جمعيات المجتمع المدني إكراهات التمويل وأسئلة الاستقلالية
جريدة الشمال – عبدالحي مفتاح ( المجتمع المدني )
الإثنين 05 فبراير 2018 – 14:33:20
لا شك أن حركية جمعيات المجتمع المدني هي وجه من أوجه حيوية المجتمع وتجسيد لإجابته عن حاجيات معينة تعبر عنها فئاته وجماعاته ومجموعاته وحتى أفراده، وهذه الحاجيات تتراوح بين المادي والمعنوي، الفكري والعملي، الثقافي والاجتماعي والبيئي والرياضي، ووقد تكون هذه الحاجيات ذات طابع آني آني أو دوري، وأحيانا مرتبطة بتغطية مستمرة لخدمات وتسيير مرافق غير ربحية لا تحتاج إلى استثمارات كبيرة.
ومن المبادئ الأساسية التي يقوم عليها عمل المجتمع المدني قيمة التطوع من خلال مساهمة بعض أفراد المجتمع بجزء من وقتهم وجهدهم وخبراتهم دون مقابل، ثم قيمة الإحسان عبر تمويل الكثير من المبادرات الجمعوية الذي يفترض أن يكون مصدر جزء مهم منه من القطاع الخاص أو الأفراد دون اللجوء إلى الدولة أو هيئاتها اللامركزية.
إلا أن الملاحظ في بلادنا أن التمويل الذاتي للجمعيات ضعيف إن لم يكن منعدما، مما يجعل موت و حياة هذه الجمعيات، وامتدادها و انكماشها، وانتفاخها وضمورها متوقف على الدعم الخارجي، الرسمي أساسا، سواء الوطني أو الدولي، الشيء الذي يؤثر، غالبا، على استقلاليتها و يشل حركتها وقدرتها على التطلع إلى المستقبل والتخطيط له.
وهكذا؛ يرتبط بمسألة التمويل إشكالات حقيقية من قبيل التمويل المرتبط بالولاء السياسي أو القرابة أو علاقات الزبونية أو خدمة أهداف أو مصالح غير معلنة، مما ينعكس على استقرار المشهد الجمعوي ويتمظهر في احتجاحات هنا وهناك من طرف الجمعيات التي تعتبر نفسها مقصية أو مظلومة جراء حسابات غير جمعوية، وقليل من الجمعيات هو الذي يتقن كيفية اللعب على حبال التقلبات أو يكرس نفسه كرقم يصعب تخطيه أو التقليل من قيمته.
لذلك؛ فكثير من الأسئلة يطرحها المراقبون المستقلون والخبراء، بشأن جمعيات المجتمع المدني ودورها في تأطير المجتمع وفي حمل قضاياه والإجابة عن انشغالاته، وكذا بشأن استحقاق الدعم والمعايير المرتبطة به، والتقييم والمحاسبة والتقويم، خصوصا وأن عدة ظواهر استجدت على الساحة وتكاد تخلق ضبابية في المشهد الجمعوي، كوجود بعض الجمعيات على الورق فقط أو الارتباط الحزبي أو العائلي أو الشخصي المباشر لبعضها، واستعمال أو اعتبار بعضها الدعم العمومي ريعا سنويا أو حقا مكتسبا بمبرر أن الدولة ومؤسساتها يسري في عروقها الريع ويضرب يمينا وشمالا، كما تطرح في هذا الإطار عدة أسئلة أخرى ملحة منها:
-هل أزمة القيم التي تتخبط فيها جمعيات المجتمع المدني هي انعكاس لأزمة القيم العامة أم مظهر من مظاهر انحسار دمقرطة الدولة والمجتمع؟؛ و إلى أين يسير المجتمع المدني في ظل هذه الوضعية؟.
-كيف يمكن التمييز بين الجاد وغير الجاد من الجمعيات وبين الغث والسمين منها لكي يكون لما ترصده الدولة والمجتمع من أموال انعكاسات إيجابية على تمكين هذه الجمعيات من لعب دورها التضامني والتوحيدي في ظل التنوع والتعدد؟.
وللتذكير فإن حكومة عبدالإله بنكيران الأولى كانت قد نظمت حوارا وطنيا حول المجتمع المدني قيل فيه ما قيل، لكن يجب الـتاكيد الآن، اختلفنا أو اتفقنا مع إوالياته ومخرجاته، أنه كان له السبق في تسليط الضوء بشكل أقرب إلى الشمولية على القضايا الشائكة المرتبطة بجمعيات المدني، وإّذا كان البعض من مخرجات هذا الحوار، خاصة المرتبط بالدور الاستشاري والتشاوري والاقتراحي قد خرج إلى النور فإن الجزء الباقي منها(من المخرجات) لا يزال حبيس الرفوف و يحتاج إلى التفعيل، ربما بعد التحيين وإعادة الصياغة وحصول التوافق، لأن جمعيات المجتمع المدني بقدرما أصبحت مكسبا يجب تطويره و تمتينه، بقدرما أن معضلات كثيرة تعيق هذا التطوير والتمتين بل قد تعصف بهذا المكسب وتخرجه عن الصراط المستقيم!!!…