طبول الغضب تدق في حوالي 40 مدينة ومركزا
جريدة الشمال – عزيز كنوني ( العطش المعركة القادمة)
الجمعة 08 شتنبر 2017 – 12:30:48
الراحل الحسن الثاني رحمه الله كان قد أطلق سياسة السدود، بمساهمة الشعب، فانتقل المغرب من سد واحد كبير و هو سد بين الويدان، ببين الويدان إلى ما فوق 150، وفق بيانات 2011، بقدرة إجمالية تجاور 20 مليار متر مكعب . من الماء الصالح للشرب والزراعة وكذا للصناعة وتوليد الكهرباء، كما يتوفر المغرب على حوالي 20 سدا صغيرا ومتوسط الحجم ، بسعة إجمالية تقدر بحوالي 10 مليوم متار مكعب.وقد استهدفت، في البداية، العمل على توفير الأمن المائي، نظرا لشح الموارد المائية بالمغرب، وسقي المليون هكتار الأول.
ومع ذلك، فقد كانت أمنية الملك الباني، رحمه الله، وقد عبر عنها بصراحة في إحدى خطبه للأمة، هي أن يبني سلسلة مفاعلات نووية صغيرة على طول الساحل الأطلسي، من أجل تحلية مياء البحر، وتعميم الري على كافة المساحات القابلة للزراعة في المغرب، تأمينا للحق في الماء و الغذاء. السياسة المائية للمغرب حققت إنجازات هامة، انطلاقا من فكر الحسن الثاني رحمه الله الذي كان يؤمن بأمر هام، أن الشعوب القوية ليست تلك التي تمتلك دبابات متطورة وقاذفات صواريخ الأكثر فتكا وتدميرا، و غواصات لا تدركها الأبصار ولا الرادارات الأكثر تحسسا وضبطا لأدق الموجات، بل إنها تلك التي تنجح في تأمين قوت الشعب وتوفير ظروف العيش الكريم له.
إلا أنه يبدو أن مخططات المياه لم تتبع، بما يكفي، من دراسة وتبصر وحيطة، التحولات المجتمعية المتسارعة، والتقلبات المتغيرة، خاصة على مستوى التطور الديمغرافي والنزوح من البادية، وهو ما وصلت إليه تحقيقات مندوبية التخطيط، وبنجاح.
ومع أن خروج الناس للتظاهر ضد العطش أمر مألوف في المغرب، المتقلب المناخ المعتمد في زراعته وتوفير مياهه العذبة لتزويد الأهالي وتوفير مياه السقي،على خيرات المزن، باستثناء محطتين لتحلية المياه الأولى في طرفاية بقدرة 75 متراً مكعباً في اليوم، والثانية في العيون بقدرة 7000 متر مكعب، إلا أن السنة الحالية كانت استثناء، بسبب ما لوحظ من تنامي مخيف لتلك الاحتجاجات، التي عمت مختلف جهات الوطن، حواضره وبواديه، وقد زاد الوضع حدة ، من جهة، أن حكومة العثماني تضم بين مكوناتها أربع وزارات لها ارتباط مباشر بالماء: وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، ووزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء، وكتابة الدولة لدى هذه الوزارة مكلفة بالماء، وكتابة الدولى لدى وزارة الفلاحة مكلفة بالتنمية القروية والمياه والغابات….دون أن يكون لذلك أثر على الوضع، ومن جهة أخرى ما يصل إلى علم الشعب من وجود مخططات لإنشاء ملاعب جديدة للكولف وهي فضاءات “مستهلكة للماء وبقوة، وتنامي التشجيع على تنظيم المهرجانات والمواسم المتعددة الغايات، ما يتسبب في “نزيف” للمياه ، وغيرها من مظاهر التبذير لهذه المادة الثمينة، التي يقطع نصف الشعب المغربي إليها، يوميا، مسافات طويلة، في ظروف صعبة وشاقة، للحصول على جرعات منها لسقي الظمأ وتوفير حفنة ماء لإغاثة ماشيته، التي هي كل شيء في حياته.
منذ شهر يونيه، بدأت “حراكات” المواطنين تنذر بخطر العطش، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، حتى مدينة تطوان، مسقط رأس الهانم شرفات، “وزيرة الماء”، شهدت “قرع طبول الغضب”، وهي المدينة التي “يحنش” حولها واد المحنش، ويوجد بها ما لا يوجد في أي مدينة مغربية أخرى، شبكة أهلية موازية ، منذ ما قبل الحماية، لإيصال الماء إلى كل البيوتات، وذلك قبل أن تولد فكرة الوكالات الإقليمية أو الجهوية وقبل أن ينبطح المسؤولون أمام “إغراءات” “المعلم” الفرنسي الذي “خلصتنا” “أمانديسته” من وجع الرأس، وتكفل بتدبير مياهنا ونفاياتنا وتنظيف شوارعنا، وليس مطلوبا منا بالمقابل ، سوى أن “ندفع”، ونحن ندفع بسخــــاء، للمعلم !..
في وزان، كما في طنجة، والقصر الكبير وبني ملال، والجديدة والبيضاء والفقيه بنصالح وتازة وابن جرير وتاونات وصفرو وتاوريرت وطانطان والجديدة وغيرها وغيرها، أما المداشر والدواوير، ومدن “الريح” فحدث ولا حرج !…ما يجعل المسؤولين عن قطاع الماء أمام تحديات جديدة، مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل التقلبات المناخية وتزايد الحاجيات المائية في المستقبل القريب والتلوث ، والضغط على المياه الجوفية, إلى غير ذلك من العوامل التي تتطلب دراسات استشرافية من أجل إيجاد حلول جديدة نوعيا، توقف مد العطش بالمغرب ،وتمكن من ري الأرض، وبالتالي تضمن الحد الأدنى للأمن المائي خلال النصف الأول من القرن الواحد والعشرين، حيث إن البنك الدولي لذي نظم حديثا بالسويد مؤتمرا دوليا حول ندرة المياه في منطقة الشرق الوسط وشمال إفريقيا، يعتبر أن “المغرب يوجد على شفا العطش” كما تقول الإحصاءات إن نصيب الفرد المغربي من المياه يتجه نحو الانخفاض حيث لن يتجاوز 720 متار مكعبا سنويا، في أفق 2020. أي بعد ثلاث سنوات.
ملف العطش بالمغرب وما تضمنه من احتجاجات على نطاق واسع عبر ربوع المملكة، جر رئيس الحكومة العثماني إلى مساءلة برلمانية، حيث أكد من جهة، أن المغرب يتميز بمحدودية الموارد المائية، وبتباين توزيعها في الزمان والمكان ،بفعل تأثير التغيرات المناخية، ومن جهة أخرى، ، أن المغرب اتخذ مجموعة من التدابير “الاستباقية” لمعالجة إشكالية ندرة المياه، وذلك من أجل التأقلم مع التغيرات المناخية وانعكاساتها السلبية على الموارد المائية، ومواصلة الجهود الرامية إلى دعم التزويد بالماء الصالح للشرب، خاصة خلال فترات الجفاف، وبالمناطق التي تعرف خصاصا في هذه المادة الحيوية.وترتكز هذه التدابير”الاستباقية” على ثلاث دعامات متكاملة: المعالجة الهيكلية عبر التخطيط الاستشرافي وبرمجة المشاريع الرامية إلى تعبئة الموارد المائية من أجل تلبية الحاجيات المائية على المدى المتوسط والبعيد ، بالإضافة إلى بلورة والمعالجة الاستعجالية.
ويأتي بعد ذلك تشجيع الاستعمال المياه العادمة وتطوير تجربة تحلية مياه البحر لتزيد عدد من الجهات منها مدينة الحسيمة و”تثمين ” مياه الأمطار ومراجعة القوانين كل ذلك من أجل تدارك النقص الحاصل في تحقيق تزيد عادل للمياه بالمغرب حيث إن بعض المناطق لا تزال تعرف اضطرابات متفاوتة في التزويد بالماء الصالح للشرب، خصوصا في فترات الصيف، وتهم هذه الاضطرابات حوالي 37 مدينة ومركزا من المراكز التي يتدخل بها المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.
وهكذا يتضح أن التدابير “الاستباقية” التي اتخذتها الحكومة لم تنجح في “استباق” الأحداث هذه السنة، ولكنها أكيدا، “ستسبقها” ، في المستقبل القريب إن شاء الله سبحانه وتعالى، وستمكن من تحقيق العدالة المائية في المغرب، بطريقة “استباقية”، بعد أن يتم تنفيذ المشاريع المائية الكبرى، كسد مرتيل الذي كان من المفروض أن يكون جاهزا للتشغيل نهاية السنة الجارية، إلا أن الدراسات “الاستباقية”، لم تتوفق في التخلص من مشاكل مستعصية، لا تزال تعيق إنجاز المشروع، ما دفع نائب عمدة هذه المدينة إلى التصريح بأن “تطوان مهددة في أمنها المائي” بسبب تعثر إنجاز سد مارتيل”، المعول عليه لسد الخصاص في مادة الماء الصالح للشرب بهذه المدينة. الهانم أفيلال اعترفت بدورها بوجود “مشاكل متعددة” تعرقل إنجاز السد، قبل نهاية السنة الجارية كما أعلن عن ذلك سابقا..؟