حرف وعادات أهل شفشاون المنقرضة أو المهددة بالانقراض ـ 2 ـ
جريدة الشمال – محمد القاضي ( عادات وتقاليد اهل شاون)
مهنة كان يمارسها الرجال، ويقوم بدور الوسيط أو الوكيل بين البائع والمشتري، يدلل الصعوبات التي تعترضها، يعرض أنواعا من الصناعة التقليدية المحلية بالخصوص: (الجلباب والأحذية التقليدية- البلاغي للرجال والنساء)، وذلك كل مساء بعد صلاة العصر باستثناء يوم الجمعة (كان يوم عطلة للجميع في الحي التجاري المعروف (السويقة) وهو أقدم أحياء المدينة. حيث توجد الدكاكين الكثيرة المصطفة يمنة ويسرة والمنفرد بخصوصيته التجارية، ويبتدئ من مدخل الحي المطل على الساحة المعروفة (وطاء الحمام) وينتهي عند وسط الطريق المؤدية إلى باب العين وهي من الأبواب السبعة للمدينة القديمة.
يقوم الدلال بالوقوف عند كل دكان لعرض ما كلف ببيعه من السلع وذلك من أجل الاطلاع عليها ومعاينتها وذكر اسم صاحبها وثمنها، وللمشتري الخيار في الزيادة في ثمنها أو رفضها، وهكذا ذهابا وإيابا إلى أن تقف على آخر من ثمّنها، ويأتي صاحب البضاعة لأخذ ثمن بضاعته من المشتري. ويتقاضى الدلال الأجرة منهما معا حسب العرف المتبع في ذلك. ويتعاطاها في الغالب أهل الطبقة المتوسّطة. ويعرف هذا السوق ازدحاما كبيرا لكثرة رواده من المتبضعين من سكان المدينة ومن القرى والمداشر المجاورة وخصوصا أيام الإثنين والخميس حيث يعقد السوق الأسبوعي للمدينة. ويزداد السوق ازدحاما أياما قبل الأعياد الدينية (عيد الفطر وعيد الأضحى وعاشوراء).
لم تقتصر مهنة الدلال على مدينة شفشاون فقط بل كانت موجودة في كل المدن العتيقة كفاس ومراكش وتطوان والرباط.. وهناك مثل شعبي مغربي يقول: “إذا نصحك دلالك لا فضل لا راس مالك”.
هو المنادي الذي يتولى الإعلان والإشهار في الأسواق والأماكن العمومية، أي إبلاغ الناس بأمر هام من طرف السلطة، أو ممن ضاع له شيء ينشده فلا يفتأ يرفع عقيرته عابرا أسواق المدينة وحاراتها، وكان يختار لهذه المهمة ممن له صوت جهوري يساعده على أداء مهمته. ومن المهام التي كان يقوم بها في مدينة شفشاون هو الإعلان عن بيع للعقار (بيت- أرض فلاحية- غرفة أو أكثر في منزل ما- دكان- متاع للورثة) بعد صلاة الجمعة في ساحة وطاء الحمام قرب المسجد الأعظم فيلتف حوله الناس بعد خروجهم من المسجد ويشكلون حلقة دائرية كبيرة وهم ينصتون إليه. إضافة إلى الإعلان عن الاحتفال بالأعياد الدينية ودعوة الناس إلى إقامة صلاة العيد بالمصلى في الموعد المحدد لها، وهو يجوب أحياء وأزقة المدينة، والإعلان عن موعد صلاة الاستسقاء أيام الجفاف، وعن مناسبة وطنية كزيارة ملك البلاد، أو إذاع خبر ذي أهمية. وهي عادات كانت موجودة بالأندلس انتقلت إلى شفشاون مع المهاجرين الموريسكيين الذين استقروا في أغلب مدن وقرى شمال المغرب، ولهذا لم تقتصر هذه المهنة على المدينة فقط، بل انتشرت في الأسواق الأسبوعية بالبوادي المجاورة.
مهنة تقوم بها النساء، وهي من العادات التي كانت شائعة بكثرة في المدينة، تختص بها نساء محترفات، خبيرات بأمور ومجريات الحي أو الزقاق وسكانه والعلاقات الاجتماعية التي تربط بين أهل الحي وأسمائهم تقمن باستدعاء الضيوف (النساء بالخصوص) المرغوب بحضورهن إلى حفل العرس قبل أيام المناسبة بأسبوع أو أقل من ذلك لتتمكن النساء من تهيئ أنفسهن لليوم الموعود سواء فيما يتعلق بالملابس والحلي والتزيين.
تقوم العراضة وهي تجوب الأحياء والأزقة بدق أبواب بيوت الأسر المستدعية في وقت مناسب عادة ما يكون بعد صلاة العصر مخاطبة إياها بعد إلقاء التحية وبأسلوب مهذب قائلة: “إن الأسرة الفلانية تستدعيكم للحضور إلى حفل العرس يوم كذا على الساعة كذا”، ويرد عليها أهل البيت بالدعاء بأن يجعل الله البركة ويكمل بالخير على أهله. وأحيانا تدخل البيوتات لتتمكن من مزاولة مهمتها بصفتها المبعوثة الرسمية من لدن أهل العرس إلى البيوتات والعائلات العريقة، وأحيانا تجلس لاحتساء كأس من الشاي. وبعد إتمام مراسيم “العرضة” تقدم لها العائلة المعنية بالفرح أجرتها نقدا وقطعة من القماش، مقابل عملها.
إن مهنة (العراضة) اليوم في مدينة شفشاون هي في عدها التنازلي، فقد عوضت ببطاقات الدعوة والهاتف أو بواسطة الأنترنيت.
وهي المرأة المحترفة التي تظهر في حفلات النساء حيث تقوم بإنشاد الأمداح النبوية والأزجال والأدعية والتوسلات، يصاحبها مجموعة من النساء بين 5 و 7 تقودهم الحضارة ولا تستعمل من أدوات الطرب إلا الطبلة والدف والطر وأحيانا الضرب بالأيدي. تحضر حفلات الزفاف والعقيقة والختان والاحتفال بالمولد النبوي الشريف. وغيرها من المناسبات كالمهرجان النبوي للأمداح والسماع الذي يقام في المدينة في شهر يونيو.
العريفة:
هي المرأة المعينة من قبل السلطة للدخول إلى المنازل والتعرف على ما بداخلها بدل الرجل وتكون معتمدة عند القاضي الشرعي في الإشهاد على شؤون النساء التي لا يسمح للرجال الاطلاع عليها ويشترط فيها الذكاء والفطنة والجرأة. وهي اليوم معتمدة من طرف البلدية وتتقاضى أجرتها شهريا كالمقدمين.
مساعد صاحب فرن الخبز، يسمى طراحا، يحمل العجين من البيوتات إلى الفرن ثم يرده إلى أصحابه، فوق رأسه وبين أيديه، وعادة ما يكون سنه ما بين (14 إلى 18) ويكافأ على عمله بخبزة صغيرة تصنع له أو نصف خبزة من طرف صاحب الخبز. وكان التنافس شديدا بينهم من سيصل إلى الطالب لخدمته وكانت عادة النساء في المدينة أن يطرقن على مهماز الباب طرقات سريعة وقوية إيذانا لطلبه وهو عرف توارثه السكان وأصبح معروفا لدى (الطراحة) وقد انقرضت هذه المهنة اليوم وأصبح أهل البيت يحملون عجينهم بأيديهم إلى الفرن.
الطبال:
هو الضارب على الطبل، وكان يحترفها رجال يقومون بالضرب على الطبل، يستأثر كل حي من أحياء المدينة بطبالها الذي كان يتولى إيقاظ النائمين لتناول السحور أيام شهر رمضان، حيث يقوم بالسير عبر الدروب والأزقة وهو يضرب على طبله، وأحيانا يتبعه الأطفال الذين ينتظرون قدوم الطبال ليشاركوه في جريه وهم فرحون وينادون بأعلى صوتهم: الطبال، الطبال. إلى أن ينتهي شهر رمضان المعظم، وفي صبيحة يوم عيد الفطر يجوب حيه وهو يضرب على طبله قرب كل منزل كي يمنحوه نصيبه من زكاة الفطر. وهي اليوم في طريق الانقراض.
النفار:
صاحب النفير، وهو مزمار نحاسي طويل (ما بين متر ومتر ونصف ومترين)، يتألف من ثلاثة أجزاء رئيسية أولها (التنور) وهو الجزء العلوي من الآلة ويكون على شكل بوق، وثانيهما (الوسطية) وهي القناة الوسطى، ثم (الفلسع) وهو الجزء الذي يتصل مباشرة بفم النافخ (النفار) ويتم تركيبها عند الرغبة. وهو نوعان غليظ ويستعمل عادة للإعلان عن حلول شهر رمضان المعظم وعيد الفطر. والثاني رقيق ويستعمل في أنواع القيام خلال ليالي شهر رمضان. وكان لكل حومة (حي) نفارها الذي يصعد إلى صومعة مسجد الحي مع آذان صلاة المغرب وعند موعد السحور مرسلا صوتا مدويا ومجلجلا والأطفال يتحلقون بأسفل الصومعة يستمتعون بصولاته وهو ينفخ في آلته عازفا إيقاعات من مقامات خاصة، أو يجوب الدروب والأزقة ليلا يلاحقه الأطفال في خطواته. إضافة إلى مهمته في المناسبات الدينية والوطنية والاجتماعية (احتفالات الزفاف وكان من عادات وتقاليد الأسر في المدينة أنه كلما حل (النفار) بباب المنزل إلا وخرجت أم (بزلافة)= إناء صغير من الماء لينضح فيها النفار ثم يشربها الأطفال الصغار الذين لم ينطقوا بعد، وذلك تبركا والتماس نطق أطفالهم بسرعة، ودرءً لكل حُبسة أو عقدة لسان عندهم، مقابل أجر زهيد تمنحه الأم له، أما أجره عن عمله في شهر رمضان، فيكون من زكاة الفطر، فيحصل على نصيبه منها. وقد تفقد بريقها اليوم وتوارى دورها خلف متغيرات العصر الحديثة في ضبط الوقت والاتصال.
صاحب (الغيطة) وهي المزمار الشهير في المغرب، وتقتصر مهمته في شهر رمضان متطوعا، ولا يعرف كيف ومتى تسللت آلة الغيطة إلى صوامع مساجد المدينة خلال ليالي شهر رمضان حيث يقوم بالتشفيع بعد صلاة العشاء والتراويح، وهند السحور معلنا بنهايته من صومعة المسجد عازفا مجموعة من الألحان المعروفة (دينية ووطنية) يتقاضى أجره من زكاة عيد الفطر، حيث يناوله كل رب بيت نصيبه كالنفار والطبال. هذا الموروث بدأ يندثر أو في طريق الاندثار نهائيا. وتتشكل الغيطة من عدة أجزاء متفاوتة الحجم والشكل، تفرض جميعها بشكل متناسق لتقوم بوظيفتها. فهناك جعبة الغيطة وهي تصنع من عود المشمش لتتضمن هذه القصبة، ذات اللون البني الدّاكن بها 11 ثقبا يتميز كل واحد منه نوبة موسيقية خاصة. على أن الجزء الأمامي في الجعبة الدائري الشكل، شبيه بالبوق، فيعرف بتسمية (التنور)، أما الجعبة الصغيرة في الغيطة فتسمى ب (الدخيرة) ووظيفتها تنحصر في توزيع الهواء. أما (اللولة) فهي قطعة صغيرة من النحاس دائرية الشكل يتم إدخالها في (الدخيرة) لتحبس النفس وتساعد على تجميع الهواء. وعادة ما يرافق (الغياط) الطبال في الأفراح والمناسبات الدينية والوطنية والاجتماعية.
الكسال/ الطيّاب:
هو الذي يتولى تعهد المستحمين في الحمامات العمومية بذلك ظهورهم وأطرافهم، ويجعل في يده (كيسا) من القماش الخشن يساعده على ذلك. إضافة إلى تقريب الماء الساخن للمستحم. وهي مهنة كانت معروفة في التاريخ الحضاري الإسلامي، وقد ذكر الجاحظ في كتابه البخلاء عن وجود هؤلاء في حمامات بغداد، وكيف كان الواحد منهم يضع على رأس زبونه طيبا يميز به رأسه من رؤوس الآخرين ريثما يعود إليه، وكيف كان النزاع يحتدم أحيانا بين الطيابين وذلك مقابل أجر يمنحه هذا الزبون، يتفاوت حسب نوعيته ومكانته الاجتماعية. ومن المشرق والأندلس تسربت إلى المغرب.
و(الطيابة) امرأة تتولى نفس الخدمة للنساء، وللعروس والنفساء خدمات خاصة بهن وتخصص لهن غرفة أو ركن خاص بالحمام خاصة مقابل أجر تمنحه الزبونة للطيابة.
وهي المرأة التي تمتهن تطريز الثياب بخيوط الحرير وخيوط الذهب، وهي حرفة أندلسية دخلت المدينة مع المهاجرين الأندلسيين، تمارسها (المعلمة) والفتيات التي تسهر على تعليمهن هذه الحرفة، وهي من الفنون الجميلة تتجلى بالخصوص في (الألبسة النسائية والرجالية والإيزارات والمخدات والمناديل) ويختلف فن الطرز المغربي من مدينة إلى أخرى. من تطوان إلى فاس ومن الرباط إلى سلا ومن أزمور إلى شفشاون، حيث يتواجد العديد من ألوان الطرز، فمدرسة شفشاون كأختها في مدينة تطوان عرفت بلونين معروفين هما:
أ- التنشيفة ويستوجب وجود أحد عشر لونا، ويطرز على ثوب حريري، ويكون له وجهان (المزلج) و (المرخم) وهو لا يزال موجودا اليوم وينجز (بآلة الخياطة). وهذا يمنحه وجها واحدا بعكس الطريقة التقليدية التي تمنحه وجهين.
ب- التعجيزة: يكون خاصا بالإزار الذي يشترط أن يكون لونه أصفر أو أبيض وهو جزء من (الشوار) الخاص بالعروس ويوجد كذلك في المخدات، ويتميز بطرازات رشيقة تشبه أشكال الشجر الإفريقي، وغالبا ما يكون بألوان فاقعة صاخبة كالأزرق والأصفر والأخضر.
ومما يمكن ملاحظته أن أعمال الطرز في شفشاون وتطوان هي أكثر قرابة وتشابها مع الطرز والحياكة في الأندلس (اسبانيا).