على خطوات من الوصول إلى نهاية الولاية : حكومة بنكيران تطلق استراتيجية على مدى عشر سنوات لمحاربة الفساد وتخليق الحياة العامة ونشر قيم النزاهة والشفافية
الثلاثاء 31 ماي 2016 – 18:01:10
حكومة عبد الإله بنكيران ، وهي على مشارف الوصول إلى نهاية ولايتها التي تصر على ربطها بـ”الربيع العربي”، بينما حزب “العدالة والتنمية” راهن ضد حركة 20 فبراير، بل وردع بطريقة مستبدة، جانبا من شبيبته التي كانت تعتزم الانخراط في المسار المطلبي لهذه الحركة،……. هذه الحكومة التي ائتلفت مصالحها واختلفت نياتاها وأهواؤها و “سيوفها” ( “أحرار” مزوار وأمازيغ العنصر، نموذجا)، انتهت إلى حصيلة بئيسة ، لأنها في نظر العديد من المتتبعين، اعتمدت على أسلوب “البلوف” وعلى الكثير من اللغط والجلبة والوعود حتى ظن بعض المهتمين بأعضاء الحكومة أنهم صاروا يعتبرن أمانيهم “حقائق على أرض الواقع”….ويتباهون بمنجزات لا زال الكثير منها مشاريع قوانين بالغرفتين أو بالأمانة العامة أو أنهم استحضروا “المحراث قبل الثيران”، كما يقول المثل الفرنسي، فحضرت القوانين وغابت آليات التنفذ، وتكسرت مشاريع راميد والتعويضات الاجتماعية المختلفة وحقوق المرأة، و قانون” عبيد البيوت” على صخور الواقع المر، الذي نعيشه وسط خطاب سياسي مخيب للآمال ومحبط ودافع إلى اليأس.
وحتى لا يسد بن كيران عن قاعدة وزرائه الذين ابتدعوا موضة “الاستراتيجيات” حتى صار لكل وزير استراتيجيته في تدبير القطاع الموكل إليه أمره، ..الوردي ، الحقاوي، الرباح، أفيلال، اعماره، موبديع ، وغيرهم، فقد طلع علينا رئيس الحكومة ، بداية الشهر الجاري ، بإستراتيجيته التي يطمح بها إلى مواجهة الفساد الذي سبق وأن التمس لأصحابه “عفو الله وكرمه” انطلاقا من اقتناعه بأنه “يشتغل مع الله” ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ــ …… استراتيجية بن كيران تستند إلى الدستور في محاربة الفساد وآثاره السلبية على الاقتصاد الوطني وعلى وثيرة النمو وتستجيب لمطالب الشعب بـ “إسقاط الفساد” (الإداري) ، حيث يبدو أن الحكومة، وهي “تنازع”، اقتنعت بضرورة طرح استراتيجية لمحاربة كل أشكال الفساد واقتصاد الريع ، ووضعت لأجل ذلك آليات “قاضية” منها تقوية الرقابة، وتخليق الحياة العامة ونشر قيم النزاهة والشفافية ، لا شك عبر خطب الوعظ والإرشاد، وربط المسؤولية بالمحاسبة التي نص عليها دستور 2011.
لا علاقة للاستراتيجية بالانتخابات
وحتى تتيقنوا من أن الاستراتيجية لا علاقة لها بالتحضير للانتخابات القادمة التي تدل القرائن على أن الحزب واثق من اكتساحها ومن أنه سيعود وفي عين الحسود ، ــ الذي في بالكم ــ ، ألف عود وعود،…فقد “درح” بنكيران استراتيجيته على عشر سنوات، من 2016 إلى 2025، أطال الله أعماركم بكل خير ! … ووفر لها من بيت مال المسلمين ما يفوق مليارا وثمانمائة مليون دولارات أمريكي، وأرسى قوائمها على إجراءات وتدابير على المستوى المؤسساتي ، والقانوني ، والتنظيمي، والعملي، منها إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ـ والعياد بالله ـ، وترسيخ مبدأ التدبير الجيد للشؤون العامة، واحترام مبدأ المنافسة ، وضمان الشفافية والإنصاف وتوفير شروط تدبير الصفقات العمومية وتبسيط المساطر وإحداث الشباك الوحيد وتيسير الولوج إلى المعلومة بالنسبة للعموم ــ وليس لفائدة الصحافيين “المشاغبين” الذين يواجهون عداء رجال الإدارة وتحفظهم ، كما يواجهون المضايقات والمحاكمات والغرامات الثقيلة والسجن في حالات تخص ما اصطلح عليه بالثوابت ــ ، إضافة إلى إحداث لجنة مشتركة بين الوزارات المعنية من أجل تفعيل توصيات مجلس العزيز ادريس جطو.
بعض المتتبعين انتبه إلى أن حكومة بنكيران انتهت إلى الاعتراف بأن مشروعها الانتخابي لمحاربة الفساد، سنة 2011 فشل فشلا ذريعا، وأن قضية “عفا الله عما سلف” أتلفت أوراق الحزب “المنقذ من الضلال”.
وأركنته في مربع الدفاع بدل الهجوم ، بعد التقارير الدولية التي تتحدث عن استشراء الفساد في المغرب، تلك التقارير التي دأب “الناطق الرسمي” على التشكيك في مصداقيتها ونزاهة أصحابها بخصوص قضايا الفساد التي يتصدى لها بنكيران عن طريق الوعظ والإرشاد والدعاء المستجاب !
… 10 سنوات و 239 مشروعا
استراتيجية بنكيران التي ستمتد على مساحة عشر سنوات تتضمن 239 مشروعا موزعة على عشرة برامج تستهدف تحسين خدمة المواطن والإدارة الاليكترونية والأخلاقيات والوصول إلى المعلومة، والطلبات العمومية، والرقابة والمساءلة ، والمتابعة والزجر ، ونزاهة القطاع الخاص والتواصل والتحسيس والتربية والتكوين. وكذا إجراءات وقائية تم اتخاذها على سبيل التجربة، في ما يتعلق باختصاصات اللجنة الوطنية للصفقات العمومية، وإطلاق الرقم الأخضر للتبليغ عن الرشوة، ــ وهو موضوع محفوف بالمخاطر ــ ، ووضع كاميرات مراقبة لدي بعض المصالح الأمنية ومراكز الامتحانات ، وغيرها. الوزير المبدع ، قال في ندوة صحافية ، إنه سيتم تقييم المنجزات في إطار هذه الاستراتيجية ، على رأس كل سنة ، وفق المؤشرات الوطنية والدولية، ووفق أولويات تخص المجالات الأكثر عرضة للرشوة والفساد، كالصحة، والعدل، والنقل، والجماعات المحلية.
وحتى لا يبقى مجال للغموض في صرف اعتمادات الاستراتيجية، قال الوزير المبدع، إت الحكومة ستخصص 133 مليون جولار ببوقاية، و 31 مليون للتواصل والتوعية، و 9 ملايين للحكامة، و 4,6 ملايين لمعاقبة المرتشين، وأخيرا 2,5 مليون دولار للتأهيل والتدريب. ويبدو أن الإكراميات التي من المفروض أن تقدم للمبلغين عن الفساد، وقع السهو عنها في هذه الاستراتيجية. قال قائل، إن التبليغ عن الفساد يدخل في خانة المواطنة الحقة، ولا يستحق أي تعويض !!!..
باستثناء المخاطر التي تعرض لها صاحب “الزفت” وقناص الدرك، وغيرهما.
الاستراتيجية جاءت في وقتها !
وأمام انتقادات بعض الأوساط المهتمة “الغيورة” على مصلحة الوطن، بخصوص التأخر عن إطلاق هذه الاستراتيجية، وربطها بحسابات النتخابية، أكدت أوساط حكومية، وفق ما راج في بعض وسائل الإعلام الوطنية، أن الاستراتيجية الجديدة تمتد على عشر سنوات، (والحكومة لم يبق من عمرها سوى أسابيع)، وأن الإعلان عن هذه الاستراتيجية، جاء بعد استكمال التشاور مع مختلف الأطراف المعنية.
أوهوء !
دت بعض الهيئات الأهلية المهتمة بملف الفساد والرشوة، حيث انتقدت إبعادها من مراحل الإعداد للخطة البنكيرانية، ومنها الشبكة المغربية لحماية المال العام التي أكدت أن هذه الاستراتيجية، على أهمية بعض موادها ، قطاعية، تعالج بعض المشاكل التي تنتج عنها الرشوة، في الإدارات العمومية كالاكتظاظ ، مثلا، ولكن الخطة لا يبدو أنها قادرة على تحسين بنيات الاستقبال في المصالح المرتبطة مباشرة بالمواطنين .
كما أن الخطة الحكومية تعالج “الرشوة الصغيرة” حسب محمد المسكاوي رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام، بينما المطلوب خطة متكاملة لمحاربة الفساد المستشري في مفاصل الدولة منذ الاستقلال، خطة تعيد أراضي الدولة المنهوبة، وتحافظ على الثروات البحرية والمعدنية، وتراقب حسن تطبيق الصفقات العمومية وتعيد الأموال المهربة من خزينة الدولة وهي تعد بالملايير !!!… ومن الملاحظ في هذا الباب، أن ردود الفعل لدى المواطن المغربي في ما يخص الرشوة، لم تنتظر استراتيجية الحكومة حيث عمد بعض المواطنين إلى توثيق حالات الرشوة والفساد عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، وهي مبادرة أثبتت نجاعتها بالرغم من أن أصحابها واجهوا مقاومة عنيفة من طرف أنصار الفساد وتعرضوا لمضايقات علم بها الخاص والعام. استراتيجية بنكيران كانت موضوع عشر اتفاقيات تتعلق بالجهات التي ستشرف على التنسيق مع الأطراف الموكول إليها أمر تحقيق برامج الخطة: تحسين خدمة المواطن ( وزارة الداخلية) الإدارة الاليكترونية: (وزارة التجارة والصناعة) ، الأخلاقيات والشفافية : (وزارة الوظيفة العمومية)، الطلبات العمومية والرقابة (وزارة الاقتصاد والمالية)، المتابعة والزجر (وزارة العدل)، نزاهة القطاع الخاص (الاتحاد العام لمقاولات المغرب)، التواصل والتحسيس (وزارة الاتصال)، التربية والتكوين (وزارة التربية الوطنية).
رشاوى صغيرة ورشاوى كبيرة
رئيس الحكومة أكد أن نجاح الاستراتيجية رهين بالتزام الأطراف المعنية وبانخراط الجميع إدارة وقطاع خاص وجماعات محلية، من أجل مواجهة هذه الظاهرة . فهل يكفي وضع خطة على الورق، والتوقيع عليها في محفل “رسمي”، لمواجهة ظاهرة الفساد والرشوة، خاصة والحكومة “مودعة” وقد يأتي للحكم غيرها، ليتم تعديلها أو تغييرها، أو إلغاؤها بالمرة، ويصير بها ما صار بالبرنامج الاستعجالي في قطاع التعليم الذي أفرغت في ملفه (وجيوب المكلفين به) ملايين الملايين، ليتم الاستغناء عنه مع وصول الحكومة الجديدة، وفتح ملف جديد وكل إلى لجنة جديدة بميزانية جديدة بالملايير أيضا…. منظمة أمنيستي الدولية ثمنت هذه البادرة، إلا أنها لاحظت أن ميدان المناخ العام لمحاربة الفساد والرشوة يوجد به عدد من المؤشرات السلبية حيث إن الرشوة تعد ظاهرة “بنيوية” بالمغرب وانتشارها له علاقة مباشرة بمصالح المواطن المغربي .
ويؤكد فؤاد عبد المومني رئيس الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة أن الرشوة نوعان، صغيرة يدفعها المواطن البسيط بسبب الاكتظاظ و”الحكرة” والمساطر المعقدة، ذلك أن المواطنين يدفعون رشوة للحصول على خدمات أساسية، ورشاوى كبيرة تمر في الأروقة المغلقة وتؤثر سلبا على قطاعات بأكملها ، وهي الأهم والأخطر، لأن وجودها يدفع المواطن البسيط إلى “التطبيع” مع الرشوة واعتبارها أمرا عاديا.
مطلوب تبسيط المساطر وتحسين الاستقبال أولاً
القوانين وحدها لا تكفي والتوقيع على اتفاقيات في نوع من المهرجانات “الموازينية” العمومية، لن يجعل المرتشين يتوقفون عن مد اليد تحت الطاولة، أو فوقها، وبكل جرأة.
الأهم في المرحلة الأولى تبسيط المساطر، فكلما تعقدت المساطر، خاصة في ما يتصل بالخدمات الأساسية، ارتفعت أسهم الرشوة وكثر المطالبون بها . ثم يأتي دور استقبال المواطنين في الإدارات العمومية، حيث الاكتظاظ الذي يفوق الوصف في بعض الحالات، ليتم الانتقال تدريجيا إلى برامج الاستراتيجية التي تتطلب إرادة سياسية حقيقية ورجالا ونساء مخلصين للوطن وللمواطنين، وآليات صلبة وعنيدة للمواجهة على أكثر من واجهة. أما الزجر فيجب أن يكون مثاليا، رادعا، ، إذا ثبت الجرم في حق مأمور في الخدمة العامة.