كتـابـات في تاريخ منطقة الشمال : ” تاريخ مسرح الطفل في المغرب “
جريدة الشمال – أسامة الزكاري ( مسرح الطفل )
الجمعة 20 أكتوبر 2017 – 18:29:42
و إذا كان الكتاب يسعى للتوثيق لمعالم تطور هذا الفن الطفولي على امتداد خريطة الوطن، فإن حضور منطقة الشمال يظل وازنا على مستويات عدة، أهمها النهل من تجارب محلية رائدة، وانتماء المؤلف لمدينة أصيلا التي عرفت حركة مسرحية متميزة عند فجر الاستقلال، تأثر بها المؤلف وتفاعل معها، ثم توظيف الباحث المهماه لانفتاحه على مجال علم السوسيولوجيا قصد استنطاق الكثير من المظاهر الرمزية والثقافية والفنية والفرجوية السائدة بمدينته الأصلية والموروثة عن القرون الماضية، من أجل إبراز عمقها الإنساني والإبداعي العميق والممتد في الزمن. أضف إلى ذلك، أن المؤلف لم يكن – أبدًا – شخصـًا غـريبـًا عن الفعل الجمعوي المتواصل داخلَ مدينة أصيلا، جسده من خـلال الحُضــور الفـاعل داخل العديد من الإطارات الجمعوية الثقافية، وساهمَ في تَخصيبهِ من خلال سلسلة إصداراته المتراتبة، بَحثــًا في قضايا ماضي مدينة أصيلا، وتوظيفا لنتائج تنقيباته الميدانية المباشرة.
و لتـوضيـح السياق العام الذي أفرز الكتاب موضوع هذا التعليق، يقول المؤلف في التقديم العام لعمله : ” … إذا كانت القصة والشعر الطفلي في المغرب قد حقق تقدما نوعا ما على يد كتاب بدأوا مؤخرا يتجهون نحو التخصص في أدب الطفل، فإن المسرح ظل متأخرا، وهذا لا نعتبره إهمالا من طرف المثقفين المغاربة، بل حتى العرب، وإنما راجع في نظرنا إلى الظروف التاريخية المتمثلة في محاربة الاستعمار، والأمية التي كان سَبَبَهــا هذا الأخيـــر .. فـالاهتمام بمسرح الطفل بصفة جدّيـة، يحتــاج كذلك إلى تسجيل تـاريخه من الشكل التقليدي، أو ما نُسَمّيه بــالمسرح الشعبي للطفل.
ونعني به من بداية حرق البُخــور، و تـلاوة الأهـازيـج الشعبية عند ولادته .. إلى تعلمه تمثيل أدوار إيهـامية مـع دُميته إلى مُشاركته الاجتماعية للأطفال في الألعاب الخارجية من أناشيد وألعاب جماعية ، إلى الحضور إلى جانب الكبير في الحفلات الاجتماعية من أعراس، وعقيقة … بما فيها حفلات البساط، ومحاولة تقليدها فيما بعد، إلى ظهور بذور لنهضة مسرحية تعتمد القواعد والأصول المسرحية، وذلك للتأثير الذي تركته الفرق الزائرة للمغرب، سواء العربية أو الأوربية. بعدها تأتي المرحلة التأسيسية، وإن كانت هذه المرحلة نعتبرها في مهدها، رغم ضعف الإنتاج ورداءته في بعض الأحيان من جهة، ولضعف كتابه من حيث التكويم التربوي والثقافي وحتى المسرحي من جهة ثانية … ” ( ص ص. 8 – 9 ).
ولتوسيع دوائر البحث حول موضوع الكتاب، قسم المؤلف عمله بين خمسة فصول متكاملة، إلى جانب تمهيد عام، وتقديم للمرحوم أحمد عبد السلام البقالي وخاتمة استنتاجية وتقييمية. ففي القصل الأول، سعى مصطفى المهماه إلى تحديد الجهاز المفاهيمي الموظف في عمله، مميزا بين مفهوم مسرح الطفل ومسرح للطفل. وفي الفصل الثاني، انتقل المؤلف لتحديد سمات المسرح التقليدي أو المسرح الشعبي للطفل، موثقا للعديد من المظاهر الاحتفالية التي توارثها المجتمع المغربي، وعبر – من خلالها – عن مظاهر فرجوية متميزة مثل حلقات الطرقية والأعراس، ومشاهد إطلاق البارود، وعاشوراء، والعنصرة، والعجوز، … إلى غيرها من الطقوس الحافلة بالأشعار وبالأشكال الاحتفالية المتوارثة عبر الأجيال. وفي الفصل الثالث، انتقل المؤلف لرصد المظاهر والبوادر الأولى لبروز المسرح المغربي عامة، مميزا بين أشكاله التعبيرية الجنينية مثل الحلقة، والبساط، وحفلات سلطان الطلبة، وأوراد الطريقة الجيلالية، وأذكار الزاوية العيساوية، وأوراد الزاوية الحمدوشية، وأذكار الزاوية الحراقية، وأذكار الزاوية الناصرية.
وقد ختمَ المُـؤلـف هذا الفصل بـإبـــراز الدور الذي لعبه مسرح ” البساط ” في توعية المجتمع وفي الترفيه عنه، خاصة بالنظر لصفته الشمولية وكذا بالنظر لتطور وظائفه من الترفيه إلى إبلاغ الشكاوى للحكام، وانتقاد الظواهر الاجتماعية، والدعوات للتمسك بالدين ولمقاومة الاستعمار وتعميم قيم الزهد والتصوف ومحاربة البدع والانحرافات. وفي الفصل الرابع من الكتاب، انتقل المؤلف لتتبع مظاهر نهضة المسرح المغربي عامة ومسرح الطفل خاصة، معرفا ببضع الفرق المسرحية والجمعيات الثقافية الوطنية الفاعلة في المجال خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1924 و1937، مثلما هو الحال جمعية الطالب المغربية بتطوان وفرقة المدرسة الحرة بالرباط، ثم أهم الفرق الوطنية التي ظهرت خلال فترة ما بين سنتي 1940 و1956، مثل جمعية الكشاف الطنجي وفرقة المدرسة القرآنية الأصيلية، وأخيرا أهم الفرق الوطنية التي برزت خلال فترة ما بين 1956 و1961، مثل فرقة النجم الأصيلي وفرقة الطالب العربي وفرقة نور الفن للتمثيل بأصيلا وجمعية تلاميذ المدرسة الأمريكية وفرقة الشعب بالدار البيضاء. وفي الفصل الخامس، انتقل المؤلف للتعريف بحركة مسرح الطفل بعد الاستقلال أو ما سماه المؤلف بالمرحلة التأسيسية للحركة المسرحية المغربية المعاصرة، معرفا بأهم المهرجانات واللقاءات الخاصة بمسرح الطفل خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1978 و1984.
وقد ختمَ المُؤلف نبشه بتضمين خاتمته خلاصات بحثه، إلى جانب جملة من الاقتراحات العملية التي كان بالإمكان أن تشكل أرضية للتأمل في واقع مسرح الطفل ببلادنا وبآفاق تطويره وتوسيع إشعاعه.
و بذلك، قدم الباحث مصطفى المهماه عملا تأسيسيا، لا شك وأنه يفتح المجال واسعا أمام جهود كتابة تاريخ المسرح المغربي، ويساهم في إلقاء الضوء على العتمات المنسية في الذاكرة الإبداعية لمغاربة القرن 20، خاصة في شقها المرتبط بالممارسة المسرحية الوطنية المعاصرة. ولإنهاء هذا التقديم المقتضب، نقتبس جزءا مما كتبه الأديب المرحوم أحمد عبد السلام البقالي في سياق تقييمه لمضامين الكتاب، حيث نقرأ ما يلي : ” كما وجدت في كتاب ” المسرح والمجتمع الأصيلي ” وثيقة كاملة جامعة للنشاط المسرحي، منذ دخلت هذه الكلمة تلك المدينة، وجدت في مخطوطه الجديد إحاطة وشمولا بتاريخ مسرح الطفل في المغرب. فقد استعمل الأستاذ المهماه ملكته التاريخية والتوثيقية المرهفة، وحاسته العلمية السادسة في العثور على الوثائق الملائمة، ونبش ذاكرة المغرب الثقافية الغنية بالأدب الشعبي الذي كان يتنقل به منتجوه بين المدن والقرى والأسواق العامة، ليعرضوه على سائر طبقات الشعب، قبل مولد السينما والتلفزيون متجاوزين به أسوار الأمية العالية التي كانت تحول بين أغلب شرائح المجتمع والكتاب الأدبي … ” (ص ص. 5 – 6)……