باسم القلم
جريدة الشمال – عبد المجيد الإدريسي ( )
هو شابٌّ يافع هاجر بصحبة رفيق درْبه المرحوم ، عبد القادر السباعي إلى رحلة القدَر ، وقد رَكبا صعاب البحر و البراري و الجبال و القيافي ، وهما في ربيع العمر . حط َّ المهاجر طائراً قدميْه على أرض الكنانة ، الحاضنة للأدباء و العلماء ، من طه احسين و الصالون الأدبي و جامعة القاهرة ثمَّ أمير الشعراء و العقاد إلى الأزهر الشريف . و التي كان قد أحط الرحال بها الأميرمحمد بن عبد الكريم الخطابي و عائلته المجاهدة .
و قد تعرَّف خالد على هذا الهرَم و أحبه حبّاً شديدا . كان يسعى ابن تطوان ، الحمامة البيضاء ، ضاربا أكباد الإبل ، إلى قاهرة المعزِّ لدين الله الفاطمي ، عاصمة مسرح الريحاني ، و أوبرا عيدة ، إلى الفن السابع ليوسف وهبي ، و إخراج إخوة ذو الفقار . كان المهاجر عاشقاً ل “عاشق الروح ” للموسيقار محمد عبد الوهاب ( دي عشق الروح ما لوش آخر لكن عشق الجسد فاني ) ، و كانت كوكب الشرق تجهر طربا ( أنا إنْ قدَّر الإله مماتي لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي – أنا تاج العلاء في مفرق الشرق و دراته فوائد عقدي ) .
القصيدة لحافظ إبراهيم بعنوان : وقف الخلق . و هي تحفة أحبها خالد و المغاربة ، و كانت أيامئذ ألسنتهم رطبة بذكرها . كانت قبلة خالد نحو الشرق لتحقيق ذاته . و على ضرورة سعي الإنسان لمعرفة نفسه . هذه الأرض الطيبة وهي تمتلك كل مقومات الإبداع و النبوغ .
خالد عصامي ، بنى نفسه بنفسه. استطاع أنْ يستخرج الإمكانات الكامنة الهائلة في شخصيته الإنسانية. فكان له في مراتب الناس مَقــــام الإعلامي الذي لم يفقد ظله (حسن بريش ). هو المبدع الذي استمدَّ الطاقة من معينها . حداثيُ الخيارات للخروج من دائرة الصمت . حيّاً و محرجا ثقافياً . كان قلمه يوشي بمهارات و أدب رفيع ، واسع الأفق ، ملازما لمكتبه في الإذاعة و في مجلة شراع و في جريد الشمال الغراء .
و قد طاب له المقام بطنجة و استقرَّ بها لبعدِها العالمي. إنه لا يخفى على المتمرس بواطن الأمور ، فيعرف كيفية تكسير الطابوهات . يؤمن بإشعاع الفكر الكوْني . ما أنْ تقرأ لخالد عبارة حتى تقترب منه و تقرِّبك من فكره . نبل الصداقة بيننا ، القلم ، غالبا ما تتمُّ بين وجدانية طبائع متجانسة.
وقد ساهم خالدٌ في خلق الوعي الفكري في علم الإعلام . أعطى به لبلده الشيء الكثير بمواقفه النبيلة و أعماله الوطنية ، حتى أصبح شمعة تحترق لتضيء ظلام الآخرين . كنتَ قدْوة لرسالة الإعلام الحرّ . آمنتَ بحرية الفكر و بحقوق الإنسان . و قد رحل القلم ، و لم يرحل ليترُك ملامس كتابات خالدة على قطاع الإعلام كقوة رابعة نافذة . هذا القلم قد يعتريه الحزن ، حزن المؤمن لغيره أكثر من حزنه لنفسه . فإذا حزن لنفسه ، فلآخرته قبل دنياه . نلتَ حبَّ واحترام و تقدير المغاربة.
عشتَ عزيزاَ كريماً ، ولك من القلم إكباراً و إجلالاً . من سعادة المرْء استخارته ربه ، و رضاه بما قضى …( حديث ).