باسمه فلن يقتنع، لكنه لحسن الحظ كان ذاك الشخص الذي لا يهمه ما يكتب عنه، إنه بصراحة كاتب حقيقي، وإن اللجنة العلمية التي سهرت على الكتاب بعيدة كل البعد عن المجال العلمي، تماما كما الحال للجنة العلمية التي تسهر على مجلة الرافد الإمارتية. الطريفة الثالثة، كانت، لما ارسلت مقالا إلى مجلة خليجية قبل ايام، حول الحماية الأجنبية بالمغرب، لكن المجلة غيرت العنوان هي الأخرى بصيغة أستحيي من ذكره.
خلاصة القول، مع نفسي تبرأت من كل هذه المقالات، حتى اقنتعت انها لا تمثلني وليست لي، لكن ماذا عن الاخرين، وخاصة الطلبة الذين سيحتاجون احداها في المستقبل، هل من الضروري ان التقي كل واحد منهم لأشرح له كل هذا الشرح المطول والغريب حتى يقتنع أني غير مسؤول عن كل هذا العبث. في الحقيقة أفضل الان أن انشر في منبر وطني يحترم المقال وكاتبه على المستوى الثقافي والعلمي على النشر في مجلات خليجية تعتقد انها تحترم الكاتب عن طريق الدريهمات التي تبعثها له بعد سنة او سنتين على نشره في مجلاتها.