تم بحمد الله تعالى يوم 23 يوليوز 2022 من الساعة العاشرة صباحا إلى الساعة الثانية زوالا بالملحقة 1 لكلية الحقوق مناقشة أطروحة دكتوراه في القانون الخاص أعدتها الطالبة الباحثة زينب أمزيل تحت إشراف الدكتورة جميلة العماري، وقد تكونت لجنة المناقشة من الدكتور أحمد الوجدي رئيسا، الدكتور محمد بنيعيش عضوا، الدكتورة سعاد خميدي عضوا، الدكتورة إشراق الإدريسي عضوا، الدكتور مصطفى طريفة عضوا، وبعد المناقشة والمداولة حصلت الطالبة على درجة الدكتوراه في القانون الخاص بميزة: مشرف جدا مع التوصية بالنشر.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، أما بعد:
فإني أحمد الله رب العالمين أن يسر لي سبل اكتساب العلم، ووفقني لإتمام هذا العمل، وأكرمني بقبول مناقشته.
كما لا يسعني في هذا المقام إلا أن أتقدم بجزيل الشكر والتقدير لصاحبة الفضل الأستاذة الدكتورة جميلة العماري التي رافقتني طيلة مشواري الجامعي، وتفضلت علي بقبول الإشراف على هذه الأطروحة وخصتني بتوجيهاتها وإرشاداتها النيرة لإتمام هذا العمل.
كما أقدم شكري وفائق احترامي للسادةِ الأساتذة:
- الأستاذ الدكتور أحمد الوجدي، رئيس هذه اللجنة العلمية الموقرة.
- الأستاذ الدكتور محمد بنيعيش، صاحب العطاء اللامتناهي.
- والأستاذة الدكتورة إشراق الإدريسي، التي تكبدت عناء السفر خدمة للعلم.
- والدكتورة سعاد حميدي، التي تتكرم للمرة الثانية بقبول مناقشة هذا العمل بعد رسالة الماستر.
- شكري الموصول كذلك لفضيلة الدكتور مصطفى طريفة الذي قبل مناقشة هذا العمل وتقييمه وتقويمه.
فشكرا جزيلا لكم.
كما أتوجه بشكري وامتناني لوالدي الكريم الذي كان لي خير عون وسند، ولأمي التي تحملت معي عبء البحث، ولكل أفراد أسرتي وعائلتي الكبيرة على رأسهم عمي وأخي.
كما لا يفوتني أن أعبر عن تقديري واحترامي لصديق والدي الكريم السيد أحمد الخياط الرجل المعطاء والمحب للعلم، وأتقدَّم بالشكر الجزيل للأستاذ الدكتور عادل المعروفي على كل ما بذله، ولخالي الدكتور عبد الجليل البكوري الذي ساعدني في التدقيق اللغوي، وللأستاذ عدنان المرابط على توجيهاته وتصويباته.
وإنه لمن دواعي سروري أن يلبي دعوتي لحضور هذه المناقشة أصحاب الفضل أساتذتي الأجلاء الذين درسوني بالمرحلة الثانوية فشكرا جزيلا لكم أساتذتي الأفاضل على قبول الدعوة.
كما لا أنسى أن أقدم شكري للسادة الحضور كل باسمه وصفته ووسمه الجميل.
سيدي الرئيس؛ السَّادة أعضاء اللجنة العلمية الموقرة:
تمحور موضوع أطروحتي حول “حماية المستهلك في البيوعات العقارية الخاصة”، ولا شك أن عبارة المستهلك في مجال بيع العقارات تبدو منيعة بعض الشيء، وتطرح إشكالات تتعلق بحدودها.
ذلك أن حاجة الفرد إلى السكن لا تقل أهمية عن حاجته إلى المأكل والملبس، فهو لا يستطيع العيش دون مسكن يأويه، بل الأهم من ذلك تملُّكه لهذا المسكن، وهو الأمر الذي يكون صعبا أحيانا عندما يتعلق الأمر بالطبقة ذات الدخل المحدود أو الضعيف لمجموعة من الأسباب ترجع بالأساس للأزمة الخانقة التي عرفها قطاع الإسكان.
وأمام استفحال أزمة السكن بالمغرب سعت الدولة إلى تقليص العجز السكني، حيث عملت على معالجة الأوضاع القائمة والتدخل للقضاء على هذه الأزمة، فحرصت على اعتماد استراتيجية شمولية في السياسات العمومية، ومحاربة السكن العشوائي ومدن الصفيح.
وكرست كل قدراتها على المستوى التشريعي بسنها القواعد القانونية التي من شأنها أن تساير وتواكب التحولات التي يعرفها المغرب في هذا القطاع، كالقوانين العقارية الجديدة المتمثلة في القانون رقم 18.00 المتعلق بالملكية المشتركة للعقارات المبنية ذات الشقق، والقانون رقم 51.00 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار، وقانون التعمير رقم 12.90، والقانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية، وأخيرا القانون رقم 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز.
وفي ظل هذه التجاذبات تأتي هذه الدراسة بغية تسليط الضوء على بعض الزوايا القانونية لحماية حقوق المستهلك العقاري. فأمام تزايد الحاجة الملحة للعقار، ظهرت أنواع جديدة من التعاقد، أهمها عقد بيع العقار في طور الإنجاز، هذا العقد الذي أصبح يطرح إشكالا متعلقا بخطورة الآثار المترتبة عنه بالنسبة لأطرافه، لاسيما المشتري -المستهلك باعتباره الطرف الأضعف في هذه العلاقة التعاقدية، حيث يكتسي موضوع حماية المستهلك في إطار عقد بيع العقار في طور الإنجاز أهمية بالغة على مجموعةٍ من الجوانب.
فعلى الجانب الاجتماعي؛ لا يمكن لأحد أن ينكر إسهام بيع العقار في طور الإنجاز في حل أزمة السكن التي ظل المغرب يتكبدها طيلة العقود الأخيرة، فواقع المعاملات المنصبة على العقارات في طور الإنجاز يبين أن غالبية المستهلكين العقاريين ينتمون إلى الفئات الاجتماعية المعوزة والهشة وأصحاب الدخل المحدود.
فهذه الفئة التي لا تستطيع عادة أن تدفع الثمن كاملا دفعة واحد. فتعمد إلى هذه التقنية نظرا لأن طريقة أداء الثمن في هذا النوع من البيوعات تكون على شكل أقساط تدفع دوريا وتتلاءم نسبيا مع الوضعية المالية لهذه الفئة.
أما على الجانب الاقتصادي؛ فإن تنظيم هذا النوع من المعاملات من شأنه أن يحفز كل متردد للاستفادة من السكن بشروط تفضيلية وتمكين المنعش العقاري من تمويل مشروعه لينعكس إيجابا على استقرار المعاملات العقارية، وبالتالي إنعاش الاقتصاد الوطني المتعلق بقطاع الإسكان بالمغرب.
إلا أن الممارسة أسفرت عن اختلالات ومشاكل اعترضت سبل المتعاملين في إطار هذه العقود، يروح ضحيتها المستهلك بالدرجة الأولى، نظرا للتعقيدات التي تعرفها عملية البيع وتفرضها طبيعة العقد.
فما كان للمشرع بُدّ من إصدار القانون رقم 107.12 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 44.00 المتعلق ببيع العقارات في طور الإنجاز بهدف تجاوز مختلف العراقيل التي اعترضت تطبيق القانون الأول، وخلق مناخ ملائم يستجيب لتزايد الطلب على السكن، وتقريب الهوة بين المصالح المتعارضة لطرفي العلاقة التعاقدية.
من هنا؛ يمكن حصر إشكالية هذا الموضوع في التساؤل التالي:
إلى إي حد استطاع المشرع المغربي من خلال إصدار القانون 107.12 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز بسط حماية تشريعية قادرة على خلق التوازن بين مصالح طرفي العلاقة التعاقدية من جهة وإقرار حماية جنائية وقضائية فعالة لحماية المستهلك من جهة أخرى؟
وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية أهمها:
- ما مدى فعالية الضمانات القانونية التي جاء بها القانون 107.12 في حماية مستهلك العقار في طور الإنجاز؟
- إلى أي حد استطاع المشرع توفير حماية جنائية فعالة للمتعاقد في إطار بيع العقار في طور الإنجاز؟
- ما هي الصلاحيات التي منحها قانون حماية المستهلك للقضاء من أجل تحقيق التوازن العقدي في هذا الصنف من البيوع العقارية؟
ولتسليط الضوء على كافة جوانب الموضوع ومحاولة الإجابة على التساؤلات المطروحة؛ استلزم الأمر اعتماد:
- المنهج الوصفي التحليلي: للوقوف على مختلف المقتضيات القانونية التي تروم حماية المستهلك،
- المنهج النقدي: بغية الوقوف على مواطن الضعف والقصور حسب ما تستدعيه طبيعة الموضوع.
ولأجل تحليل الإشكالية المطروحة عمدت الباحثة إلى تقسيم الموضوع إلى بابين، تطرقت في الباب الأول للحماية التشريعية لمستهلك العقار في طور الإنجاز من خلال إبراز مظاهر حماية مستهلك العقار في طور الإنجاز على مستوى العقد الابتدائي (الفصل الأول) وعلى مستوى العقد النهائي (الفصل الثاني).
أما الباب الثاني فوقفت الباحثة من خلاله على الحماية الجنائية لمستهلك العقار في طور الإنجاز (الفصل الأول)، ثم على الحماية القضائية لمستهلك العقار في طور الإنجاز من الشروط التعسفية (الفصل الثاني).
فالدراسة تهدف بحثَ أوجه الحماية المقررة لفائدة المشتري المستهلك لعقار في طور الإنجاز على المستوى التشريعي والجنائي والقضائي، ترسيخا لمبدأ الثقة واستقرار المعاملات العقارية.
فإلى جانب إمكانية احتكام المستهلك المتضرر لقواعد المادة المدنية لأجل المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي قد ينتج عن انخراطه في عملية تعاقدية عقارية، نجد أن السياسة التشريعية أذكت أسسا قانونية أخرى لحماية المعاملات العقارية من بعض الممارسات المضرة بمصالح الفرد والمجتمع على حد سواء.
فالقواعد الآمرة التي تتضمنها المادة المدنية تبقى عديمة الجدوى ما لم تكن مدعومة بالجزاءات في مواجهة الباعة المهنيين، وإخضاع الجرائم الضارة بالمستهلك العقاري للمساءلة الجنائية، والحد من ظاهرة النصب والاحتيال التي يتعرض لها.
وكذلك حاولت هذه الدراسة تقييم الإطار القانوني المنظم لبيع العقار في طور الانجاز وفق أخر المستجدات التي أعقبت الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية واتخاذ مجموعة من التدابير التشريعية والتنظيمية الرامية لحماية حقوق المستهلك في ظل انتشار فيروس كورونا.
وبهذا يمكن القول: إن الخصوصيات المنصوص عليها بالقانون 107.12 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز، سعى من خلالها المشرع لتحقيق التوازن بين المشتري والبائع سواء على مستوى توثيق العقود أو الضمانات الممنوحة للمشتري خصوصا ضمانة إنهاء الأشغال والتقييد الاحتياطي، وكذلك بالنسبة للآثار الناجمة عن العقود التمهيدية والعقد النهائي.
وإذا كان المشرع من ناحية النص القانوني قد حاول إضفاء حماية على مشتري العقار في طور الإنجاز مع الحفاظ على التوازن بين المتعاقدين، فإنه من الناحية العملية إما أن يتم تفعيل القانون 107.12 وتتحقق الحماية، وإما أن يتم تجاهله من طرف المنعشين العقاريين على غرار سابقه.
وإذا كانت الخصوصيات المنصوص عليها في القانون 107.12 لها أهمية في حماية أطراف العلاقة التعاقدية وتحقيق التوازن بينهم وتشجيع الاستثمار في المجال العقاري، فإن القانون المذكور اشتمل على مجموعة من الثغرات و الإشكالات التي تتطلب حلولا من ذلك ما يلي :
إدماج المشرع العقارات غير المحفظة في نطاق بيع العقار في طور الإنجاز، وهذا الأمر يبقى محفوفا بمجموعة من المخاطر على أكثر من وجه، ولا يشكل حماية للمشترين في هذا النوع من البيوعات العقارية الخاصة ويشكل عدم تشجيع على تحفيظ العقارات.مما يستدعي أن يجعل المشرع العقارات الخاضعة للقانون 107.12 العقارات المحفظة والتي في طور التحفيظ بعد انتهاء أجل التعرضات دون وجود أي تعرض.
جعل المشرع التقييد الاحتياطي مسألة اختيارية، وعلقه على أداء 50% من الثمن الإجمالي للبيع، وهذا ما يؤثر في قيمة هذه الضمانة. مما يستدعي تدخل المشرع لجعل التقييد الاحتياطي إجباريا مع إلغاء شرط أداء المشتري 50 % من الثمن.
إعطاء المشرع للبائع الحق في الاختيار بين إنجاز ضمانة استرجاع الأقساط وضمانة إنهاء الأشغال، مما يفرغ هذه الأخيرة من قيمتها الحقيقية وخصوصا أن الحصول على عقار هو هدف المشتري.
ضرورة استيعاب مدى أهمية الاستراتيجية الالكترونية في المعاملات عموما والعقارية خصوصا.
تبني الرقمنة في المعاملات العقارية أضحت ضرورة ملحة لا محيد عنها لمواكبة التطورات والأوضاع المستجدة.
العمل على زيادة الحماية التشريعية لمقترض القرض العقاري خلال فترات الأزمات والظروف الاستثنائية، والتي من شأنها أن تؤثر على دخله المالي ومن ثم سداده لأقساط القرض.
إعادة النظر في النصوص الجنائية ذات الصلة بالعقار لتساير متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتؤسس لسياسة جنائية تعكس تطور الوعي الحاصل في المجتمع وواقعه الذي لم يعد قادرا على تحمل المزيد من الممارسات والسلوكيات التي تستخف بمبدأ الالتزام العام بسلامة المنتج العقاري.
سيدي الرئيس؛ السادة أعضاء اللجنة العلمية الموقرة؛
في نهاية هذه المداخلة لا يسعني إلا أن أجدد شكري وتقديري لكم . كما أشير إلى أنه ما كان في هذا العمل من توفيق فمن الله سبحانه ثم بفضل توجيهات الأستاذة الفاضلة الدكتور جميلة العماري، وما كان فيه من سهو أو خطأ فمن نفسي ومن الشيطان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.